أسعدنا نحن العرب المهتمين بالكتاب أن (اليونسكو) اختارت يوم 23 أبريل/ نيسان من كل عام للاحتفال ب "اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف"؛ تقديرا للكتب ومؤلفيها، ونشرا لثقافة القراءة والمطالعة واقتناء الكتب، ويسعدنا أن تنظم احتفالات في عشرات المدن في أرجاء العالم بهذه الذكرى بمشاركة أعداد متزايدة من الجهات الثقافي، وأن يقع الاختيار في عام 2017 على مدينة كوناكري بجمهورية غينيا، نظرا "لجودة برامجها وتميزها، خاصة تلك التي تركز على التشارك المجتمعي، فضلا عن ميزانيتها الرصينة المشتملة على أهداف تنموية". ولكن المستغرب أن اختيار هذا التاريخ - 23 أبريل/نيسان - جاء لاعتبارات ثقافية متعلقة بوفاة أو ميلاد عدد من أساطين الثقافة والأدب في العالم، وحسب ما جاء في تقرير اليونسكو أنه في هذا اليوم رحل الشاعر المسرحي وليام شكسبير، وذلك بعد يوم واحد من وفاة سيرفانتس الإسباني الموريسكي صاحب رواية (دونكيشوت)، كما توفي أيضا وفي التاريخ ذاته ألاينكا غارسيلاسو دى لافيغا (كاتب ومؤرخ بيروفي). وأضافت اليونسكو أن هذا اليوم 23 أبريل/نيسان يوافق يوم ذكرى ميلاد أو رحيل عدد من الأدباء والكتاب المرموقين مثل موريس درويون، وهالدورك لاكسنس، فلاديمير نابوكوف، وجوزيب بلا، ومانويل ميخيا فاييخو. ولكنها لم تذكر أحداً من العرب الذين أثروا الحضارة بمكتباتهم العالمية المذهلة. ولم تُضمِّن ممن ذكرتهم كاتباً عربياً واحداً، أو كتاباً عربياً واحداً، مثل ألف ليلة وليلة بصفتها الرواية الأم في الأدب العالمي أجمع. لقد ذكرت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا أنّ الكتب وسيلة فعالة للتصدي لما سماه شكسبير "اللعنة البشرية المشتركة التي تجمع بين الحماقة والجهل". ولم تذكر المتنبي الذي قال "وخير جليس في الزمان كتاب" ولم تذكر أن الفراعنة هم الذين مع إخوانهم البابليين والكنعانيين قد اخترعوا الحرف بأشكال متعددة لأول مرة في التاريخ، وأنهم اخترعوا الأرقام العربية 1 2 3 4 5 6 7 8 9 0 والتي كان من أهم مميزاتها أنها تحتوي على الرقم صفر، ولهذا سادت الأرقام العربية فاستخدمها الغرب بديلاً عن الأرقام اللاتينية التي كانت بدون الرقم صفر II III IV V VI VII VIII X IX ولولا الأرقام العربية لما كان اليوم كمبيوتر الذي لا يسير ولا يتطور إلا على النظام الرقمي. ونسيت المديرة العامة إيرينا بوكوفا في يوم الكتاب العالمي أن تذكر أن الفراعنة أسسوا مكتبة الإسكندرية، بصفتها أعظم مكتبة في التاريخ، جمعت اللغات والكتب الفرعونية والكنعانية، والبابلية والفارسية والإغريقية، حتى أنهم كانوا يقبلون تقديم السفن التجارية المارة عبر ميناء الإسكندرية "الكتب" بدل رسوم رسو السفن وخدماتها، وذلك لنسخها وقراءتها وتخزينها في هذا الكنز، الجبل العملاق، "مكتبة الإسكندرية" - كما ذكرت في روايتي "الإسكندرية 2050". تقول السيدة المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا إن الهدف من هذا الاحتفال السنوي هو احترام حقوق المؤلف"، خاصة في الوقت الراهن الذي تُعرِّض فيه التكنولوجيا الرقمية الكتاب لمخاطر الاستغلال غير المشروع على نطاق أوسع". ولكنها لم تشر من قريب أو بعيد إلى ذكر أكبر دمار للحضارة الكتبية، والذي تم بحرق "مكتبة الإسكندرية" ثلاث مرات بأيدي جيوش الرومان يوليوس قيصر وأنطونيوس قيصر وأكتافيوس والذين بتدميرهم الممنهج هذا، عن سبق إصرار وترصد، أدوا إلى شطب اللغة الفرعونية "الهيروغليفية" التي كانت كنز حضارة علوم العالم وفنونه من جميع النواحي المعمارية والهندسية والطبية والأدبية والفنية والدينية والزراعية والصناعية والتجارية، فقضت على تفوق العرب الحضاري، الذي انتقل إلى أوروبا فأضاء حضارتها في العصور الوسطى المظلمة، بمشاعل العرب، الأندلسيين والصقليين. نسيت السيدة أن تذكر هولاكو الذي دمر مكتبات بغداد عاصمة الرشيد، فجعل مياه نهر دجلة تمرُّ مصبوغة بلون أحبار الكتب، مروراً بالصليبيين الذين قال عنهم الروائي "أمين معلوف" في كتابه "الحروب الصليبية كما يراها العرب" كان الصليبيون وحوشاً غير متعلمين، يدخلون مدنا عربية فيها علوم ومكتبات عريقة وصولاً إلى حجز القشتاليين لكتب العرب الأندلسيين والصقليين، والاستيلاء عليها، وحرمان العرب منها، وتجيير بعض الكتب العربية لتكون مؤلفات لهم مثل كتاب (دونكيشوت) الذي يقول سيرفانتيس فيه إنه أخذه من موريسكي عربي هارب. وحتى الدمار الأخير للمتاحف والمكتبات العراقية والسورية، وفوق كل هذا، وصم العرب بالبربريين الذين لا يقرأون. وبعض مستشرقيهم يكتبون أن العربي يقرأ نصف دقيقة في السنة. وبعضهم يتكرم علينا بأنها أربع دقائق. وذلك كنوع من الاستعلاء الحضاري والحرب النفسية التي يشنونها على ثقافتها التي يواصلون السطو عليها ومحاولة لي ذراعها، وتجييرها لخدمتهم. والمؤسف أن بعض الكتاب العرب صاروا مستشرقين هم أيضاً فيسوقون هذه الحرب النفسية على بني قومهم. وتعتقد مديرة اليونسكو أن الكتب بوصفها أداة للتعلم والقراءة ورموزا عالمية للتقدم الاجتماعي، أصبحت أهدافا للذين "يجحدون الثقافة والتعليم ويرفضون الحوار والتسامح"، وضمن ذلك تأتي الهجمات التي تستهدف من حين لآخر أطفالاً في مدارسهم وتنظيم محارق علنية للكتب. ترى من هو الذي حرق ويحرق الكتب؟ أليسوا هم أولئك الذين دخلوا بغداد عام 2003 فلم يجدوا مكانا استيراتيجيا أكثر خطورة من مكتبات العراق ومتاحفها، لينفذوا إليه، فتُسرق بعدها الحروف المسمارية التي هي أساس الحرف في العالم؟