تكتسب محافظة "ظفار" أهمية تاريخية ومكانة خاصة في التاريخ العماني الحديث، إذ انبلجت منها صهاريج النهضة الحديثة، وتعتبر من أشهر المدن والموانئ العريقة، وأشهر مكان سياحي في الخليج العربي، حيث تشمل جزءاً من العمق التاريخي والثقافي لإنسان، وتنوع تضاريسها، الامر الذي يكسبها بعداً جمالياً بالغ الأهمية في المنظقة. وتمتاز "ظفار" بملامح مميزة للمدينة العصرية من خلال تقسيمها الإداري الذي تعتبر من خلاله قلب السلطنة العمانية الثاني بعد مسقط، فضلاً عن سندان العصر الثالث لدولة العمانية؛ حيث يمثل كل منها أهمية خاصة إداريًا وجغرافيًا واقتصاديًا، وعلى نحو متكامل مع المناطق الخمس الأخرى؛ وهي: الباطنة، والظاهرة، والداخلية، والشرقية، والوسطى. وترجع أهمية المحافظة إلى المكانة الخاصة فى التاريخ العمانى الحديث والقديم على السواء، فهي مهد النهضة العمانية الحديثة ومنها بدأت المسيرة أولى خطواتها فى مضمار البناء والتعمير والتحديث والتطوير. وتعد ظفار أرض اللبان والبخور فى الجزيرة العربية، وهي بوابة عمان الضخمة على المحيط الهندى ومعبر القوافل فى جنوب شبه الجزيرة العربية، وبوابة عمان إلى التقدم والتطور والازدهار فى ظل النهضة العمانية الحديثة. وتقع "ظفار" فى أقصى جنوب سلطنة عمان، وتتصل من الغرب بالمنطقة الوسطى ومن الجنوب الشرقى والجنوب ببحر العرب، ومن الغرب والجنوب الغربى بالحدود مع الجمهورية اليمنية ومن الشمال والشمال الغربى بصحراء الربع الخالى، وتضم 9 ولايات؛ هى: ثمريت، طاقة، مرباط، سدح، رخيوت، ضلكوت، مقش، شليم، وجزر الخلانيات، صلالة. ويرجع تاريخها إلى عهد أحمد بن حمد الحبوضي حيث بناها سنة ستمائة وعشرين للهجرة، وسمبت بالأحمدية، وعرفت بظفار الحبوضى فى القرون الوسطى الإسلامية، وكانت عاصمة المنصور بالله بن حمزة فى القرن السادس الهجرى، وقد أدار منها حربا ضد الدولة الأيوبية. وتشتهر المحافظة بالعديد من المواني التجارية الشهيرة ومنها ميناء "خور روري" والذي يقع فى الناحية الشرقية لمدينة طاقة، ويبعد عن مدينة صلالة حوالى 30كم إلى الشرق، وتنتشر أنقاض هذا الموقع الأثرى على مساحة واسعة من التلال والشعاب المحيطة بوادى خور رورى، أما ميناء "الفزائح" فيعد ثاني أشهر موانئ المحافظة، ويقع هذا الميناء بين المغسيل ورأس ساجر فى سهل ضيق لا يتجاوز الثلاثة كيلو مترات فى عرض نصف كيلو متر، وتحيط جبال شاهقة به، ويمكن الوصول إلى الفزائح عن طريق البحر من ميناء المغسيل القريب، ويطلق عليه الأهالى اسم ميناء مرحات. وبين ضلكوت ورخيوت بجبل القمر يقع ميناء خرفوت، وبها نبع مياه دائم الجريان يصب فى بحيرة "خور خرفوت" ويمكن الوصول إليه عن طريق البحر من "رخيوت" على مسافة 15كم، أو عن طريق "ضلكوت"، أو سيرًا على الأقدام عبر الطرق التقليدية لقوافل الجمال من الجبال المطلة على وادى خرفوت. وأول مشاهد لدى زيارتك لميناء خرفوت، مبنى أثرى قديم يعرف عند سكان المنطقة بكون خرفوت أو برج خرفوت، وهو برج متهدم، ولا تزال بقايا حطامه على ارتفاع عشرة أقدام وقد نمت الأعشاب على نفس الموقع واسطالنا نظر لقدم عهده. ويقع هذا المبنى فى الناحية الشرقية من "خور خرفوت"، حيث توجد آثار ودلالات تاريخية أخرى كالشواقى الزراعية، لاسيما الاسوار المبنية شرق وغرب الخور. مواقع أثرية وتعج "ظفار" كذلك بالعديد من المواقع الأثرية الكثيرة؛ منها: آثار ريسوت، وهي المنطقة التي تعد من أهم المواقع التاريخية فى ظفار، وهى قلعة مبنية بنيانا جميلا على جبل، والبحر محيط بها إلا من جانب واحد، وبها سكن من العرب الأزد من بنى جديد، والقمر، وبنى خنزريت، وفى القرن الثانى الميلادى، أصبحت "ريسوت" محط أنظار الغزاة البرتغاليين، مماشن القائد البرتغالى هجومًا على ظفار، وذلك عام 1553م. وشمل "ريسوت" التطور والنماء فى عهد السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذى تولى القيادة التاريخية فى عمان 23 يوليو عام 1970م، حيث السفن تجوب هذا الميناء العريق ومنه تبحر إلى مختلف الموانى العربية والعالمية لشتى الأغراض التجارية والسياحية والعلمية. ومن المناطق الأثرية كذلك: آثار حمران، وتقع فى جنوب "عين حمران" على بعد كيلو متر واحد، وفى حين تقع حمران شرق مدينة صلالة بحوالى عشرين كيلو مترا عن مركز المدينة، وتعرف هذه الآثار عند سكان المنطقة "بغاثو حصن" أو "عنق الحصن" وتحتل هذه الآثار مساحة كبيرة بأعلى القمة المذكورة على شكل أسطوانى جميل. ويحيط بالقلعة ثلاثة أسوار حجرية تبعد عن بعضها عدة أمتار، وتتفاوت مدتها الزمنية من شكلها ومعالمها البارزة. أما السور الأول، فيقع فى أسفل القمة، والسور الثانى على شكل حزام دائرى ومتصل بوسط القمة أبراج محكمة من جميع الجهات، تمثل نقاطًا دفاعية، أما السور الثالث فيحيط بالمبنى الرئيسى نفسه، ويبدو أنه شيد فى حقبة متأخرة من الزمن، ويتوسطه ميدان واسع للاستعراض من الناحية الشرقية والشمالية. ولا تزال معالم الرى الزراعية خير شاهد على النشاط الزراعى فى عهد الدولة "المنجوية" فى هذه المنطقة، كما شهدت قلعة "حمران" أحداثًا كثيرة، كما أكدت البعثة الأثرية على أن موقع حمران كان مأهولاً بالسكان قبل سبعة آلاف سنة. وكذا آثار غصبار، وهي قمة مرتفعة مخروطية الشكل كالسهم، وتقع شمال عين ماء طبراق، التى تبعد عن صلالة حوالى 25كم، وارتفاعها 1500 قدم عن سطح البحر، وبأعلى هذه القمة آثار لقلعة قديمة تحيط بها شواهق ومسالك وعرة من كل الجهات عدا الجهة الشمالية، التى يفصلها هى الأخرى قاطع عبارة عن خندق بطول حوالى 50 مترًا. ويأتى بعد هذا الخندق سور حجرى كبير متصل بعدة أبراج، إضافة إلى بعض المبانى، وإلى الشرق من غصبار تقع عين ماء تسمى الصاروج، حيث يفصل بينها والآثار المذكورة واد عميق يسمى "نحورآليوت". وهذه القلعة شيدت لغرض دفاعى وليس تجاريًا. أما آثار غيضت، فتقع فى أعلى وادى شعبون فى موضع يعرف محليًا بغيضت (أشجون) إلى الشمال الغربى من مدينة مرباط فى سفح الجبل على ارتفاع حوالى "ألف وخمسمائة" قدم عن سطح البحر، ويحيط بهذه الآثار حقل كثيف من أشجار الصبار، وتتوسط تلك الغابة ثلاث عيون مائية، ثم مستوطنة بشرية لا تزال أنقاضها متناثرة، وثمة مبنى فى الجهة الشمالية، بالإضافة إلى سور مبنى بأحجار طبيعية ومدر، والامتداد الشرقى للسور عبارة عن ربوة مرتفعة، قد شيد عليها مبنى لم يبق منه سوى الردم وكتف الجدار، مبنى بأحجار الجرانيت الطبيعية على شكل صفوف متراصة بارتفاع 2.59م، والباقى ردم غطته النباتات والعوامل الطبيعية. ناهيك عن وجود أبراج متصلة بالمبنى، وتنسب هذه الآثار إلى عهد المنجوى فى القرن السادس الهجرى، وثمة مبانٍ أخرى، إذ شيدت فى عصور متأخرة. بينما تبعد آثار منطقة المحلة "أحلت" عن مدينة سدح حوالى 7كم شرقًا، وأيضًا تعد من المناطق الأثرية القديمة، لاسيما أنها تقع على ضفتى خليج المحلة، والتى باتت ملجأ للسفن الشراعية، خاصة البرجين البرزة، والبرج الأثرى المرتبط بآثار المسجد القديم. وكذلك مدينة سدح الأثرية، وجزيرة فرتان ومرتان (الحلانيات) حيث تقابل حاسك فى البحر، كما ورد فى حديث الشريف الإدريسى. وآثار "الشصر" شمال مدينة صلالة بحوالى 165كم، وفيها واحة الشصر التى كانت مستوطنة بشرية عريقة يعود بها العهد إلى العصر الحجرى، سيما أن الواحة كانت نقطة التقاء مهمة لعبور الصحراء الشمالية لمنطقة ظفار، إذ ترحل إليها القوافل من مراكز إنتاج اللبان من وادى غدون وحنون وذهبون وبقية الأودية، ثم تنطلق هذه القوافل من ثغر ثمريت شمالاً فى مسير يومين تقريبًا عبر صحراء مقفرة إلى منافذ أخرى فى الجزيرة العربية. وفى وادى "حنون"، توجد الكهوف وأشجار اللبان التى كان يأوى إليها الإنسان، لاسيما أثناء الفيضانات والأعاصير الشديدة، ثم كان موضع الجدال حول المدافن الأثرية والمنتشرة فى عموم منطقة ظفار من شرقها إلى غربها، إسلامية وجاهلية، ومن هذه الدلالات: قبور قديمة شمال غرب بلدة حاسك الأثرية، وهذه القبور مبنية على السطح بارتفاع متر واحد، وتحيط بها صخور حجرية كبيرة من مختلف الجوانب، وثمة مقابر أخرى منتشرة فى شعاب بيت سعيد. مشاهير العلماء وتعد "ظفار" قديمة الاختطاط ومشهورة بالفقهاء.. وهنا أسماء واضحة لمشاهير العلماء فى ظفار، حيث اشتهرت ظفار منذ القدم بالعلماء والفقهاء، حتى قال عنها بهاء الدين الجندى، ظفار قبلة العلماء، وثمة عشرات العلماء الذين ذكرت أسماؤهم فى المصادر التاريخية؛ تشير لبعض المؤلفين أصحاب رباطات العلم ومنهم: "أبو نصير الأوسى"، وهو معلم فى عهد السلطان محمد الأكحل المنجوى فى القرن السادس الهجرى، وقد أرشد المنجوى لمقابلة العالم العلامة أبو عبد الله محمد بن القلعى، واقناعه بالبقاء فى ظفار للانتفاع بعلومه.. و"محمد بن على باعلوى" صاحب مرباط المتوفى سنة 566ه. وهو واحد من رجالات العلم والتقوى والصلاح المشاهير فى جنوب الجزيرة العربية. توفى فى مدينة مرباط فى التاريخ المشار إلى أعلاه، ويوجد مشهد على قبره، يحمل اسمه الكامل فى نص الكتابة: "بسم الله الرحمن الرحيم.. لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قبر السيد الشريف الحسب السنى قطب الأولياء، وغوث الأصفياء، مطلع الأنوار، ومنبع الأسرار، أستاذ الشيوخ الأكابر، الإمام الأسد الضرغام، جد الأشراف آل باعلوى، المشهور بصاحب مرباط العارف بالله مولانا محمد بن على بن علوى بن محمد بن علوى..". ومن العلماء أيضًا العالم العلامة أبو عبد الله محمد بن على بن الحسن بن على القلعى المتوفى فى مدينة مرباط سنة 577ه. وقيل سنة 630ه.. وله من المؤلفات مثل: شواهد المهذب، كنز الحفاظ، أحكام القضاء، احتراز المهذب، كتاب المستعذب، وتخرج على يده علماء مشاهير أجلاء مثل: سعد الدين الظفارى. أما عبد المؤمن بن أحمد الأصبحى، فدرس على يد الشيخ سعد بن سعيد المنجوى، وبرع فى العلوم العربية، وعلى يده درس السلطان إدريس بن محمد الحبوظى، وله كتاب الأحكام. وثمة آخرون من العلماء من ظفار، أمثال: أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى من أصحاب الشيخ محمد القلعى، ومحمد عبد القدوس الأزدى، ويعد من كبار علماء مدينة ظفار، وكذلك الشيخ سعد الدين الظفارى، الذى برع فى التدريس والعلوم الشرعية، وتوفى فى سنة 607ه، وله ترجمة فى كتاب باطحن. وثمة علماء آخرون فى فنون البحر والفلك، أمثال: سليمان بن أحمد بن سليمان المهرى، ومن علماء الشعراء مثل: محمد بن سعيد بن على النقيب اليافعى، وله ثلاثة دواوين شعر والعالم على بن محسن علوى، والشاعر الشعبى البارز أحمد بن على بن عاذل الحضرى والقاضى عبد الله بن سالم بن عبد الرحمن الكاف.