فيلم فتاة المصنع من إخراج المصري محمد خان وبطولة سلوى خطاب وياسمين رئيس وهاني عادل ومحمد علي، يقدم حدوتة بسيطة للغاية، قصة الشابة (هيام) نموذج قريب من الناس ومن عمق الواقع فهنا ملايين الفتيات يعملن في ظروف قاسية ولتوفير أبسط مستلزمات الحياة الضرورية ويعشن في العشوائيات ويحلمن بالحب والأمان. الفيلم يحكي قصة حب لكن هذا الحب يفشل لظروف قاسية، الفيلم دراما مشبعة بالحزن والبهجة ولم ينزلق إلى بكائيات وعويل مفتعل ولا إلى مواقف مبتذلة وساذجة. نلاحظ أن المرأة ظلت هاجسا ومحورا مهما تدور حولها أفلام محمد خان وكشف في بعض حواراته. إنه يحب المرأة كامرأة ويحس أنها مظلومة وأن اللعبة ليست بيدها، فالرجل هو صانع القانون ويفصله لمصلحته الخاصة، لذلك تخوض معركتها كي تأخذ حقوقا لم تكتمل بعد. ما يميز سينما محمد خان قربها من الواقع بمواضيعها وحكاياتها وكذلك بنزول الكاميرا إلى الواقع والناس البسطاء ورغم العوائق والجهد الإنتاجي الكبير ومواجهة مشاكل فنية وتقنية بسبب خيار التصوير في أماكن حقيقية، فقد استمر محمد خان مخلصا لهذا التوجه ورفض التقوقع في ديكورات مزيفة وهو يمرر نبض حياة البسطاء وأحلامهم، ففي فتاة المصنع نرى الثورة المصرية حاضرة بشكل غير مباشر وكشف المخرج أنه سيكون تزويرا للواقع لو أهملنا الثورة وستفسد حكاية الفيلم لو صورناها بشكل مباشر، لذلك تم تمرير الكثير من الإشارات والدلالات الصوتية مثلا نسمع صوت سيارات الشرطة والإسعاف وهتافات ونرى صور لشعارات مكتوبة على الجدران وغير ذلك. • سبب إهداء الفيلم إلى سعاد حسني أوضح المخرج هذه النقطة كون سعاد حسني في وجدان كل بنت مصرية وعربية وكونها عزيزة عليه. هنا في فيلم فتاة المصنع هيام بنت كادحة وكذا تختلف كونها طموحة، فالفقر والبؤس ليس بوسعه تحطيم الحلم وهذه الأحلام مشروعة فهي تريد أن تحب وتتزوج ولكنها تصدم بواقع شديد القسوة وهنا عليه الرضوخ ولا يحق لها. وكشف خان أن زوجته كاتبة السيناريو عملت لفترة متخفية في مصنع ملابس صغير لغرض التعايش مع العاملات ومعرفة تفاصيل قريبة وكذا طريقة الكلام ولم يكن أحد يعرف أنها تعكف على كتابة سيناريو، أي الواقعية هنا من أول سطر في الفيلم وهنا ليس الهدف نقل الواقع بحذافيره هي رغبة في قراءة تفاصيل نخجل من مجابهتها أو تنقل بشكل مبالغ فيه سينمائيا. هنا تقديس للحلم كحق مشروع للبنت ثم يحدث الإنكسار ثم تعود الفتاة وتنهض منتصرة. المشهد الأخير ورقصة هيام لم تكن رقصة الحمامة المذبوحة بالعكس فهمت الفتاة قيمتها كإنسانة وأنثى فرقصت منتشية ومفتخرة ولم يعد صلاح حبيبها وربما أصبحت ليست مجرد فتاة تبحث عن زوج مخافة العنوسة، وهذه التجربة المرة قد تمر بها أي فتاة فنحن في مجتمع يسهل فيه نشر الشائعات حتى لو كانت تمس الشرف والعرض. هذا المجتمع بحاجة لمعرفة علاته وسلبياته ولا يمكن أن ينتصر في ثورة كبرى ضد المفسدين وهو مايزال قاسيا على البؤساء وخصوصا قسوته على المرأة، مجرد شائعات تحول الجدة العجوز لوحش مفترس ويجتمع الرجال لغسل شرفهم ولا دليل لديهم وشهادتها غير مقبولة ولا شفاعة أو داعم، وحده ضمير الأم يستيقظ، تجد الفتاة أن الموت المنقذ الوحيد فتطرق بابه ولكن في المستشفى يؤكد الطبيب "إنها بختم ربها" وهكذا تُكتب لها حياة جديدة. تحكي ياسمين رئيس أن أمنيتها كانت العمل مع المخرج الكبير محمد خان وسعت لذلك لكنها لم تتوقع تحقيق حلمها وأن تكون بطلة الفيلم وعندما وصلها السيناريو كان مفاجأة كبيرة وعن مشهد قص شعرها حكت أنه تم فعلا ذلك ولم تندم لهذا الفعل وأن أفلامنا العربية فيها مغالطات كثيرة تتسبب في فقدان الأعمال للكثير من المعاني، وأنها عملت الصح في قبول تنفيذ المشهد وأن نجاح الفيلم يعود لعبقرية محمد خان كون الممثل عنصرا من عناصر العمل لا يمكن عزله أو جعله فوق بقية العناصر الأخرى، فالسيناريو والإخراج وجميع العناصر يجب أن تتشابك ويدعم بعضها البعض. خلال مسيرته السينمائية المبدعة، ظل محمد خان مخلصا للواقع والهموم الإنسانية للمواطن المصري وذهب إلى الشوارع المزدحمة والحارات الشعبية والعشوائيات المهشمة حيث الألم والحلم والضجيج فخالطهم وصورهم ليخلق لوحات فنية ساحرة للقاهرة هذه المدينة التي عشقها حد الثمالة. سلك خان الطريق الصعب مبتعدا عن تلك الأشكال والأنماط الجاهزة والمكررة وكل فيلم له هو قراءة عميقة لحياة البسطاء وأحلامهم الصغيرة، فتتحول هذه الحكايات إلى ملاحم مدهشة تحوي الكثير من الأفكار التي يتم تمريرها بسلاسة بعيدا عن الخطابة الفارغة، ولم يكن يعتمد على نجوم كبار ويميل إلى نماذج واقعية ويكتشف وجوها جديدة وممثلين غير محترفين. برحيله فقدت السينما المصرية مخرجا مبدعا، لكن أفلامه تظل خالدة ومهمة لفهم الكثير من التحولات الاجتماعية للمجتمع المصري، وكذا نحن نعيش سينما خالصة مشعة بالبهجة وتعزف لحنا جماليا له رونقه الخاص ولغة سينمائية فنية ترسم صفاء الروح الإنساني وتنتصر للمرأة وتقدس حلمها. ..... • سينمائي يمني مقيم في فرنسا