يثير فوز مجموعة من الكاتبات بجوائز "هوغو" الأشهر في مجال الخيال العلمي والفانتازيا، تساؤلات حول غياب أدب الخيال العلمي في كتاباتنا، خاصة وأن أديبات من الصين وأميركا حطمن احتكارا ذكوريا دام طويلا لهذا التيار من الادب، في الوقت الذي لم نشكل حتى الآن تيارا خياليا خاصا بنا في الأدب العربي. لا يزال موضوع الخيال العلمي غير مدرج ضمن اهتمامات الرواية العربية إلا في القليل من الروايات التي لم تجد صدى واسعا لدى المتلقي، ولم تشكل في حد ذاتها تيارا منفصلا يمكن من خلاله رصد التجربة وعناصرها واهتماماتها. وقد كان لمصر في خمسينيات القرن الماضي تجارب بدأت مع يوسف عزالدين ونهاد شريف وتوفيق الحكيم وصبري موسى ومصطفى محمود، كما كان للمغربي محمد الحبابي وللسوري طالب عمران كتابات تم تصنيفها كخيال علمي. وتساءل كتاب ونقاد كثيرون عن السر الذي غيب الخيال العلمي عن روايتنا ليخرج الكثيرون بأن الخيال يتضمن معنى الخلق وهذه القدرة على الابتكار مرتبطة بالخالق وحده، لذلك عرقل هذا المفهوم الضيق للدين إبداعات العرب القدماء، فارتبطت أغلب كتاباتهم التي تدنو من الخيال العلمي بالجن والعفاريت وتهيؤات الصحراء ومواربات اللغة في الأشعار بالتحديد. فالكثير من الروايات العربية تناولت أساطير وميثيولوجيات من التاريخ وحاكت قصصا عن الجن والمخلوقات اللامرئية ضمن خرافات دينية واجتماعية، لكنها لا تنتمي أبدا لجنس الخيال العلمي فالمسافة واسعة بين الغيبيات والنظريات، وما يصلح للمخيلة الشعبية لا يتناسب مع المخيلة العلمية. ورأى آخرون أن كتابة الخيال العلمي تحتاج إلى لغة خاصة وألفاظ علمية ترتبط بسياق تنبؤي، بمعنى أن استيراد المصطلحات الغربية وترجمتها حرفيا واستخدامها في الأدب الخيالي العربي تبدو ساذجة ومضحكة أحيانا. استعمال المصطلحات الدالة على التكنولوجيا بنفس ألفاظها لا يعتبر إساءة للغة العربية، أدب الخيال العلمي يستعمل كلمات تدل على المستجدات العلمية، والمستجدات العلمية نستهلكها فقط ولا ننتجها وبالتالي لا ننتج ما يدل عليها أيضا من اللغة. وليست اللغة الحاجز الأهم في إنتاج أدب الخيال العلمي، فالمادة العلمية التي هي المكون الأساسي لهذا الأدب غير متوافرة عندنا، فالخيال العلمي وليد مجتمع تكنولوجي يستعير مادته ولغته من المجتمع الذي يتربى في كنفه، ولا يمكن لأي مجتمع أن يستعير خيال الآخرين، ويبدو أن المسألة ليست سهلة أبدا فالأدب أيا كان نوعه ابن بيئته، ونحن نستطيع استيراد التكنولوجيا لكننا لا نستطيع استيراد الخيال من الآخرين. وقد يقول قائل إن الخيال خيال جامح بدليل الموروث الشعري الذي وصلنا وفيه من الشطحات والتهويمات ما لا يحده حد، نعم هذا صحيح في حدود المعاني والحالات الشعورية، والتماهي في الغيبيات شعريا وشعوريا، لكنها ليست خيالا علميا، بمعنى أن التأويل والاستعارات والكنايات وفنون التعبير الأخرى لا علاقة لها بمادة علمية منضبطة بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، اللغة الغيبية لا تنتج أدبا يمكن تصنيفه كخيال علمي يستند على الفكرة الدقيقة ويتم سردها بأدبيات الأسلوب العلمي. وحتى الآن لم يتوصل النقاد والمعنيون بالأدب إلى تحديد مفهوم لأدب الخيال العلمي عند العرب يشبه التيار السائد عن الغرب والذي أصبح منذ عقود يشكل إضافة كبيرة للحركة الأدبية الغربية واتخذ شكلا ومضمونا خاصا به، واستنادا إليه أنتجت السينما العالمية روائع أفلامها وقدمت سلاسل كثيرة من الفن السابع الموصوف ب"سينما الخيال العلمي". وفي حديثنا عن أدب الخيال العلمي لا نستطيع أن نتجاهل بعض التجارب في هذا المجال مثل روايات الكاتبة الكويتية طيبة الابراهيم التي تعد أول من كتب الخيال العلمي في الكويت، وكتابات أخرى مثل تجربة المصري محمد العشري، والمغربي إدريس اللياني، والسعودي أشرف فقيه، والمصرية صفاء النجار. لكن هذه التجارب الحديثة وغيرها التي بدأت في القرن الماضي لا تشكل في مجملها حركة ذات ملامح واضحة، كما لا يوجد أيضا حركة نقدية عربية ترافق هذا النوع من الكتابة، إضافة لعدم الإقبال عليه من القراء المعجبين بأدب الخيال العلمي والذين يجدون ضالتهم في الكتب المترجمة والأفلام السينمائية. في موضع من كتابه "أدب الأسطورة عند العرب" يقول الكاتب والباحث المصري فاروق خورشيد "إن الراوي العربي القديم كان بحاجة دائمة إلى إقناع مستمعيه أن ما يحكيه أحداث واقعية شهدها بنفسه وإلا فقد اهتمامهم" وأعتقد أن عبارات مثل "عن أحداث واقعية" أو "تتشابه مع الواقع" أو "ليست لها علاقة بأحداث واقعية" للتأكيد على صلتها بالواقع، لا زالت تكتب على الكثير من الروايات العربية، وكأن الخيال شبهة أو جريمة. وإذا كان الحال هكذا فلا زلنا بعيدين عن إنتاج أدب الخيال العلمي، ولا زلنا ننظر إليه كطبق طائر قادم من الفضاء محمل بالفضوليين والغرباء والمخلوقات العجيبة.