تفاصيل قانون تسوية أوضاع الممولين.. خطوة جديدة لدمج الاقتصاد وتخفيف الأعباء الضريبية    إحالة أوراق قاتل شقيقه ونجل شقيقه فى الغربية إلى المفتي    باكستان تعتزم إطلاع مجلس الأمن الدولي على التوتر القائم مع الهند    الأمن يضبط المتهمين بسرقة بطاريات السيارات في الغربية    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتفقد سير العمل بملف التصالح المركز التكنولوجي بمدينة ببا    استشهاد فلسطينية في قصف الاحتلال منزلا في مدينة غزة    الصورة الأولي للطالبة المتوفيه إثر سقوطها من الطابق الرابع بكلية العلوم جامعة الزقازيق    قرار جمهوري بالموافقة على اتفاق بشأن تخلي بنك التنمية الإفريقي عن الليبور كسعر فائدة مرجعي    زيلينسكي: وقف إطلاق النار مع روسيا ممكن في أي لحظة    البحرين تدين الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على سوريا    الزمالك يستأنف استعداداته لمجهة الاتحاد في كأس مصر للسلة    مصدر يكشف تفاصيل مفاوضات الأهلي مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد    من هو اللاعب كريم البركاوي الصفقة المحتملة للزمالك ؟    رئيس جامعة بنها يتفقد عدداً من المنشآت الجديدة بكفر سعد    ستبقى بيننا زمالة ومودة.. البلشي يشكر عبدالمحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين    "عروض قتالية".. الداخلية تنظم احتفالية بتخريج الدفعة التاسعة من معاهد معاوني الأمن | فيديو وصور    بسبب الغش.. طالب ثانوي يطعن زميله بآلة حادة في أكتوبر    هل يجوز لي التعاقد على شراء كميات محددة من الحبوب الزراعية كالأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما شروط الوقوف بعرفة؟.. الدكتور أحمد الرخ يجيب    «الرقابة الصحية» تعلن منح الاعتماد ل24 منشأة صحية وفقا لمعايير «جهار»    قلبك في خطر.. احذر 5 علامات إذ ظهرت على جسمك اذهب للطبيب فورا    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    الإدارة العامة للمرور: ضبط 37462 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    في يومها العالمي.. وزير الأوقاف: الصحافة الواعية ركيزة في بناء الإنسان وحماية الوعي    بيراميدز يتفوق على الأهلي بروح ال+90.. كيف ساهمت الأهداف القاتلة في صراع الصدارة؟    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    تشكيل ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    إلغاء معسكر منتخب مصر في يونيو    الأهلي يدرس استعادة أحمد عابدين بعد تألقه مع منتخب الشباب    وكيل تعليم البحيرة يتابع التقييمات الأسبوعية بمدارس المحمودية    توريد 104 آلاف و310 أطنان قمح بصوامع أسوان    بدء اجتماع لجنة الإسكان بالنواب لمناقشة قانون الإيجار القديم    الصاروخ اليمني اجتاز كل منظومات الدفاع الإسرائيلية والأمريكية بمختلف أنواعها    مصادر: استشهاد 45 فلسطينيًا جراء القصف الإسرائيلي في 24 ساعة    نائب محافظ دمياط توجِّه بسرعة التدخل لدعم المتضررين من الأمطار    ضبط 800 كاوتش سيارات بدون فواتير بالشرقية    إصابة 3 أشخاص في حريق شقة سكنية بالمطرية    انطلاق القمة الخليجية الأمريكية في السعودية 14 مايو    الإييجار القديم.. ينتظر الفرج النائب شمس الدين: ملتزمون بإنهاء الأزمة قبل نهاية دور الانعقاد الحالى    إياد نصار: كريم عبد العزيز مجنون نجاح وهذه كواليس «المشروع x»    «أهل مصر» فى دمياط.. و«مصر جميلة» بالبحيرة    لبلبة: «بفهم عادل إمام من نظرة عنيه»    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الإسكان عددا من ملفات عمل الوزارة    خالد عيش: سرعة الفصل في القضايا العمالية خطوة حاسمة لتحقيق العدالة    «الشيوخ» يحيل تقارير اللجان النوعية بشأن الاقتراحات المقدمة من «النواب»    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعي سيدفع مليار شخص بالعالم إلى تنمية المهارات    حساب بنكي لتيسير عمليات التبرع لصالح مستشفيات جامعة القاهرة    وكيل صحة البحيرة: الإلتزام بإجراءات مكافحة العدوى ومعايير الجودة    كندة علوش تروي تفاصيل انطلاقتها الفنية: "ولاد العم" أول أفلامي في مصر| فيديو    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوَلَعُ الدِّيني في مِصر
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 12 - 2017

ولأن كثيرين لم يقرأوا ما يكتب عن تجديد الخطاب الديني أو تطويره فوق المنابر وأسفلها أيضا ، ولأننا على إصرارنا القديم بضرورة غلق كافة أبواب الاجتهاد الفقهي من أجل محاربة التفكير طمعا في الغلو والإفراط والتفريط ، خرج علينا في مصر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الكاتب الصحفي الكبير والقدير والطاعن في السن أيضا الأستاذ مكرم محمد أحمد الصالح لأكثر من عصر متواتر ببيان صحفي بالاتفاق مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية مفاده قصر حق الفتوى وربما في الأيام المقبلة أيضا على خمسين رجلا تنعتهم الصحافة المصرية بخمسين عالما فقط .
ومنذ البيان والفضائيات المحمومة والوئيدة على السواء بدأت في استعارها صوب البيان ومصدره المعروف والمعلوم الأستاذ مكرم محمد أحمد الذي يظهر بين الحين والآخر ليوضح ويؤكد ويشرح ويبين ويعضد ما صدر من قبل من أسماء محجوبة وأخرى مسموحة ، ولاشك أن مصر لديها منذ قرون بعيد ولع ديني يظهر دوما في الاحتفالات والاحتفاءات ذات الصبغة الدينية ولقد وجد الفاطميون ضالتهم في مصر حينما اكتشفوا شعبا مغرورقا بالدين في صورته الشعبية وليست العقدية فحسب .
ولقد ارتأت مشيخة الأزهر الشريف ودار الإفتاء والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن هناك ثمة علماء يصدرون الفتوى بشكل يدعو إلى لغط مجتمعي أو إحداث فتنة ثقافية قد تعرقل حراك المجتمع . لكن الحقيقة أن مصر التي تسعى اليوم لتنمية اقتصادية ، وتواجه عما قريب جدا مشكلة مائية حتمية لا يمكن الفكاك منها ، فضلا عن ترقب نخبوي من تحرك إيراني بالمنطقة العربية عموما هي أبعد ما تكون عن ظواهر ثقافية تتعلق بشأن الفتوى ، لاسيما وأن كل محاولات تجديد الخطاب الديني باءت بالفشل .
حتى كتابي المعنون بفقه الخطاب الديني المنشور هذا العام بالمملكة الأردنية الهاشمية وتم توزيعه بمصر أعتقد أن قليلا قد طالعوه ، شأنه شأن كل الكتابات التي صدرها لنا كبار المفكرين المصريين والعرب ، باستثناء الكتيبات التي يفجرها لنا صباح مساء وزير الأوقاف المصرية الدكتور مختار جمعة غير المتخصص فقهيا رغم كونه أزهريا لأن كتبه سرعان ما تطبع وتوزع بصورة مدهشة ويتم تداولها في أروقة دينية رسمية .
والحقيقة أن البيان الذي حجب أسماء كثيرة بعينها من التصدر للفتوى كان مثيرا من ناحية أنه شمل أسماء لا يعرفها الكثيرون من أهل العقد والحل والرأي ، ومن ناحية أخرى أن هناك أسماء تبدو شعبية لكثير من المصريين كونها الأكثر ظهورا وبروزا في المشهد الإعلامي المرئي .
وهناك فتاوى دعت إلى ضرورة قصر حق الفتوى على أسماء بعينها مثل حق الزوج في معاشرة زوجته المتوفاة تحت مسمى مضاجعة الوداع ، وجواز معاشرة الرجال لبعض أنواع البهائم كالماعز والأبقار والأغنام ، وأن الغناء كالزنى والدعارة ، وجواز الحج إلى سيناء بدلا من بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، وجواز شرب الخمر بحجة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد توضأ به ، وأن الصحابة قد شربوا بعضه وحسبي الله ونعم الوكيل في هذا العبث غير الممنهج .
ووفقا لبعض هذه الفتاوى الشاذة والغريبة والتي من بعضها ما تفجر في أثناء حكم جماعة الإخوان في مصر والثورة الفضائية للقنوات البعيدة عن الرقابة الإعلامية الرسمية والتي صدرت لنا كل ثانية فتوى جديدة من أمثال إرضاع الكبير ونكاح الصغيرة وتحريم أكل الموز والخيار وغير ذلك ، فإنه من الضروري التصدي لمثل هذه الخرافات المتعلقة بالعقيدة.
لكن أرى ويرى غيري كثيرون أيضا أننا نبالغ كثيرا ونحن أمة عريقة بفكرها وثوابتها الدينية الرصينة في التصدي لمهازل بعض ممن ينتسبون إلى العلم والفكر الديني ، وفي نفس الوقت لا أزال أؤكد أننا نعيش حالة من القطيعة المعرفية التامة بين الفكر الديني الرصين والمتجدد المرتكز على القرآن والسنة وبين حالة الحراك المجتمعي الشعبي الغارق في قضايا تتعلق بالطلاق والخلع والزواج العرفي والظواهر المجتمعية المرتبطة بالحالة الاقتصادية .
ويزداد حزن النخبويين من أجل قصور المؤسسات الدينية الرسمية في تعميق المفاهيم العقدية لدى المصريين لاسيما الطلاب الذين يذهبون للمدرسة والجامعة كل صباح ، وأن دور الأزهر ووزارة الأوقاف بات غائبا وقليل الحضور في مناهجنا التعليمية ، وأن الوزارة نفسها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بوزيرها الراهن لا يراهن على تعميق وتطوير الاستدلال لدى طلابنا ، لذا نجد هؤلاء حينما يكبرون ويذهبون إلى الجامعات المهمومة بالمذكرات الجامعية وبامتحانات نهاية العام أكثر قبولا للاصطياد من جانب أئمة الفتنة وفقهاء اللغط .
وما دام الأمر هكذا فإننا سنعيش فترات طويلة قادمة قد تستمر لعقود بعيدة أيضا في منطق الجدل والسفسطة ولن ننتقل إلى مساحات من المنطق المرتكز على التأسيس الممنهج الواعي ، بحجة أن الشارع يحتاج إلى مزيد من الحكي والحواديت حول الرجل الذي يريد أن يتزوج بأكثر من امرأة ، والرجل المفتون بالفتيات الصغيرات ، والزوجة التي تتصل بالشيخ عبر الفضائيات من أجل أنها لا تدرك أهي على عصمة زوجها أم أنه زوجها المبجل قد طلقها وهي بغير علم .
إن شعبا كهذا أمامه تحديات داخلية تتمثل في طوائف وتيارات متطرفة تسعى إلى تقويض الوطن وتفتيت نسيجه القوي ، ومؤامرات خارجية تحيط بمصر من كل ناحية ، لهو أحرى بالبحث عن المستقبل بدلا من العودة إلى الوراء بصورة مخجلة ، ولعل اليوم أكثر من البارحة جاز لنا جميعا أن نلعن حرية الفضائيات ولعنة شبكات التواصل الاجتماعي المتمثلة في الفيس بوك وتويتر ويوتيوب التي سمحت لكل من هب ودب وشب وخط الأرض بقدميه لأن يفتي بغير علم أو فقه أو دراية ، وأيضا من بلغ من العلم قدرا كبيرا لكنه هوى وراء رغبات المشاهد الذي يجرجره إلى مساحات من البوح العبثي فكان منه أن يدغدغ أعصاب ووصلات المشاهد العصبية بقصص وحكايا باهتة وبائدة عن عصور مضت وربما كاذبة من مثل الوضوء بالخمر .
ومثل هذه الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالشأن الديني تدعو إلى تفجير الذكرى المتصلة بدعاوى جماعة الإخوان الذين اعتصموا برابعة العدوية عقب العزل الشعبي لوكيل الجماعة في الحكم محمد مرسي بأن جبريل ( عليه السلام ) قد هبط إلى ساحة المكان وسط المعتصمين وما شابه ذلك من عبث يتعلق بولع ديني لدى المصريين .
وإذا كان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالتعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء قد لجأوا جميعا إلى إصدار بيان يتضمن أسماء من حقها التصدر للفتوى عبر وسائل الإعلام الرسمي ، فإنها ستظل عاجزة بل أكثر وأبلغ عجزا وفقرا في مواجهة الفكر المتطرف من ناحية ، ومجابهة الفقر الثقافي الديني لدى جموع من المصريين من ناحية أخرى ، ما دام الأمر بعيدا عن كنه تجديد الخطاب الديني وهو الأمر الذي يشبه الفرق بين مواجهة الإرهاب والتصدي للإرهابيين .
فالأحرى والأجدى هو تغيير ملامح الصورة الذهنية لدى المصري المولع بقضايا دينية جدلية تدفعه إلى مزيد من ترقب الفتاوى الشاذة المدهشة والتي قد تجد صدى طيبا وقبولا حسنا أيضا لدى بعض المشايخ والعلماء من خلال برامجهم الفضائية التي تنافس بقوة وضراوة برامج الطهي وإعداد المأكولات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.