محافظ كفر الشيخ: مجرى نهر النيل آمن ولا يوجد به تعديات    الإعلامية منى سلمان: حجم جرائم الاحتلال في غزة أجبر الإعلام الغربي على التغطية    أهلي طرابلس سيبقى حتى تقام المباراة أو ينسحب الهلال.. الVAR يهدد لقاء الحسم بالدوري الليبي    في مباراته الرسمية الأولى.. كيف كان الظهور الأول للتونسي علي معلول مع الصفاقسي؟ (صور)    الرياضية: النصر يرفع عرضه لضم كومان من بايرن ميونخ    محافظ الجيزة: إيقاف العمل الميداني لعمال النظافة تحت أشعة الشمس بدءًا من الغد    ليلة فنية بمسرح المنوعات بنادي محافظة الفيوم وفقرات تراثية وإثرائية عن صناعة الدواجن    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتابع أعمال التطوير في المجمع الدولي ومستشفى الكرنك    محافظ المنيا يتفقد مشروعات تعليمية في بني مزار ويضع حجر أساس مدرسة جديدة    أحمد المسلماني يكشف تفاصيل لقاء الرئيس السيسي حول بناء الشخصية المصرية وإصلاح الإعلام    تغريدة محمد صلاح تدفع إسرائيل للتعليق على واقعة استشهاد سليمان العبيد    نيوكاسل يراقب وضع إيزاك تمهيداً للتحرك نحو ضم جاكسون من تشيلسي    فرقة روك أيرلندية تهاجم حكومة نتنياهو وتدين حماس وتدعو لوقف فوري للحرب في غزة    مقتل 3 مسلحين وشرطي في هجوم جنوب شرقي إيران    محمود سعد يكشف تطورات مفاجئة عن الحالة الصحية ل أنغام: «العملية كبيرة والمشوار مش بسيط»    "الرعاية الصحية بالأقصر" تعلن بدء التقديم بمعهدي المجمع والكرنك للتمريض للعام الدراسي 2025-2026    بنك مصر يوقع بروتوكولا ب124 مليون جنيه لتطوير مركز رعاية الحالات الحرجة بالقصر العيني    وكيل صحة المنيا يشدد على الانضباط وتطوير الخدمات الصحية    عبدالغفار: «100 يوم صحة» تقدم خدمات علاجية ووقائية متكاملة بالمجان بجميع المحافظات    التضامن الاجتماعي تنفذ 6 قوافل طبية توعوية لخدمة سكان مشروعات السكن البديل    «من سنة إلى 15 عاما»..السجن ل4 بتهمة سرقة «هاتف» بالإكراه في بنها بالقليوبية    68 غرزة فى وجه الأشقاء.. مشاجرة عنيفة وتمزيق جسد ثلاثة بالبساتين    كل ما تريد معرفته عن ChatGPT-5.. كيف تستفيد منه في عملك؟    موعد صرف معاشات سبتمبر 2025.. اعرف الجدول والأماكن    بين المزايا والتحديات.. كل ما تريد معرفته عن السيارات الكهربائية    محمد الغبارى: ما تدعيه إسرائيل هو بعيد تماما عن الحق التاريخى    رنا رئيس تنضم ل أبطال فيلم سفاح التجمع بطولة أحمد الفيشاوي    ليست كل المشاعر تُروى بالكلمات.. 5 أبراج يفضلون لغة التواصل الجسدي    «فاطمة المعدول» الحائزة على تقديرية الأدب: أحلم بإنشاء مركز لإبداع الأطفال    "ملف اليوم" يكشف روايات الاحتلال المضللة لتبرئة نفسه من جرائم غزة    صاحبه الفرح الأسطوري ومهرها ب60 مليون.. 20 صور ومعلومات عن يمنى خوري    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    موعد المولد النبوي الشريف في مصر 2025.. إجازة 3 أيام وأجواء روحانية مميزة    رئيس «الأعلى للإعلام» يوجه بعقد ورشة لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي على أكثر من يوم    "الجلاد ستيل" يضخ 3 مليارات للتوسع في الإنتاج وزيادة حصته التصديرية    هزة أرضية على بعد 877 كيلو مترا شمال مطروح بقوة 6.2 ريختر    سعر مواد البناء مساء اليوم 10 أغسطس 2025    حجز متهم بإتلاف سيارة لتشاجره مع مالكها بالبساتين    أهمية الاعتراف الغربي ب "الدولة الفلسطينية"    أين هم الآن «معتصمو رابعة والنهضة» ؟    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    اندلاع حريق في "كافيه" بقليوب.. تفاصيل    تأجيل استئناف متهم بالانضمام لجماعة إرهابية بالجيزة ل16 سبتمبر    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    دخان حرائق الغابات الكندية يلوث أجواء أمريكا ويهدد صحة الملايين    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    الصحة تدرب أكثر من 3 آلاف ممرض ضمن 146 برنامجًا    الأزهر يعلن جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2025 للقسمين العلمي والأدبي    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 4 فلسطينيين في محافظة نابلس    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    الهلال السعودي يعلن رسميًا التعاقد مع الأوروجوياني داروين نونيز حتى 2028    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية مصرية عن الإنسان والسلطة في صراع البقاء
نشر في نقطة ضوء يوم 19 - 01 - 2016

سبعون عاما كاملة تقريبا يمرّ عليها قلم الكاتب المصري محمد الجيزاوي برشاقة اللغة وعمقها، وهو الذي يعمد إلى فلسفته في بعض الأحيان وتبسيطها في مواضع عديدة عند تناوله مسارات حيّة تركت آثارها واضحة في بنية ما حدث ويحدث، سبعة عقود يبدأها المؤلف من المشهد السابق للنهاية المفتوحة، ليعود بالكؤوس التي تتنوّع أسماؤها بين الضباب والإيمان والخوف والخداع في بنية أدبية هرمية واضحة، اعتمدت على المقطع العرضي من خلال تكرار ظهور الشخصيات في أجيال مختلفة.
تبدأ لعبة المراوغة في عمل الكاتب المصري محمد الجيزاوي الموسوم ب”الخمر ما عادت تسكر أحدا”، الصادرة عن دار ليان للنشر والتوزيع، من اختيار العنوان الذي أراده المؤلّف هكذا، حتى يتناسب مع الحالة المترنّحة التي تعيشها الأجيال العربية، متخذا من الحالة المصرية مثالا واضحا يختصر ما يمكن أن يقال في السنوات العجاف.
عبر سبعين عاما تقريبا يناقش العمل عدّة نقاط رئيسية تبدو من خلالها السلطة في المجتمع هي المهيمنة على كل الأفكار، وهي محور الحدث والإرادة، الإرادة التي تتّخذ شكلا ثوريا وتكون على استعداد تام لخلع لباسها العسكري تحت عباءات أخرى، مع يقينها الدائم بقدرتها على الفعل وخلق الحدث، هذه الإرادة التي تفرض شكل الحياة وأهدافها في مجتمع آمن طويلا بأنّه يخوض الحروب نيابة عن الجميع، ولا تلبث أن تدخل في حيثيات تثبيت الحكم وفرض السطوة الأمنية، هنا ينتقل الكاتب إلى مسار جديد يتناول من خلاله الحالة الاجتماعية القائمة في جوهرها على التآخي بين المسلم والقبطي لدى الجيل الأول، والتي تستمر بجذوتها في الجيل الثاني، ثم تخبو وتنقلب إلى عداوة عند الجيلين الثالث والرابع، في هذا المفصل تحديدا يمكن فهم بنية العلاقات الاجتماعية الرخوة التي تبنى على أرضية هشّة وتتدخل فيها الإرادة ومصالحها.
السرد الدائري
أربعة أجيال تدور في فلكها الرواية؛ فتبدأ بالأجداد ثم تنتقل إلى الأبناء، ومنها إلى الأحفاد، ومن ثمّ إلى أبناء الأحفاد الذين يحملون أسماء الجيل الأول ضمن حالة السرد الدائري.
السرد الدائري الذي ارتكز فيه الجيزاوي على نقطة خارج كل هذه المسارات، فكان لا بدّ من شخصية منيرة، قادرة على معرفة ما سيكون من خلال إيمانها المطلق، حيث اصطفاها الله لتكون إرادته الواضحة في خلخلة الاشتباكات الدرامية وتقديم مبرر لها من حيث الحدوث والوقوع، شخصية منيرة مثّلت في حالة الطرح مركز جاذبية العمل لتنطلق منها أنصاف الأقطار في السرد الدائري من خلال عوالم عديدة اختارها الجيزاوي عن سبق إصرار، فكانت مدرسة السعيدية الثانوية التي ضمّت نماذج عديدة؛ أنتقي منها هنا نور الدين مدرس الفلسفة وشقيق منيرة وحسام، وأحمد مدرّس اللغة العربية الذي يتمّ اعتقاله مع نور الدين بعد وشاية المدرس حسين بهما، حيث يعود حسين للظهور في نهاية الرواية كمدير لمدرسة كبيرة بعد أن أمضى عمره يقدّم الخدمات للإدارة الحاكمة وإرادتها، فلسفة الأدوار الانتهازية تظهر عند الضابط حسام شقيق نور الدين الذي يتمّ نقله إلى السجن العسكري للإشراف على تعذيب شقيقه حتى الموت، وينتهي به المطاف في نهاية العمل منتحرا بعد خروجه من الخدمة، ورؤيته للإرادة تنهار تحت صرخات ما حدث في ميدان التحرير يوم الخامس والعشرين من يناير 2011.
علاقات اجتماعية متشابكة
على مسار آخر تظهر حالة المصالح التي تفرض على العلاقات الاجتماعية والسياسية، فنرى تقاربا بين الإخوان والسلطة في زمن ما، وانقلابهم عليها في زمن لاحق. والرواية تحفل بين صفحاتها بضرورة الثورة وصيرورتها الحتمية نحو التغيير، التغيير الذي لا يكون إلا كما رسمت له الإرادة التي قدّمها الجيزاوي كالموسيقى التصويرية للفيلم السينمائي، فكانت حاضرة في أدق تفاصيل العمل.
إلى جانب الشخصيات الرئيسية في العمل تظهر شخصيات هامشية تسير إلى جانب الحدث تماما دون أن تتدخّل فيه أو في صيرورته واتجاهاته، دورها يكمن فقط في رغبة الكاتب في تمرير بعض الأفكار التي تبدو ضرورية لفهم العمل ضمن منظوره العام، كفكرة الحرية في مفهومها العام والحريات الشخصية والسياسية والاجتماعية وآليات التعليم وطرق التحقيق في السجون، تظهر تلك الشخصيات وتختفي فجأة دون أن تترك أثرا دراميا، سوى إثارة الأسئلة الملحّة والتي يتركها الكاتب دون إجابات إطلاقا، بالطبع ليس دور المؤلف تقديم إجابات وهذا ما ينسجم مع نهاية العمل من خلال مشهد الدفن حين تنتقل منيرة إلى العالم الآخر، هذا المشهد تحديدا هو الذي يمثّل مفتاح العمل وخاتمته، كي يكون الأحفاد في ذات اللحظة ضمن متنه وعلى هامشه في صورة فنية بديعة قدّمها الجيزاوي انتصارا للحياة.
التوثيق والأدب
ليس خفيا بعد الولوج إلى الصفحات الأولى من الرواية أن الكاتب يحاول تقديم سرد تاريخي في قالب درامي بعيد عن التنظير ومقومات علم التاريخ، وهذا ما نجح فيه إلى حدّ بعيد، لكن لا يمكن اعتبار هذه الرواية وثيقة تاريخية تتناول تلك العقود الخالية من تاريخ الدولة المصرية الحديثة لعدة أسباب، ربما أبرزها وضوح تنامي شخصيات على حساب أخرى وتقديم مبرّرات لكل تصرفاتها، وكأن المؤلف يريد أن يسيطر على العقل الباطن للمتلقي من خلال جذبه نحو شخصيات بعينها حتى يخلق حالة من التعاطف المبطّن معها، فيما تغيب الرواية الأخرى للأحداث، الرواية الأخرى هنا هي التي تقبع على الضفة الأخرى لتكون الوجه الآخر للحقيقة، الحقيقة التي تحمل وجهين أحدهما اجتماعي والآخر سياسي في رواية “الخمر ما عادت تسكر أحدا”.
المقطع العرضي لحالة المجتمع المصري عند سرد الأحداث التاريخية السياسية ليست جديدة، وربّما هي فكرة مكررة حديثا ومطروقة من قبل، إلا أن محمد الجيزاوي استطاع من خلال لغة محكمة وسيطرة بالغة التعقيد على شجرة العائلة التي قدّمها بشكل إيحائي على غلاف الرواية، أن يقدّم محتوى هذه الفكرة بطريقة رشيقة، تقوم على ثلاثة أعمدة تتوزّع بين الإنسان والسلطة والأحزاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.