منذ عامين اختارت التشكيلية اليمنية منال محمد اقتحام فن الرسم، لتحترف فن الماندالا، وهي مجموعة من الرُموز استعملت من قبل الهندوسيين والبوذيين للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي. وكلمة ماندالا في اللغة “السنسكريتية” تعني الدائرة أو القرص، والشائع الآن أنّ “ماندالا” أصبحت مصطلح عام لأي تخطيط، جدول أو نمط هندسي، والَّذي يقدّم الكون عن طريق المتافيزيقيا أو الرموز. وتقول منال محمد إنها استلهمت أساسيات هذا الفن العريق من خلال متابعاتها السابقة لعدد من الفنانين الأجانب الذين برعوا فيه وانتشرت أعمالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها موقع أنستغرام. وتستطرد في سرد بداياتها الأولى مع عالم الماندالا اللامتناهي “فجأة وجدت نفسي ذات يوم أمام فوضى خلاقة أحدثتها زحمة أقلام وكراسات الأطفال في المنزل، حيث كانوا يمارسون هوايتهم المفضلة، شدّني الجو الذي كانوا يعيشونه، فأمسكت بقلم وكراس وبدأت الرسم، وزاد حماسي عندما جلست بجانبي ابنة أختي لتصويري، ومن وقتها لم أتوقّف عن ممارسه فن الماندالا”. وتقدم منال تعريفا سريعا لهذا الفن الذي قالت إنه يعتمد في الأساس على خلق أشكال ورسوم زخرفية تعود في جذورها الأولى إلى الثقافة الهندية، وانتشر فنّ الماندالا بين شعوب هضبة التبت في القرن ال11. وتسترسل بالقول “رغم ظهور هذا الفن منذ قرون في الثقافة الهندية، إلاّ أنه انتشر وبشدة في السنوات الأخيرة بين قطاع من المهتمين بعلوم الطاقة، لما يشاع عن كونه وسيلة للتخلص من التوتر العصبي والضغوط، خصوصا أن من يمارسه يغرق في حالة من التأمل والهدوء النفسي”. وعن أسرار هذا الفن وعوالمه الساحرة وأدواته، تضيف “تشير الدائرة الأساسية في كل رسومات الماندالا التي تقوم على فكرة النقوش الدقيقة المتوازنة بنظام محدّد إلى مركز الكون، والفريد في هذا الفن أنه يمكنك رسمه بلا أي خطة أو تصوّر مسبق، كما لا نرسم بهدف الوصول إلى شكل نهائي، ويمكن أن يمتدّ الرسم حتى لا تجد مكانا في لوحتك، لكن هذا لا يعني بالطبع عدم التناسق والتناغم بين أجزاء الرسمة، خاصة إذا نجحت في تكوين تصميم كامل متوازن ومتساوي الزوايا إلى حد كبير، وهو ما يجعل رسوم الماندالا وسيلة جيدة للشعور بالإنجاز الذي يمنحك حالة من الرضا والسلام الداخلي”. ودخلت الفنانة اليمنية عالم الفن التشكيلي الفسيح من خلال بوابة أحد أقدم فنون الرسم الشرقية، وعملت منذ ذلك الوقت على صقل مهاراتها التي تضاعفت عبر حبها وشغفها بالتفاصيل الدقيقة المتعلقة بمعنى جمالي خاص، حيث يكون للنقطة والخط معنى وقيمة فنية، لتتواصل دوائر الإبداع في رسم نفسها مستندة إلى مهارة وخيال الفنان. وتعتبر منال الماندالا حالة إبداع عفوية تبدأ في الغالب بنقطة، غير أن نهايتها لا يحدها شيء عدا المساحة المتاحة التي يستطيع الفنان من خلالها توليد المزيد من الأشكال المتناسقة التي تحاول ترتيب فضاء الروح وتزيل حالة الفوضى المادية والنفسية المحيطة، ومن أجل ذلك لا يحتاج الفنان إلاّ للكثير من الورق وأقلام الحبر والكثير الكثير من الخيال. وتتمنى الفنانة أن يتجاوز إبداعها مواقع التواصل الاجتماعي حيث تقول إنها حظيت فيه بالكثير من التشجيع والمساندة، لتصل إلى مناطق أخرى جغرافية وفنية، بحيث تعرض أعمالها على المستوى العالمي وأن تساهم في إدخال الماندالا في الكثير من الصناعات كالملابس والمفروشات والرسم على الجدران وأفكار أخرى تحتفظ بها في مخيلتها. وتعترف الفنانة اليمنية بأن فن الماندالا حماها من بشاعة الحرب وفوضويتها، فاحترفته بعد أن اقتحمته صدفة، حيث كان دافعها الأول ملء أوقات فراغها ومكافحة لحظات الملل، ليصير شغفها أكبر بالماندالا مع الأيام.