لكل فنان أحاسيسه وتجاربه العاطفية التي يعكسها على لوحاته التشكيلية، فتتعدد اللوحات وتتنوع بمواضيع لها جماليتها ونكهتها الخاصة، ويأتي المعرض الفردي الأول للفنانة السورية رولا أبو صالح، الذي أقيم مؤخراً في صالة غاليري كامل في دمشق، لنجد أنها برعت في تجسيد واقع الطفولة في ظل هذه الحرب المشتعلة حول مساحات إبداعية بضربات لونية ساخنة، عبّرت بوجوه أطفال حالمة سرقتها الحرب لتتلاشى هذه الملامح بإيحاءات ودلالات على حياة صارخة وما تحمله من أحلام مبعثرة وأوجاع مستمرة، فعالم الطفولة بحر من البراءة والعفوية والسحر والجمال، عالم يسعى وراء الأحلام والأزاهير والأرجوحة والألعاب الطفولية. تأتي اللوحات بإحساس جوهري جمالي تعكس وعي أبوصالح تجاه عالم الطفل، رسم على الأكرليك بشكل تعبيري وألوان حارة آثرت روح المتلقي وقلبه ولامست نبضه بشجن وأنين الحزن الذي خطف أحلام الطفولة بشكل مبكر، وما خلفته هذه الحرب من شقاء وتشرد، حيث تعابير الطفل الرافض للواقع الذي بات يعيش في رعب بدلاً من الأمان، تعابير الطفل الانعزالي لما يجري في حاضره وفقدان أصدقائه في وقت هو في أمس الحاجة لهم، تعابير رؤية الطفل للألوان من منظاره هي أبيض وأسود فقط تعابير الفوضى المحببة لديه مع ألعابه التي أصبحت تشكل جموداً قاتلاً، تعابير نفسية الطفل المعنف. إنه الفن التشكيلي الصادق في أبعاده وتفاصيله، فن بعيد عن كل ما هو معقد وزائف، إنه فن الحس قبل كل شيء وفن الدقة والتحرر من كل القيود ماضيها وحاضرها، هذه اللغة الفنية العميقة التي حرّكتها الفنانة بريشتها لتكشف وبإتقان وجود الطفل لمساحات الحيرة والصدمة في نظراته، وارتسامات حركة اليدين المعنفة بدقة، أخذ جهداً خاصا في لوحاتها، كما نلاحظ صوراً لأطفال في الأبيض والأسود، قائمين حائرين من جهة وترقب ومسيرة غموض مجهولة من جهة أخرى، ونظرات حزينة رافضة تخترق الأفق، حيث سيطر الأبيض والأسود على اللوحة تجسيداً لأمرين الأبيض حالة النقاء والأسود يعكس الحزن. لوحات أخرى ترجمتها من خلال رسم حركة يد الطفل وهو يرسم على الجدار براءته وأحلامه الجميلة، تعبيراً عن الأمل والأمنيات المبشرة في المستقبل، ومن يتأمل لوحاتها التشكيلية المجسدة لعالم الطفل يدرك أن هناك رسالة فنية ترجمتها بأسلوب تعبيري مستوحاة من محيطها الذي تعيشه وتمر به، الحرب التي جعلت رولا أبو صالح تنحاز نحو هذا العالم البريء العفوي، متأثرة بهم بكل ما يخصه، فشدت برموز دالة على همه الأكبر هو اللعب الذي يحتاجه دائماً حتى لو بقيت الحرب مستمرة.