أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    فصل التيار الكهربائي عن بعض قرى دكرنس في الدقهلية الجمعة.. اعرف الأماكن    السلطات الأمريكية: مقتل عنصر من شرطة ولاية ديلاوير في إطلاق نار    إعلام ليبي: وفد حكومي سيتوجه إلى أنقرة لمتابعة حادث تحطم طائرة الحداد    الجيش الصومالي يشن عملية عسكرية بمحافظة شبيلي السفلى    أرسنال يعبر كمين كريستال بالاس بركلات "الترجيح" ويتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة    كأس مصر.. موعد مباراة الأهلي المقبلة ضد المصرية للاتصالات "وي" بدور ال 32 في غياب الدوليين    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    أرسنال يطيح بكريستال بالاس من ربع نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    أمم أفريقيا 2025| تونس تبدأ مشوارها بالفوز على أوغندا بثلاثية مثيرة    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    انهيار سقف مطبخ وحمام على طابقين بالزاوية الحمراء وإخلاء العقار من السكان (صور)    أخبار مصر اليوم: 6 مليارات جنيه استثمارات "التجارة الداخلية" لإنشاء مناطق لوجيستية، المصريون بالخارج يبدأون التصويت في ال19 دائرة انتخابية ملغاة بانتخابات النواب    كورال "شباب مصري" يحيي حفل غنائي بقصر الأمير بشتاك، الجمعة    لهذا تآمروا على غزة ولم يتركوها حتى لمصيرها .. #إبستين مصيدة لا أخلاقية لابتزاز النخب الخليجية    وزير السياحة يبحث مع سفير هولندا سبل تعزيز التعاون المشترك في مجالي السياحة والآثار    طارق الشيخ: الغناء موهبة من الله فخور بها    محافظ دمياط: قطاع الصحة يشهد طفرة غير مسبوقة فى أعمال التطوير    بفستان أحمر قصير.. إيمان العاصي تثير الجدل في أحدث ظهور    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    أحمد رفعت: «الوسط الفني مجاملات وكله محسوبية»    «طلقنى» للجمهور من اليوم !    مقتل 5 من رجال الشرطة في هجوم شمال غرب باكستان    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تعلن تعليمات هامة للطلاب استعدادًا لامتحانات الفصل الدراسي الأول    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    وزير الدفاع الإيطالي: لا خلافات داخل الحكومة بشأن المساعدات المقدمة لأوكرانيا    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    «كوانتم إنفستمنت بي في» تزيد حصتها في شركة إيديتا للصناعات الغذائية في صفقة تبلغ قيمتها 1.26 مليار جنيه    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حسام عبدالغفار: التأمين الصحي الشامل يحظى باهتمام كبير من الدولة    أبو الغيط يدعو إلى التفاعل الإيجابي مع مبادرة السلام السودانية المقدمة لمجلس الأمن    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    محافظ المنيا يتابع الجاهزية الطبية ويشيد بجودة الخدمات المقدمة    إحالة للمفتي.. الحكم علي عاطل قام بخطف طفله وهتك عرضها في البحيرة    تعرض محمد منير لوعكة صحية ونقله للمستشفى.. اعرف التفاصيل    مؤتمر أدباء مصر يُكرم الدكتور أحمد إبراهيم الشريف تقديرا لمسيرته الإبداعية    رئيس "سلامة الغذاء" يستقبل نقيب الزراعيين لتعزيز التعاون المشترك    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في غزة كارثي والحاجة ملحة لتدفق المساعدات دون عوائق    جامعة كفر الشيخ تكرم طلاب «الذكاء الاصطناعي» الفائزين في مسابقة للمطورين    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    وقف إطلاق النار في مهب الريح ..الاحتلال يعمل على تهجير الفلسطينيين بتفريغ قطاع غزة من مقومات الحياة    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    تفاصيل البروتوكول الموقع بين القومي لحقوق الإنسان والنيابة الإدارية    ميناء دمياط يضخ 73 ألف طن واردات في يوم حيوي    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    محافظ شمال سيناء يفتتح عددا من الوحدات الصحية بمدينة بئر العبد    كيان تعليمى وهمى.. حيلة "مستريح مدينة نصر" لاستقطاب ضحاياه    «اليونسكو» تكرم محافظ المنوفية تقديراً لجهوده في دعم التعليم | صور    صدام نارى بين الأهلي وغزل المحلة اليوم في كأس الرابطة.. الموعد والقناة الناقلة    البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باخوميوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون    وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس إدارتي ببا وسمسطا بمحافظة بني سويف    وزارة «التضامن» تقر قيد 4 جمعيات في محافظتي القاهرة والقليوبية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    أمم إفريقيا - ياسر إبراهيم: أحب اللعب بجانب عبد المجيد.. ونعرف جنوب إفريقيا جيدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم نصرالله يصعد قمة كليمنجارو الفلسطينية
نشر في نقطة ضوء يوم 09 - 11 - 2015

يُصدّر الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصرالله روايته الجديدة «أرواح كليمنجارو» (دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر) بالقول: «في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقي في القاع... مهما صعد من قمم»، ويتبيّن من هذا التصدير أن الصعود مسألة داخلية بامتياز، غير أن العودة إلى متن الرواية تضعنا إزاء نوع آخر من الصعود هو الصعود الخارجي، المتناغم مع الداخلي والناجم عنه، بحيث يتزامن الصعودان، وتغدو كل خطوة إلى القمة الخارجية خطوة إلى قمة الذات. القمة الخارجية في الرواية هي قمة كليمنجارو في تنزانيا التي ترتفع عن سطح البحر 6000 متر، وتعتبر القمة الأعلى في أفريقيا، والمتسلقون هم مجموعة من الأطفال الفلسطينيين الذين بُترت أطرافهم وتضرّرت أعضاؤهم بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، ومجموعة من المتطوعين العرب والأجانب المتضامنين معهم، وكل منهم راح يصعد قمته الداخلية بالتزامن مع تلك الخارجية، وقد اجتمعوا، على تعدّد جنسياتهم، على دعم قضية إنسانية تشغل العالم منذ قرن، وكأنهم بصعودهم أعلى قمة في أفريقيا يعيدون تسليط الضوء على هذه القضية، بعد أن كاد غبار المعارك الطارئة، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، يحجبها عن الأنظار.
رحلة الصعود إلى كليمنجارو يشارك فيها الكاتب بنفسه، كما يشير في مقدمة الرواية، ويقوم بتحويلها إلى مادة روائية، لما يتيحه هذا النوع الأدبي من حرية، الأمر الذي لا توفره السيرة المقيّدة بالأحداث والوقائع. لذلك، كان لا بد من المزاوجة بين وقائع السيرة ومخيال الرواية. وهو يفعل ذلك من موقع المنخرط في التجربة والشاهد عليها في آن، ويتخذ من الراوي العليم قناعًا يمارس عملية الروي من خلاله.
في «أرواح كليمنجارو» يرصد نصرالله قيام بضعة عشر متسلّقًا، بالاسم الروائي، ومجموعة من المساعدين، برحلة التسلق. يشكّل الأطفال الفلسطينيون الثلاثة المبتورو الأطراف نواة المتسلقين ومحور عملية التسلق برمّتها، يحفّ بهم ويتمحور حولهم مجموعة متطوعين متعددي الجنسيات والاختصاصات والمهن، إضافة إلى نورة ويوسف وغسان، يشارك في الرحلة: صول لاعب كرة القدم التنزاني رئيس الفريق. ريما هاوية التسلّق العربية وصاحبة الفكرة التي آلت على نفسها عدم تناول القهوة إلا بعد تحقيق فكرتها. أروى الطبيبة الفلسطينية المقيمة في كندا التي أرجعتها قصيدة عمّها إلى بلادها. جون الطبيب الأميركي المتزوج من فلسطينية. جبريل رجل الأعمال الفلسطيني الانتهازي الذي صعد على أكتاف السلطة. جيسيكا موظفة البنك الفيليبينية / الأميركية. إميل المصوّر اللبناني ذو البنية القوية والرأس الحليق. هاري الكاتب الأميركي الذي يعاني إصابة في الرجل. سوسن ربة البيت الأردني / الفلسطينية. سهام موظفة الاتصالات المصرية / الفلسطينية، ونجاة الطالبة الجامعية السعودية.
وهكذا، يتبين أن معظم المشاركين هم من الفلسطينيين، أو المتحدرين من أصل فلسطيني، أو المرتبطين بفلسطين برباط معيّن. على أن المشاركة في مغامرة التسلق تشكّل ظاهرة إنسانية بامتياز تطفو فيها المشاعر الإنسانية على السطح، وتذوب الفوارق والحواجز الوطنية والقومية والدينية، ففي مواجهة أخطار الانزلاق والهزيمة والانسحاب والموت، تغدو الهويات المركبة المتراكمة لزوم ما لا يلزم، وإن كان سؤال الهوية، ببعدها الفلسطيني، في أصل القيام بالرحلة.
في روايته، يقوم إبراهيم نصرالله برصد حركة المتسلقين الخارجية في المكان، وعبورهم خمس مناطق مناخية مختلفة، في ظروف بالغة الصعوبة، في طريقهم إلى القمة الجبلية، الهدف المشترك للجميع. ويرصد حركتهم الداخلية وما يعتمل داخل كل منهم من أفكار ومشاعر وانفعالات ولحظات قوة وضعف. وإذا كانت القمة الخارجية واحدة للجميع، فإن القمة الداخلية تختلف من متسلق إلى آخر، ولكل هدفه الخاص المضاف إلى الهدف العام المشترك، وهي أهداف نبيلة ومشروعة باستثناء هدف المتسلق الفلسطيني جبريل الذي أراد المشاركة لتلميع صورته وتحقيق مكاسب تجارية رخيصة، الأمر الذي لا يتمكن من تحقيقه، فللجبل أدبياته التي لا تقبل الزيف، وللقمم طقوسها التي لا تعرف الانحدار.
يطغى حضور القضية الفلسطينية في الرحلة على ما عداها، وهو حضور يتنوع بين الشكل الإنساني في فكرة الرحلة وسبب القيام بها، والتاريخ المليء بالمعاناة والتضحية والصمود في المتن الروائي. وهذا البعد يحضر على شكل ذكريات راح يستعيدها كل من الأطفال الفلسطينيين الثلاثة المبتوري الأطراف، فإبراهيم نصرالله راح ينتقل بين الوقائع التي تمثّلها حركة الشخصية في المكان الجبلي والذكريات التي تستحضرها من فلسطين، وهي ذكريات أليمة. غير أنها لعبت وظيفة إيجابية في الحاضر، فشحذت الهمم، وعززت الإصرار على بلوغ القمة. ومع تحقيق هذا الهدف، كانت كل من الشخصيات قد بلغت قمتها الداخلية، فأصابت عصفورين بحجر واحد؛ الأطفال تحرروا من الإحساس بالإعاقة وكسبوا الرهان ورفعوا العلم الفلسطيني فوق القمة، والآخرون عادوا وقد تجددوا وولدوا من جديد وحقق كل منهم هدفه الخاص. وحده جبريل، المتسلق على أكتاف السلطة، المستثمر في آلام الآخرين، عاد من الغنيمة بالإياب، وخاب أمله بتحقيق هدفه.
وضع ابراهيم نصرالله روايته في عشرة محاور جعل لكل منها عنوانًا خاصًّا به. ويتألف كل محور من وحدات سردية عدة، تتراوح بين أربع في الحد الأدنى (4 أيام معه)، وتسع وحدات (عتبة القمة) في الحد الأقصى. وتتعدد المشاهد السردية داخل الوحدة الواحدة، وتتراوح بدورها بين مشهد واحد في الحد الأدنى (أروشا)، وأحد عشر مشهدًا في الحد الأقصى (ضباع قديمة). ويتراوح طول المشهد السردي بين سطرين اثنين على الأقل (ص 308) وصفحات عدة على الأكثر. ولعل هذا التعدد، النوعي والكمي، يضفي على العملية السردية شيئًا من الحيوية والحركة. وهو يطاول المستوى الإخراجي للنص حين يميّز بين الوقائع والذكريات، فتأتي طباعة الأخيرة بحرف أكثر سوادًا من الأولى.
على رغم خبرة نصرالله الروائية الطويلة وكفاءته السردية العالية، فإنه في «أرواح كليمنجارو» يقع في خلل فني غير مبرّر تتناقض فيه المقدمات مع النتائج؛ ففي حين تحفل الرواية بالقرائن اللفظية والوقائعية على مشاركة غسان، الطفل الفلسطيني الذي اقتلعت عينه وتفحّمت يده اليسرى، في الرحلة (ص 97)، وهي مشاركة مادية فعلية وليست متخيلة متذكّرة في ذاكرة أروى ومخيلتها، يفاجئنا في نهاية الرواية أن غسان لم يشارك. هذه النتيجة كان من الممكن قبولها لو أن حضوره اقتصر على ذاكرة أروى ومخيّلتها، فنعتبر أن مشاركته تمّت من خلالها، ولكن مشاهدة الآخرين له ورصد حركته في المكان تدحضان هذه النتيجة التي تتناقض مع مقدمات الرواية ومسار الأحداث.
على أية حال، هذه الهنات الهيّنات، لا تنتقص من أهمية الرواية في الإضاءة على المسألة الفلسطينية وقد حجبها غبار المعارك المستجدة في أكثر من مكان، وفي تعزيز روح التحدي والتضحية والصمود لدى الفلسطينيين، وفي إعلاء شأن الإرادة والقوة الداخلية، فتسلّق قمة الداخل يتقدم على ويتوازى مع تسلّق القمم الأخرى. وهي رواية تستحق الصعود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.