قاربت أعمال ترميم المجمع العلمي علي الانتهاء ؛ بعد تعرضه للاحتراق الكامل منتصف ديسمبر الماضي أثناء اشتباكات في محيطه بين متظاهرين وقوات الأمن. وبعد ما أشيع عن فقدان مخطوطات نادرة، وخسارة كتاب " وصف مصر" تظهر الآن حقائق مختلفة، ومغايرة لما أشيع، ويظهر وجود عدة نسخ من الكتاب المحترق، مما يدفع للتساؤل عن الغايات من إشاعة مثل هذه الأخبار، وما إذ كانت مثل تلك الإشاعات لها هدف آخر أبعد من إثارة البلبلة وبث الهلع بين الشعب على ضياع تاريخ مصر، وإلى جانب هذا فإن مثل هذه الشائعات لها أثر أكثر سلبية في إظهار مصر بأنها غير قادرة على حماية تاريخها من أي خطر محتمل سواء كان بفعل فاعل، أو بحكم كارثة طبيعية. لكن أيا يكن، وبعيدا عن الغايات السياسية، فمن المتوقع أن يعاد افتتاح المجمع العلمي قريبا جدا. هذا ما كشفه الدكتور إبراهيم بدران رئيس المجمع العلمي المصري حيث قال " إنه بات من المقرر افتتاح مبنى المجمع العلمي بعد ترميمه بالكامل نهاية شهر مايو الجاري ليعود لممارسة المهمة التي أنشأ من أجلها أثناء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 كمركز للبحوث المصرية ومجمعا للدراسات والأبحاث والمجلدات وملتقى للعلماء." و من الجدير بالذكر أن "وزارة الآثار" أخلت مسئوليتها عن ترميم مبنى المجمع العلمى .وتم ترميم المجمع بدون تداخلها بعد أن منعتها القوات المسلحة من التداخل ؛ لاعتراضها على مشروع الترميم لإخلاله بالشروط الأثرية وعدم مراعاة البعد الأثرى فى الترميم وهو ما أدى لفقد المبنى قيمته الأثرية. "بدران"- الذي شغل سابقا مناصب وزير الصحة ورئيس المركز القومي المصري للبحوث ورئيس جامعة القاهرة – أوضح أن خطته لتطوير دور المجمع العلمي تتضمن تحويله إلى مركز علمي حقيقي يضم أكاديميات علمية متخصصة في مجالات البحث الحديثة ؛ وعلى رأسها الأبحاث الطبية والهندسية والثقافية إضافة إلى الارتقاء بدور مكتبته التي تضم آلاف المجلدات النادرة وأمهات الكتب. مؤكدا " إن لدى المجمع العلمي حاليا ما يقرب من 20 ألف مجلد محفوظة في دار الكتب المصرية ستعود لمكانها قبل الافتتاح ؛ إضافة إلى 7500 كتاب ومجلد نادر أعلن الشيخ سلطان القاسمي أمير الشارقة بالإمارات العربية المتحدة عن إهداءها للمجمع." وفيما يخص كتاب "وصف مصر" أحد أبرز الكتب المتضررة من الحريق قال بدران : " إن مصر تمتلك 9 نسخ من الكتاب وأنه سيكون لديه نسخة كاملة حيث عرضت كلا من مكتبة الإسكندرية وجامعة القاهرة منح المجمع أحد النسخ التي تملكها. وتابع قائلا : " أنه من المقرر أن يتحول الكيان العلمي الكبير إلى ملتقى حقيقي للبحوث حيث تضم مصر بالفعل 380 مركزا بحثيا لا يربطها ببعضها أي كيان وهو أمر لا يمكن على حد قوله أن يستمر إذا ما كان هناك نية للارتقاء بالبحث العلمي في مصر باعتباره الأمل في النهضة الحقيقية. مشكلات المجمع العلمي- في رأي بدران – لا تنحصر فقط في الدمار المادي الذي تعرض له، بل هناك مشاكل أخرى أنها تتمثل في عدم تبعيته لأي جهة حكومية في مصر بما يجعله تائها بين كواليس الإدارات الحكومية. ويرى بدران أيضا أن هناك أزمة فعلية في مصر تتلخص في عدم الاهتمام بالبحث العلمي مدللا بميزانية البحث العلمي التي كانت تخصصها الحكومة للإنفاق على الأبحاث في جامعة القاهرة -وقت أن كان رئيسا لها - والتي لم تكن تتجاوز 4 ألاف جنيه "700 دولار تقريبا" بينما تنتج الجامعة بالجهود الذاتية ما يقرب من 7 ألاف بحث ورسالة ماجستير ودكتوراة سنويا. وقال "بدران" أنه سيطالب يوم الافتتاح بشكل مباشر أن يتم الحاق " المجمع العلمي" ليكون تحت تبعيته مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية مباشرة". تدمير وليس ترميم لكن من الواضح أن ترميم مبنى المجمع العلمي يثير جدلا واسعا بين خبراء الآثار ، حيث يرى البعض أن تنفيذ خطة الترميم لم تخضع للأصول العلمية المتبعة في مثل هذه الحالات. فمن وجهة نظر الدكتور محمد الكحلاوى، الأمين العام لاتحاد الأثريين العرب، أن عملية ترميم مبنى المجمع العلمى تمت دون إشراف وزارة الآثار ، واستبعادها من الإشراف علي عملية الترميم . وقال : إن وزارة الآثار رفعت يدها من أمر ترميم المجمع ، بسبب جبروت الجهل بالمبانى الأثرية - على حد قوله - متسائلا فى غضب كيف لأمة تمتلك أصولا أثرية تتعامل معها بهذا المنطق المادى؟ وأوضح الكحلاوى، أنه عضو باللجنة العليا للتظلمات عن المبانى الأثرية، وعلى الرغم من تسجيلهم حوالى 1800 مبنى ضمن الطراز المعمارى الأثرى، إلا أن القضاء أخرج هذه المبانى من قائمة المبانى الأثرية وتم هدمها، وهذا يؤكد جهل المسئولين بالآثار وأصولها. أيضا أبدى د. طارق المرى، الخبير الدولى فى ترميم المبانى الأثرية، اعتراضه على التعامل مع مبنى المجمع العلمى بوضع حوائط خرسانة سوف يفقده أثريته، فضلا على أنه سوف يحدث تشققات بالحوائط خلال مرور موسيم شتاء على هذه الترميمات، فالقوات المسلحة تعاملت مع الترميم بشكل سياسى لإنهائه بشكل سريع. ولو كانت أسندت أمر الترميم لمتخصص فى الترميم لكان قد انتهى منه فى مدة أقصر من التى قضتها شركة المقاولون العرب فى التجديد، وتوقع المري أن تقوم الآثار بتخليها عن المبنى وإخراجه من قوائم آثارها المسجلة. وأشار "المرى" إلى أن فرق التمدد والانكماش نتيجة وضع الأسمنت على الطوب القديم سوف يؤدى لظهور شروخ، وأنه كان ضمن اللجنة المكلفة برصد الأماكن التى تحتاج إلى الترميم فى المبنى، ووجد أن الحوائط لم يصبها الحريق، وكانت تحتاج إلى دهان فقط، أما الأسقف فهى التى أصابها الحريق، لأنها كانت خشبية وكانت تحتاج إلى إعادة ترميم. وأضاف " المرى" أن المشرف على عملية التجديد هو المهندس على عبد الرحمن، محافظ الجيزة، وهو أستاذ خرسانة وليس متخصصا فى الترميم، وظن أن وضع هذه الخرسانة سيكسب المبنى قوة، ولكنها ستضعفه كما أنه لو وقع حريق جديد فى المبنى سوف يصيب الحوائط أما الطوب القديم فقد كان ضد الحريق. ويتفق معه في وجهة النظر محسن السيد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار فيرى أن المجمع العلمي تم تدميره وليس ترميمه, وماتم به لايخضع للأسس العلمية والهندسية ولا قواعد الترميم الأثري. وأضاف أن عملية ترميم المجمع إذ استخدم فيها الأسمنت المسلح ؛ وهذا يخالف الأعراف الدولية في الترميم, واتخذنا الاجراءات القانونية وحاولنا أن نوقف هذا الترميم لكن لم نستطع, وقمنا بعمل محاضر ولجان طارئة, لكن ظل الوضع مستمرا حتي انتهوا من عملهم به لكننالم نترك الموقف كما هو عليه وأبلغنا النيابة العامة, فالقوات المسلحة نفذت الترميم ؛ رغم اعتراضي الشديد في جميع اللجان المشكلة بشأن ترميم المجمع, وبعد ماتم به من الصعب اصلاحه فالأثر دمر.