وفد من جامعة تكساس الأمريكية يزور جامعة عين شمس لبحث التعاون المشترك    «نوة المكنسة على الأبواب».. محافظ الإسكندرية يشهد اصطفاف معدات مجابهة الأزمات استعدادًا للشتاء (صور)    توجيهات بإنهاء إجراءات التصالح الخاصة بدور العبادة في أسوان    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: سيارة تدهش مُسنًا وعجوزًا.. وإحالة سائقين للمفتي    تعليمات بتبسيط الإجراءات للمواطنين الجادين في تقنين أوضاع الأراضي في كفرالشيخ    الرئيس السيسي يشكر ملك بلجيكا على حفاوة الاستقبال في بروكسل    عودة عبد الله السعيد.. قائمة الزمالك لمواجهة ديكيداها الصومالي    جدول مباريات منتخب مصر في كأس أمم أفريقيا 2025    تحذير عاجل بشأن حالة الطقس غدا: اتركوا مسافة آمنة بين السيارات    «طبعا أحباب».. دار الأوبرا تحتضن حفل مروة ناجي ب مهرجان الموسيقى العربية    بحضور وزير الثقافة.. المجلس القومي للمرأة ينظم ندوة «رسائل.. نساء أكتوبر»    «حرامية مشاعر».. أبراج تخطف القلوب بسهولة وتترك وراءها حبًا معلقًا    «الشكر عند بداية النعمة».. خالد الجندي يوضح الفرق بين الحمد والشكر    إزاي نصحى لصلاة الفجر بسهولة؟ أمين الفتوى يوضح 4 خطوات عملية    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب    وكيل صحة شمال سيناء في جولة على مخازن الأدوية لضمان الاستدامة    طريقة عمل البانيه بخطوات سهلة.. أسرار المطاعم لقرمشة لا تُقاوم وطعم لا يُنسى    قافلة شاملة توقع الكشف الطبي المجاني على أهالي قرية الزُّورة في المنيا    الأطباء: قبول طلاب الطب دون توفير فرص تدريب كافٍ جريمة في حق المريض والمهنة    المحكمة الإدارية العليا تؤيد استبعاد هيثم الحريرى من الترشح لمجلس النواب    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    أوقاف شمال سيناء تعقد ندوة توعوية حول الرفق والرعاية الطبية للحيوانات    وكيل تعليم بالغربية: تعزيز التفاعل الإيجابي داخل الفصول مع الطلاب    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    موعد مباراة منتخب مصر للكرة النسائية وغانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    نزع ملكية أراضي وعقارات لإنشاء الطريق الدائري بمحافظة الإسكندرية    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    من هو الشيخ صالح الفوزان مفتي السعودية الجديد؟    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    تجدد القصف الإسرائيلي على خانيونس وغزة رغم وقف إطلاق النار    "معلومات الوزراء" يستعرض تقرير منظمة العمل الدولية حول تأثير الرقمنة على سوق العمل بالدول العربية    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    مصرع فتاة بعد سقوطها من الطابق ال12 بحى غرب أسيوط    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورج قرم: لا بد من تحييد الدين
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 04 - 2018

تمتاز كتابات المفكر اللبناني د. جورج قرم وزير مالية لبنان السابق بعمق وشمولية رؤيتها، ودقتها في التحليل، وواقعيتها في تناول القضايا والمشكلات الاقتصادية، حيث يقدم رؤية مستقبلية استشرافية وتصورات تعيد النظر في العديد من المسلمات، بالإضافة إلى كونها تتابع للتطورات والتحولات الخارجية على المستوى الأقليمي والدولي.
صدر له عشرات المؤلفات سواء بالفرنسية أو العربية التي تتناول قضايا الشرق الأوسط سواء كانت تلك القضايا اقتصادية أو سياسية أو إنسانية، وبالطبع خص لبنان بالكثير منها، وقد فاز أخيرا بجائزة سلطان العويس الثقافية في مجال حقل الدراسات الإنسانية وذلك عن مجمل أعماله.
في حوارنا معه تطرقنا إلى مجمل الأوضاع والسياسات والنزاعات على الساحة الشرق أوسطية، بالطبع دون أن نغفل الجانب الإنساني في حياته الشخصية، فهو حفيد الرسام اللبناني الرائد داود قرم رائد فن الرسم في لبنان، وابن الرسام المعروف وعازف البيانو جورج داود قرم مؤسسي المتحف الوطني، والكونسرفاتوار اللبناني. وعمه هو شارل قرم صاحب "المجلة الفينيقية" وديوان "الجبل الملهِم".
لبنان ليس اليونان
انطلاقا من الاقتصاد وباعتباره وزيرا سابقا للمال، كان التساؤل حول لبنان التي أصبحت قاب قوسين من الإفلاس، وإمكانية وضعها والوضع اليوناني، حيث اعترف قرم بصعوبة الوضع المالي اللبناني لكنه رأى أن لبنان مر بفترات سابقة مماثلة صعبة، وقال "لا أعتقد أن لبنان على حافة الانهيار وفقا لبعض التوقعات المتشائمة، ولا مقارنة بين الوضعين اللبناني واليوناني من ناحية المديونية، لسبب بسيط أن أكثر من 80% من الدين اللبناني بأيادي المصارف اللبنانية والبنك المركز اللبناني، وليس هناك دائنون خارجيون يمكن أن يطالبوا بتدخل صندوق النقد الدولي ومن ثم تحدث شوشرة جراء ذلك. إنني مطمئن ولا قلق لدي مطلقا".
وحول تأثير النزوح السوري السنّي على تركيبة لبنان الديموغرافيّة المعقّدة، أضاف قرم "لا أتعاطى بالمقولات الطائفية والمذهبية، لبنان لصغر حجمه وعدد سكانه تلقى عبئا كبيرا للغاية بمجئ أكثر من مليون لاجئ سوري، وعندما أرى كيف يعامل السوريون بالدول الأوروبية على سبيل المثال، أقول أننا كنا مضيافين بالنسبة للسوريين ولم يسجل في لبنان زيادة في الجرائم العادية، كذا كانت الاحتكاكات السلبية قليلة بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، وأعتقد أننا نموذج مقارنة بالدول الأوروبية في هذا الموضوع".
وأشار قرم إلى ضرورة أن يغير أبناء لبنان التصرفات السياسية والاقتصادية والمالية السائدة في لبنان منذ عهد الرئيس رفيق الحريري، حيث لم تتغير إلى اليوم، ونحن نعاني من ثغرات كبيرة في السياسات الممتدة من التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، من أزمة النفايات إلى أزمة التنقلات، إلى أزمة المياه، كل القطاعات متأزمة في لبنان نتيجة سوء الإدارة الموجودة، لأن لبنان اليوم محكوم من جماعات مالية وطائفية أصبحت تستغل المواطن اللبناني استغلالا بشعا للغاية".
وأضاف أن "تغيير السياسات ليست بيد إنسان واحد، بالنسبة للبنانيين العاديين مثل حالتي نحن قصر، لكن على الرغم من الظروف الصعبة في المنطقة استمر لبنان في الحياة، والحياة الثقافية والفنية والأدبية رائعة، وشخصيا أتطلع إلى هذا ال "لبنان" المنتج فكريا وفنيا وأدبيا وشعريا" هذا هو لبنان الذي نحبه. لكن لبنان السياسة كريه، وكريه منذ الحرب الأهلية، سواء تحت الوصاية السورية أو خارجها. لقد كان الكثير من اللبنانين يرون أنه بمجرد أن تخرج سوريا تحل كل المشاكل، وتبين عكس ذلك".
الإرث العائلي
ونفى قرم أن يكون فرنسي النشأة، وقال "فرنسي الثقافة نعم وعلى قدم المساواة مع عروبتي واطلاعي ومعرفتي بالثقافة والتاريخ العربيين، وعن لبنانيتي أقول مثل خليل جبران "لكم لبنانكم ولي لبناني".
وأضاف أن تراثه العائلي ثري للغاية، "إنني من هذه الناحية محظوظ إذ نشأت في عائلة متجذرة في الثقافة منذ جدي الذي كان مربيا لأولاد الأمير بشير الشهابي في لبنان، فنحن عائلة معروفة بانغماسها في القضايا الثقافية والفنية، ووالدي كان من المؤسسين الأساسيين للمتحف الوطني والمعهد الموسيقي. أيضا كان هناك في الماضي جوائز يعطيها الوالد لأفضل عازف بيانو في لبنان، وللمبدعين في كتابة القطع الموسيقية، وبالتالي كنت محظوظا أني تربيت في بيت يطغى عليه ليس حب السياسة بل حب الثقافة".
ولفت قرم إلى أن والده يكرس حياته لفنه ولقدراته الفنية وكان كلما سعى للدخول في عالم التجارة خسر أمواله، وفي الثلاثين عاما الأخيرة من حياته كرس حياته للرسم بشكل يومي، حتى توفى أثناء رسمه لبورتريه كبير لإحدى شخصيات النهضة اللبنانية هو يوسف السودا.
وقال "ترك عليّ والدي عبء أن أعيده إلى خارطة الفن التشكيلي اللبناني خاصة بعدما غزا لبنان الفن التجريدي الحديث، فالوالد مع غيره من الرسامين اللبنانين التشكيليين الكلاسيكيين وقعوا في النسيان، صارت هناك حالة هستيريا وأعجاب أعمى بالفن التجريدي في لبنان. لذا أقمنا العديد من المعارض الاستعادية وأصدرنا كتبا حول مسيرته الفنية وخصوصية تشكيله، وأخيرا كرمته الجامعة الأميركية ببيروت تكريما رائعا بمعرض هائل لأعماله وإصدار كتاب يرصد لتجليات هذه الأعمال".
الحياة الموسيقية
وحول الجانب الموسيقى في حياته قال قرم "كان لدى حياة موسيقية صاخبة، عملت معركة مع الوالد من أجلها، كنت أرغب في تكريس حياتي لعزف البيانو، كنت معجبا بالبيانو إلى أقصى درجة، وقد ذهبت إلى فرنسا والتحقت بالمدرسة العليا للموسيقى بباريس "الكونسرفتوار"، ولكني اضطررت إلى ترك هذا المسلك لأن الأوضاع المادية للعائلة كانت قد تدهورت، فكان من الضرورة أن أتمكن من تأمين حاجاتي بالعمل، فقررت أدرس القانون والعلوم السياسية وهذا ما فعلته. لكن ذلك لم ينسني الموسيقى، وليس من يوم في حياتي لا أسمع فيه قطعا موسيقية كلاسيكية".
وشدد على امتلك لبنان لعدد من المواهب الموسيقية المرموقة، وحرص المجتمع اللبناني على الحياة الموسيقية وأضاف "لدينا موسيقى وهناك مؤلفون موسيقيون مثل بشاره الخوري وأكثر من عازف البيانو معروف عالميا كعبدالرحمن الباشا ولدينا مغنيات أوبرا. وفي بيروت تقام الحفلات الموسيقية بكثرة، وهناك جمعيات تحيي التراث الموسيقى ورموزه الذين ساهموا الحياة الموسيقية مثل تراث زكي نصيف. إنني أؤكد أن الحياة الفنية اللبنانية غنية ولا أعتقد أن هناك بلدا عربيا لديه هذا الغنى الفني الموجود بلبنان، سواء بالرسم أو الموسيقى أو الصور الفوتوغرافية أو السينما.. إلخ".
لبنان الثقافي والفني
ونفى قرم أن تكون الحرب سواء في سوريا أو غيرها قد أثرت سلبا على الحياة الثقافية والفنية اللبنانية، مشيرا إلى أن لبنان اليوم لبنانان، لبنان السياسي والاقتصادي، والمالي، أو كما أسميها جمهورية لبنان المالية والعقارية، حيث تستأثر الشخصيات السياسية بالحياة المالية والعقارية، مجموعات طائفية مالية في ذات الوقت، وهناك لبنان الآخر بيئته الفنية والثقافية غنية للغاية بكل أنواع التعبير الفني.
ورأى قرم أنه سواء كتب بالفرنسية أو العربية فإنه لا يفرق بين أوروبي وعربي، "إنني أكتب التاريخ بشكل دقيق بعيدا عن كل الكليشهات والكتابات النمطية السائدة على الساحة، وأطمح إلى تكريس إنسانوية يمكن أن تجمع لا أن تفرق، أخاطب القارئ الغربي كما القارئ العربي بنفس الرؤية، إذ ليس عندي رؤيتان إحداهما للعرب والآخرى لغير العرب. وعندما أنشر بالفرنسية فهناك جمهور مغاربي "فرانكوفوني" واسع، وأيضا هناك ترجمات لكتبي للعديد من اللغات الأوروبية والتركية، بينما لو كنت أنشر بالعربية فقط كم عدد من سيقرأونني، في بيروت عندما تبيع ألفي نسخة من إصدار بالعالم العربي فهذا إنجاز، في الوقت الذي تباع من كتبي في اللغات الأوروبية 60 ألف من الإصدار الواحد، أي 60 ألف قارئ".

من الفشل إلى التدمير
حول رؤيته لأزمات العالم العربي قال قرم "نحن مررنا بما أسميته "ديناميكية الفشل" أي أننا نحول الانتصار إلى عامل سلبي، ومثال ذلك الهجوم الإسرائيلي الغاشم على لبنان عام 2006 وقدرات المقاومة والجيش اللبناني على ردع هذا الهجوم، يتحول لمصدر فتنة بين العرب فهناك من حمل المسئولية لحزب الله وهناك من حملها لإسرائيل بطبيعة الحال، أما اليوم فنحن في مرحلة ما أسميته "التدمير الذاتي" انظر إلى ما يجري في سوريا وليبيا واليمن، لم يكفنا الفشل فذهبنا إلى مرحلة أعلى التي هي التدمير الذاتي.
ورأى أنه فيما يتعلق بالإسلام السياسي أن هناك مشاريع قديمة للدول الغربية باستعمال الدين ضد العرب، الديانة الإسلامية بشكل راديكالي، ولست بحاجة لمؤرخ كبير كي تعي كم المحاولات لتكسير العفوية العربية نحو الوحدة، العرب كانوا يطلبون الوحدة بين أقاليم السلطنة العثمانية، وتوحيدها في دولة واحدة، وكانت الفترة الناصرية تمثل أوج هذه المرحلة، ولسوء الحظ تجربة الوحدة بين مصر وسوريا لم تنجح، ومثلت أول ضربة قوة للطموحات القومية العربية، وبعد ذلك حدث تزاحم وتنافس بين الأنظمة العربية، فالعراق وسوريا الدولتان المحكومتان بنفس الحزب السياسي حزب البعث أصبحتا في حالة عداء مطلق، وهذه ظواهر لم تدرس بعد، هل هناك ميل شبه فطري عند العرب للفتنة فيما بينهم؟ حتى إذا أخذت نبوة النبي محمد والقرآن الكريم رأيت كيف صارت الفتن عديدة خاصة بعد وفاته. هذه ظاهرة ملفتة يجب أن تدرس خارج إطار تطبيق نظرية ابن خلدون حول العصبية بطريقة سطحية. إن المنحى التاريخي صار منحى أولا نحو الفشل وثانيا نحو التدمير الذي نعيشه يوميا.
وأكد قرم أن الحروب الدائرة والتي تتجلى فيها أقصى حدود التدمير، لأوجه دينية، لأوجه راديكاليات دينية، تخدم مصالح الدول الغربية بالدرجة الأولى، والكيان الصهيوني. أذكر أننا في وقت من الأوقات لم نتردد في إرسال شبان عرب بعد تدريبهم على القتال لأفغانستان، بينما فلسطين محتلة يجب أن نعي مثل هذا التناقض، الناتج عن استعمال سيء للدين، كيف نرسل آلاف الشبان للمحاربة في أفغانستان وفلسطين محتلة؟ هذا السؤال يتطلب جوابا عليه من المثقفين العرب.
القضية الفلسطينية
وأوضح أنه على خلاف العديد من المثقفين العرب، لا يضيع الكثير من الوقت في تحليل تصرفات القادة الغربيين، وأضاف "الدينامكية الغربية معروفة، حب السيطرة، ومن قبل أميركا تحديدا ليس الأمر بجديد، أميركا دولة قامت على القضاء على السكان الأصليين وإبادتهم، ومن الناحية الأيديولوجية على أساس أنها أرض ميعاد جديدة، القومية الأميركية فيها عنصر ديني بروتستانتي سلفي، وللأسف نحن لا ندرس مثل هذه الأمور.
إن معركة فلسطين إذا خضناها على أساس ديني حتى بالنسبة للقدس فإن موقفنا يكون ضعيفا، يجب أن نخوض المعركة خارج الإطار الديني. أعتقد لو أن بوذيين أتوا وغزوا فلسطين سيكون هناك مقاومة للغزو، المقاومة ليست لأن المستعمر يهودي الديانة ولكن لأنه مستعمر، إنما إذا جعلناها معركة ما بين مسلمين ويهود مدعومين من الغرب السياسي فإن المعركة ستكون أطول وأصعب.
وشدد قرم على ضرورة إخراج الدين من القضية الفلسطينية كونها ليست قضية دينية، بل قضية استعمار واستيطان لا بد من إزاحته. هذه على الرغم من أن القضية ارتبطت بالدين منذ نشأتها، وهذه لعبة الإنجليز، سواء اتفاقيات سيكس بيكو أو وعد بلفور الذي يعد وثيقة إجرامية الطابع.
تحييد الدين
ونبه قرم إلى أن الدور الذي يلعبه الدين في المنطقة العربية دور هدام وأضاف "منذ سنين وسنين أدعو إلى تحييد الدين لأنه ليس هناك شيء اسمه حروب دينية، كل الحروب على أساس مطامع دنيوية، ابتداء من خلافة النبي والخلفاء الراشدين وهؤلاء الأخيرين ثلاثة منهم تم اغتيالهم، وأنا لا أفهم كيف نخلف نبيا، هذه الفكرة تبدو لي صحوة، الأنبياء أنبياء، هل يمكن أن نؤسس خلافة أنبياء، إنني لست بهذا الهوى الأيديولوجي الديني السياسي، وحتى إذا نظرنا إلى العالم المسيحي متى خرج من الانغماس من القضايا الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، خرج بعدما دامت الحروب الدينية بأوروبا أكثر من مائة عام، وتم الخروج بمعاهدة وستفاليا التي أسست الدول القومية الأوربية، وأوروبا قوية لأن القومية أمسكت بزمام الأمر، القومية كانت قاعدة الدول الأوربية الحديثة ألمانيا وفرنسا بشكل خاص.
إن المجتمعات المتعددة القوميات مثل السلطنة العثمانية أو الامبراطورية النمساوية المجرية انهارت بعد الحرب العالمية الأولى لأنه كنا دخلنا عهد القوميات، العرب سعوا إلى التوحد حيث كان يوجد شعور قومي كبير لكنهم فشلوا. وطالما سوف نستعمل الدين بهذا الشكل المكثف لا أعتقد أننا سنخرج من تخلفنا، التخلف العلمي والتكنولوجي العربي مفجع، ومعظم العقول العربية تغادر العالم العربي وتندمج في المجتمعات الأوربية أو الأميركية، وهذا نزيف قدرات مفزع.
إلى أين نحن متجهون؟
وأكد قرم أنه في ظل الوضع الحالي لا أحد يعرف إلى أين نحن متجهون، كل التنبؤات الموجودة في الصحافة الغربية غير حقيقية، وأعتقد أن جزءا كبيرا من طاقاتنا يستنزف في قراءة الغرب طوال الوقت، بينما يجب أن تكون كل الطاقات موجهة نحو هدف واحد هو محاربة الكيان الصهيوني، وأيضا إذا صار هناك نهضة عربية سيتراجع النفوذ الإيراني بشكل أوتوماتيكي بالنهاية، إن إيران بدفاعها عن القضية الفلسطينية استغلت ثغرة بالكيانات العربية، التي لا تتجه نحو الدفاع عن فلسطين.
وقال قرم إن الوضع السوري تغير كثرا بعد فشل المجموعات الإرهابية بتقويض الدولة، بل بالعكس الدولة السورية تقوّت، الجيش السوري أصبح أقوى من ذي قبل،
وأكد أن الدول الغربية استغلت الظواهر الدينية الراديكالية وغزتها، منذ أفغانستان إلى اليوم، لذلك جاءت الدعوة لإنشاء أنظمة مدنية عربية، فلا يمكن أن نتابع بهذا المنهج المدمر الذي يستغل الدين استغلالا لا حدود له.
وأوضح أن تقسيم سوريا لن يكون "لا أعتقد أنه يمكن تقسيم الكيانات التي أنشأت باتفاقيات سايكس بيكو، الدول القطرية ترسخت".
مهمة المستقبل
وقال إن مهمة المستقبل أن تكون هناك علاقات أفضل فيما بين الأنظمة العربية. تتراجع الحروب فيما بينها ليحل محلها التعاون. هناك تجربة دائما ما أذكرها كوني معجبا بمؤسس الامارات العربية المتحدة، هذه تجربة وحدوية نجاحها باهر، ونجاحها نتيجة عبقرية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أعتبره من أهم القادة العرب، لأن الإمارات العربية المتحدة اليوم كيان سياسي متين، فيه انجاز كبير للغاية، ودبي جزء بقيادة شيخ دبي وهي قيادة حكيمة للغاية، أنا دائما أقول إنه من المفترض أن كل العالم العربي على نسق نجاح تجربة الامارات العربية المتحدة، يجب أن نستلهم من هذه التجربة لبناء الولايات العربية المتحدة مستقبلا".
وأسف قرم من أن المجموعة العربية إجمالا لم تدخل العصر الصناعي إلى اليوم، وأضاف "نحن لازلنا في العصر ما قبل الصناعي، لأن الاهتمام بتوطين العلم والتكنولوجيا قليل، بل ليس موجودا تقريبا، محمد علي باشا سعى بمصر أوائل القرن التاسع عشر نحو عملية تصنيع كبرى، وبدأ بداية جيدة للغاية ثم انهارت تجربته نتيجة طموحه السياسي والعسكري فأوقفته الدول الأوربية، ثم جاء جمال عبدالناصر وبدأ عملية تصنيع قوية جدا لكن المغامرات الخارجية كحرب اليمن مثلا ثم الهجوم الإسرائيلي عامي 1956 و1967 أجهضها، أيضا صدام حسين أقام عملية تنموية متقدمة للغاية لكن أخطاءه السياسية والعسكرية فيما بعد أدى لانهيار التجربة، أيضا تجربة هواري أبو مدين في الجزائر أخفقت".
النزاع دنيوي
وحذر قرم من الانسياق وراء تحليل كل ما يقوم أو يقول به الغرب، وقال "أي تصريح لأي مسئول صغير أو كبير في الدول الغربية نرى الصحافة العربية والمحللين العرب بالصحافة يحللون بكل دقة ما جاء في هذا التصريح، هذا تضييع للوقت، يجب أن نبني أنفسنا بغض النظر ماذا تقول المصادر الخارجية عن أوضاعنا، يجب أن نهتم بأوضاعنا ليس بما يفكر الغرب بأوضاعنا. نحن بعيدين عن ذلك لسوء الحظ.
ونفى أن يكون حوار الأديان حلا للنزاعات، مؤكدا أن النزاعات ليست دينية ولكن دنيوية، "أنت تلبس النزاع غلافا دينيا كيما تستثير حماس جماهيرك، حتى الحروب الصليبية لم تكن حروبا دينية، كانت حروبا لغزو المنطقة والاستفادة من علمها وقتئذ لأن العرب كانوا متقدمين عن أوروبا في كل المواضيع العلمية، حتى حروب البروتستانت والكاثوليك كانت دنيوية، بدأت هذه الحروب من قصة أموال الكنيسة، كان اللوتل والبروتستانت يريدون الاستيلاء على أموال الكنيسة الكاثوليكية، دائما هناك مشكلة دنيوية وراء أي نزاع، ليس هناك نزاع ديني. وفيما يخص الفتوحات العربية فقد حملت صفة مزدوجة: الحمية الدينية وطموحات القادة في ذاك الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.