«لين كسبار» مديرة قسم النشر في «دار الساقي» في لندن، من أسرة متخصصة في عالم النشر، رغم أن دراستها بعيدة عن عالم النشر، إلا أنها فضلت القيام بهذا الدور، لما يحمله الكتاب من قيمة وتأثير في الحياة. وعن رؤيتها وأفكارها حول العمل والحياة كان هذا الحوار.. ■ كيف بدات في عالم النشر، وهل كان خيارك الأول؟ □ إنني حالياً مديرة النشر في «دار الساقي» فرع لندن. وأحتل هذا المنصب منذ عام 2009 بعدما بدأت العمل في المؤسسة في عام 2005. لم يكن التوظف في هذه المؤسسة التي أسسها والدي أندريه كسبار والراحلة مي غصوب وشركاؤهما خياري الأول، خاصة وقد تخصصت في الجامعة في مادة التاريخ وكنت ميالة كثيراً إلى حقل «فض النزاعات» وقضايا الدفاع عن حقوق المرأة، ولكنني انخرطت في هذا القطاع بكل جوارحي وأحببت العمل فيه، والسبب الرئيسي هو أن الكتب تؤثر تأثيراً كبيراً في توجهات البشر. ففي بعض الأحيان قراءة كتاب واحد قد تغير خيارات إنسان ما، وتبدل قراراته المصيرية باتجاه خيارات أفضل. ■ وكيف يدار العمل داخل المؤسسة؟ □ المؤسسة ذات ثلاثة أقسام رئيسية. أكبرها قسم بيروت، الذي ينشر ويوزع مئات الكتب ويتخصص في نشر الكتب بالعربية، ويوزعها في سائر أنحاء العالم العربي والعالم. كما يوزع الكتب التي ننشرها نحن في بريطانيا إلى حيث يمكن توزيعها في المنطقة العربية والعالم. ويصدر عن قسم بيروت ما يزيد عن مئة كتاب سنوياً. وقد فاز عدد من كتبنا الصادرة هناك بجوائز بارزة. ويشكل قسم بيروت شركة في حد ذاته، كما يشكل قسمنا في بريطانيا شركة أخرى أديرها بنفسي، والشركة الثالثة تشمل مكتبة الساقي في لندن التي تبيع الكتب العربية والأجنبية من نشرنا ومن نشر دور أخرى. وهناك تنسيق كبير بين الشركات الثلاث، فكل منها يحرك الآخر عندما تدعو الحاجة، بحيث تأتينا الكتب التي تنشرها الدار في بيروت لتوزيعها وبيعها، ويوزع قسم بيروت كتبنا ويروج لها وللكتب الصادرة عنه. كما نتشارك في كثير من الأحيان في استقطاب المؤلفين وترجمة نتاجاتهم إلى اللغات المختلفة. ■ وماذا عن إضافتك الخاصة؟ □ لقد ساهمت في انطلاق مشروع «ويستبورن بريس» الذي أنتج عدداً من الكتب التي تتطرق لمواضيع إنسانية ودينية واجتماعية مهمة، ليست بالضرورة مرتبطة بالشرق الأوسط. وقد لاقت هذه الكتب رواجاً كبيراً فاق التوقعات. وقد ركز المشروع على قضايا حرية الرأي وتناول مواضيع حساسة كالمرأة والإسلام في هذا العصر وأوضاع الأقليات الدينية والإثنية، وعلاقة القوانين والشرائع بالقضايا العائلية والجنسية. وتطرق إلى هذه المواضيع مؤلفون ومؤلفات ينتمون إلى جيل جديد يتمتع بالجرأة ولا يخشى تناول مثل هذه القضايا. وكان في اختيار المواضيع والمؤلفين مجازفة، ولكنها كانت مجازفة ناجحة. وفي السنوات الأخيرة، شجع قسمنا البريطاني نشر الكتب عن الفن لدى الأجيال الجديدة، وكتب تفتح المجال أمام هذه الأجيال للتعبير عن آرائها، وبينها كتاب عن المرأة المسلمة البريطانية يروي ما تريد أن تقوله المسلمات البريطانيات. إن التنافس مع دور النشر البريطانية والعالمية أصبح شديداً في السنوات الأخيرة، بسبب الإقبال على قراءة الكتب المرتبطة بالشرق الأوسط والإسلام. ولم يكن الوضع كذلك في الماضي. وقد ازداد هذا الإقبال بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، وعلى أثر انطلاق ثورات «الربيع العربي». من ناحية أخرى اختيرت ثلاثة من كتبنا كأفضل كتب للعام الماضي في ثلاث صحف بريطانية بارزة وهي «غارديان» و«صاندي تايمز» و«سكوتسمان». ■ وكيف تبدو علاقتك مع المؤلفين؟ □ لديّ علاقات جيدة مع تقريبا جميع المؤلفين الذين عملت أو أعمل معهم. في بعض الأحيان أحاول استقطاب المؤلفين لبعض المواضيع، وفي أحيان أخرى يأتون هم إليّ. أما بالنسبة إلى اختيار المواضيع فقد يختار الكاتب موضوعاً، فيما نختار نحن موضوعاً آخر، ونطرحه عليه في مناسبة أخرى. فمن الأمور المهمة قدرة الناشر على دفع مؤلفين على الكتابة في مواضيع قد يعتبرها كثيرون غير مهمة، وإنها لن تستقطب الجمهور من القراء. وهنا أيضا مجازفة. فمن جهتي، اخترت مؤخرا نشر كتاب عن «المرأة والرحلات الفضائية» حول امرأة نجحت في كل الامتحانات لتصبح رائدة فضاء، ولكنها لم تُعط الفرصة للقيام برحلة فضائية لكونها امرأة، حدث ذلك في خمسينيات القرن الماضي. وقد حرمتها «وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» هذا الاختبار لأن الوكالة اعتبرت أن كونها امرأة لا يتناسب مع مثل هذه الرحلات! الأهم في هذا المجال احترام الناشر لما ينتجه المؤلف، ففي نظر المؤلف أن نتاجه شيء قيم جداً بالنسبة إليه، وهو يشكل جزءاً من روحه وقلبه وعصارة لجهده، وعلى الناشر أن يدرك ذلك ويعامل المادة المعروضة أمامه والمقدمة إليه وكأنها قطعة فنية، وعليه قبل كل شيء احترام العمل واحترام قرار الكاتب تقديم نتاجه إلى الناشر المعبّر عن ثقته في الناشر ودار النشر. ■ هل يلعب العنصر المادي دوراً في قراراتكم بالنشر؟ □ بالطبع العنصر المادي مهم لأن من غير الجدوى نشر كتاب لن يقرأه إلا القليلون وبالتالي فإن تقديرنا لإمكان رواج الكتاب مهم جداً، ولكنه ليس العامل الوحيد. وكما ذكرتُ سابقا هناك جانب من المجازفة في هذا القرار، على أنه يجب على الناشر عدم الفصل كلياً بين إمكانية رواج الكتاب مادياً وأهميته إنسانياً وفكرياً، من الناحية الأخرى. ولا أحد يستطيع المعرفة المسبقة مئة في المئة لمدى رواج أي كتاب. وهذا أمر آخر تعلمته من والدي أندريه كسبار ووالدتي سلوى والراحلة مي غصوب التي علمتني الكثير قبل رحيلها المبكر، والتي أحببتها كما أحبُ والدي ووالدتي.