حققت مسرحية “دارت بنا الدورة” المغربية من خلال حوارات العرض مع الجمهور هدف كاتبها ومخرجها حسن هموش، الذي أكد أن فرقته تانسيفت (من مراكش) أرادت تحقيق مبدأ “خطاب وفرجة”. تمكنت الفرقة من حصد إعجاب الجمهور في عروضها السابقة، منذ مسرحياتها التي عرضتها أواخر التسعينات من القرن الماضي مثل “كيف طوير طار”، “مرسول الحب”، “كيد الرجال” وغيرها، والمسرحية الأخيرة حققت بمراكش وفاس والدار البيضاء ومكناس وأكادير وتزنيت وتطوان النجاح الجماهيري المطلوب في العرض الناجح. وحققت المسرحية أيضا، ذات النجاح في تونس بعد عرضها هناك، ومن المؤمل أن تسافر الفرقة قريبا إلى فرنسا وإلى باقي الدول الأوروبية وغرب أفريقيا (السينغال وكوت ديفوار) لتقديمها للجاليات المغربية هناك. تحكي المسرحية عن سالم الانتهازي، مثل دوره الفنان محمد الورادي، الذي ساعدته زوجته الغالية، مثلت دورها دنيا بوطازوت، بأموال ونفوذ أهلها في بداية حياته لدخول عالم السياسة، لكنه وظف هذا الدخول السياسي ليبني ثروة على حساب الناس، ومن خلال استغلال وضعه الاجتماعيّ والسياسيّ. خطط سالم للمشاركة في الانتخابات القادمة، ولكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فقد ظهر له ابن غير شرعي يُدعى مهدي، مثل دوره عبدالله ديدان، من عشيقة شبابه الهادية، ليعقد عليه تحقيق حلمه. وتنتقل المسرحية من خلال اللوحات، وكلمات الأغنيات، والموسيقى لتنقل للمتفرج جو المؤامرة، إذ يبدأ سالم بالتخطيط مع زوجته الغالية وابنته الراضية التي مثلت دورها سناء بحاج، لمنع وقوع فضيحة تحرمه الفوز بكرسي البرلمان. استخدم المؤلف الأمثال الشعبية، والنكات لإضحاك الجمهور، وجعلهم يحيطون بواقع حال الوضع العائلي المفكك لعائلة سالم. وفي الوقت الذي كان فيه يخطط مع زوجته وابنته ويطلب مساعدتهما، للخلاص من الورطة، مدعيا أن أعداءه السياسيين هم من خططوا لهذه المؤامرة بدفعهم لهذا الكذاب، لينال من سمعته أمام الناس ليمنعوا فوزه بالانتخابات، فإنه كعادة الانتهازي والباحث عن الفرص يسعى للجانب الآخر، ليتآمر مع مهدي والهادية عشيقته السابقة، وبوشعيب، ليعقد معهم صفقة بالرجوع إلى الهادية ونبذ زوجته الغالية. هموش وبريخت يضعنا المؤلف حسن هموش أمام جملة من الحقائق حول ما تعيشه هذه الشخصية من أزمات نفسية، وما يبدر منها من سلوكيات تؤشر على أن لا معنى للأسرة لديه، ولا لرابطة الدم، وكل ما يريده من الناس أصواتهم الانتخابية، التي ينبغي أن تكون في صالحه ليفوز بالمنصب السياسيّ، ليواصل جمعه للأموال وحيازته على الجاه والوضع الاجتماعي المرموق. وشعار فرقة تانسيفت “خطاب وفرجة” يعني ضرورة توفر الهدف الفكري، والسياسيّ في العرض إلى جانب ما يقدمه العرض من متعة وفرح للجمهور، سواء كان ذلك بالكوميديا، أو بالعرض التجريبي، أو الملحمي (البريختي). والمسرحية جمعت الضحكة والفكرة على طريقة المسرح البريختي، وقدمت النكتة الاجتماعية الناقدة، التي أضحكت الجمهور، لكنها في الوقت عينه أوصلتْ إليه خطابا ناقدا للسلوكيات السيئة، ونقدت صراع المصالح، والجمع بين السياسة وإدارة الأعمال، واستخدام المنصب الحكومي لجمع المال، والانتهازية، والنفاق والكذب على الأسرة والناس. وما أضحك الجمهور عند عرض المسرحية، هو ذاته ما كان يسلكه البعض قبل حضوره إلى العرض، وبذلك فقد حقق الفنان هموش في عرضه ما كان برتولد بريخت (1895/1956) يحلم بتحقيقه في مسرحياته المشهورة “الرجل هو الرجل” و”الأم شجاعة وأبناؤها” و”دائرة الطباشير القوقازية” وغيرها. وتوجد فروقات جوهرية بين مسرح ملتزم فكريا وأيديولوجيا بقضية سياسية يسارية كمسرح بريخت، ومسرح هموش، الذي له نظرة اجتماعية أخلاقية فقط، إزاء ما يحدث في المجتمع والأسرة المغربية. وفي المقابل، يأتي التشابه بين المسرحين من خلال إشراك بريخت للجمهور في عرضه الملحمي، فيتم ذلك من خلال تبادل الحوار بين الممثلين والجمهور، لمنع عملية التطهير التي تحدث للجمهور عادة داخل المسرح، ولينقل جمهوره إلى مرحلة الفعل الثوري عند تركه قاعة العرض والنزول إلى الشارع. في “دارت بنا الدورة”، ومنذ لحظة رفع الستار نلاحظ تقنيات المسرح التجريبي أيضا، باستخدام المخرج لديكور رمزي وسينوغرافيا بسيطة أثثت بها العرض المسرحي، وهي من إنجاز طارق الربح. ومثّل الديكور جدارا بمدخلين مشرَّعين، ونافذة عارية، تحكي برمزية عالية، التفكك الأسري لعائلة سالم الذي جمع بين الجاه والسياسة والمال، وبدت فتحات مضاءة بأعلى الجدار تذكر بالسجون. وأدى الممثلون دنيا بوطازوت وسناء بحاج وعبدالله ديدان بقية الأدوار، وكان لأداء الفنانين أدوار إضافية في المسرحية، أكدت قدرة الفنانين على العطاء، وإثراء العرض بطاقاتهم الإبداعية، فقد أدت بوطازوت ثلاث شخصيات، بينما قدمت بحاج شخصيتين، وقدم ديدان ثلاث شخصيات. وساهمت الإضاءة، والموسيقى والملابس التي صممتها سناء شدال بالإيحاء بجو المؤامرة الذي رسمته أحداث المسرحية، وكان العرض إغناء حقيقيا لعروض مسرح الفودفيل، وتأكيدا على أن مسرح الأسرة المغربية الكوميدي لا يزال حيا، وقادرا على خلق الضحكة من الفكرة العميقة، مهما كانت مستويات الحاضرين الثقافية والاجتماعية واختلاف اهتماماتهم.