شهدت السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا من أغلب الكُتّاب ودور النشر على إقامة حفلات التوقيع، رغبة في توسيع نطاق توزيعها وصولا لقائمة “أعلى المبيعات”، فعادة ما يدعو الكاتب أصدقاءه والنقاد والصحافيين لحضور حفل التوقيع فتنتشر الأخبار على المواقع الإلكترونية عن وجود حفل توقيع في مكان ما، ومن هنا يأتي التساؤل: هل يمكن أن تكون الحفلات بديلا عن الندوات النقدية؟ توقيع الكتاب سلاح ذو حدين حول ظاهرة انتشار عادة حفلات التوقيع يؤكد عمر محمد، صاحب مكتبة “عمر بوك ستور”، أنه بغض النظر عن المادة التي في الكتاب أو العمل نفسه فإنه يبيع في حفل التوقيع أكثر مما يبيعه في الأيام الأخرى، فتُباع الكتب للأصحاب والأهل والنقاد وبعض الصحافيين للكتابة عنه. ويعتبر عمر أن هذه طريقة تسويق أو دعاية أو “نطة” على حد قوله، حيث أن أغلب الحاضرين في حفل التوقيع يشترون الكتاب مجاملة للكاتب، والكتاب الذي يحقّق أعلى مبيعات الآن هو الذي يتعامل مع الميديا بطريقة ذكية، فمن الممكن أن تكون مادة الكتاب عادية جدا، ولكن الكاتب قام بصنع دعاية قوية مثل أن يكون معارضا للحكومة أو تصادميا مع الأديان. وتؤكد إسراء فيصل، مسؤولة في إحدى المكتبات، أن المكتبة تقيم حفلات التوقيع بالتنسيق ما بين الكاتب ودور النشر، وأن المكتبة تأخذ 10 بالمئة زيادة على سعر الكتاب يوم حفل التوقيع من الناشر. ويعتبر حفل التوقيع نوعا من أنواع الانتشار ليس للمكان فحسب ولكن للكاتب أيضا، وبالنسبة للمكتبة فإن الحفل يلفت نظر الموجودين إلى عناوين أخرى موجودة بالمكتبة والتعريف ببرامجها. وترى فيصل أن دور النشر حاليا دورها ضعيف في تسويق الكتاب، وبالتالي فإن توقيع الكتاب بمثابة طريقة مثلى للتسويق للكاتب ودور النشر على المستوى الثقافي، فدور النشر تبحث عن الربحية والكاتب يبحث عن الانتشار. وعن سبب انتشار هذه الظاهرة الآن، تؤكد أنه من خمس سنوات لم يكن هناك هذا العدد من دور النشر والذي يندرج تحت الاستثمار الثقافي. جسر القارئ يقول الروائي مكاوي سعيد “إن توقيع الكتاب جسر ما بين القارئ والكاتب، وإن انطباعات القُرّاء العادية من الممكن أن تكون مفيدة أكثر من الآراء النقدية وتخلق حميمية ما بين الكاتب والقارئ”. ويوضح سعيد أن توقيع الكتاب سلاح ذو حدين، حيث أنه إذا تعالى الكاتب على القُرّاء أو عاملهم بجفاء من الممكن أن يفقد نسبة كبيرة منهم، والتوقيع هو طريقة تسويق للكتاب وتحقيق مبيعات أعلى. وعن انتشار الظاهرة، يقول “كان في الماضي خلل في التسويق، وهذه طريقة جيدة جدا للتسويق، وللترويج للكتاب، وقد تزامن هذا مع دخول الإنترنت على مجال واسع في حياة الناس عن طريق ‘الفيسبوك‘، في البداية كان من الصعب أن تصل الدعوات إلى النقاد أو الصحافيين، ومن الممكن أن تصل بعد انتهاء الحفل، وقد ساعد الإنترنت في انتشار هذا النوع من التوقيع، وهذا نوع متبع في الترويج في أوروبا وأميركا”. أما الكاتبة مي خالد فترى أن حفل التوقيع كندوة مصغرة ولكن تخلو من الشكل الجامد للندوة بوجود ثلاثة نقاد في جلسة تحاور، أما حفل التوقيع فهو تفاعل مباشر مع القُرّاء وهي طريقة للتسويق. وعن انتشار الظاهرة الآن، تؤكد مي أنها ليست منتشرة الآن، وهناك قُرّاء كثيرون لا يعرفون عن حفل التوقيع، وفي المجمل فحفل التوقيع هو استفادة معنوية للكاتب وربحية لمنفذ البيع. وتقول الكاتبة والروائية لنا عبدالرحمن إن حفلات التوقيع يغلب عليها الجانب المعنوي بالنسبة إلى الكاتب، في وجود من يهتم بلقائه والتعرف إليه والحصول على كتابه، وتتابع قائلة “لكني لا أرى أن حفلات التوقيع يمكن اعتبارها ناجحة في تحقيق انتشار بالنسبة للكاتب العربي، لأنها لا تحظى بالترويج والمطلوب، لذا يظل الحضور ضمن دائرة صغيرة من أصدقاء الكاتب ومعارفه. أما لتحقيق حفلة توقيع ناجحة وجماهيرية فهذا يحتاج إلى حملة دعائية للكتاب عبر المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي، بهدف لفت الأنظار للكتاب واختيار الجانب التشويقي الذي يجذب الجمهور العادي ويحفزه للقراءة. وهذا غير متوفر طبعا إلا إذا قام به الكاتب بنفسه أو كانت هناك ‘كتائب إلكترونية' موظفة للترويج لكتب بعينها، فيكون الإقبال عليها ملحوظا، وإلا ستظل الكتب الثقافية تحديدا متداولة بين الطبقة المثقفة فقط”. حفلة مزيفة بينما يقول الروائي مصطفى نصر “الناشرون ابتدعوا حفلات التوقيع – وأنا لم أجربها، يعني لم أحتفل بصدور كتاب لي، فعندما بدأت هذه الاحتفالات، كنت قد أصبت بحالة صحية تمنعني من السفر، وكتبي صدرت في القاهرة، وأنا أعيش في الإسكندرية. حتى عندما عرضت روايتي ‘يهود الإسكندرية' بمعرض بالإسكندرية، لم يجد المسؤول عن المعرض سوى ثلاث نسخ. حفلات التوقيع يمكن اعتبارها ناجحة في تحقيق انتشار بالنسبة إلى الكاتب العربي، لأنها لا تحظى بالترويج والمطلوب وحفلات التوقيع تعتمد على: شعور الكثير ممن يحضرون الاحتفال بالحرج، فيضطرون للشراء. كما أن بعض الناس يفضلون الاحتفاظ بكتب عليها توقيع مؤلفيها. أيضا حفلات التوقيع وسيلة من وسائل الدعاية للكتاب، وهم يدعون صحافيين وإعلاميين، ليكتبوا ويعلنوا عن الكتاب”. ويضيف الشاعر أحمد غراب “لم أحضر مرة حفلة للتوقيع ولا شاركت ولا قمت بعمل حفلة توقيع لكتاب لي، لاقتناعي الكامل أنها لا قيمة لها للمبدع، فالكتاب الجيد سيجد طريقه للمتلقي دون حفلات ليس لها معنى ولا هدف سوى الترويج لدور النشر التي أصبحت حاليا أشبه بوكر لباعة الوهم والنصابين. إذن كيف يظهر المبدع؟ أؤمن أن الإبداع الجيد يعرف دروب الوصول إلى القلوب. الصحافة مفتوحة الأذرع للكتاب الجيد، وكذلك الإذاعة والتلفزيون أما حفلات التوقيع فأنا أراها بلا قيمة”. ويوافق الرأي السابق الكاتب وائل وجدي معتبرا أنه في الغالب الأعم، يحضر حفل التوقيع الأصدقاء والمعارف، لشراء الكتاب- مجاملة – وتوقيع المؤلف عليه، أي أنها صورة خادعة لتسويق الكتاب. تقليد أعمى لتجربة موجودة في الغرب، وتسويق كاذب، ولا يدل على منتج إبداعي متميز. ويقول “لذلك لم أدهش من العدد المتعاظم من الجمهور- غالبيته من المراهقين والشباب- لحضور حفل توقيع ديوان شعر هزيل، ولكن صاحبه بالنسبة إليهم شاعر متميز شهير. ومن ثم، أرى أن حفلات التوقيع إضاعة للوقت في حفل هزلي، يغلب عليه التمثيل والخداع.. الأجدى أن يُناقش العمل الإبداعي مناقشة حقيقية حتى يستفيد المبدع، خصوصا الشاب، ويتطور ما يكتب”. أما الناقد محمد عطية محمود فيقول “عند حضوري فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال إحدى الدورات السابقة، لاحظت كما لاحظ الكثيرون أن بالخيمة المجاورة زحاما شديدا وهرجا ومرجا وصياحا وتهافتا منقطع النظير، وكان السبب شيئا غريبا وعجيبا على الشأن الثقافي والمهتمين بالإبداع وحركة الكتب، ومستهجنا بشدة، فإذا بشاب كان مغنيا مغمورا للبوب، ثم تحول إلى ساحر لألباب الشباب والفتيات يوقع ديوانه الشعري الأول بمعجمه اللغوي الغريب الذي جمعه من مصطلحات الشباب السائدة، وكلام لا يليق ولا يصح أن تضمه دفتا كتاب، في حين حفلات التوقيع للكتب الهادفة لا يقربها أحد إلا الأصدقاء والمجاملون”.