لفتة إنسانية.. الدكتور المنشاوي يوجه بتوفير منحة دراسية كاملة للطالبة ثريا أشرف أول كفيفة تلتحق بكلية التجارة جامعة أسيوط    سعر البتكوين اليوم.. تقلبات حادة في سوق العملات الرقمية    «التضامن»: 257 مليون جنيه منحًا ل 206 جمعيات أهلية خلال 6 أشهر    وضع حجر أساس مصنع لتربية ديدان القز وإنتاج الحرير الطبيعي في قنا    مصر وتونس توقعان مذكرة تفاهم لتطوير خدمات ريادة الأعمال    غرفة السياحة تبدأ نشر أسماء الكيانات غير الشرعية وتحرر ضدها بلاغات بالنيابة    قيادي بحزب مستقبل وطن: قرار الأمم المتحدة بتأييد تنفيذ حل الدولتين يعكس توافقا دوليا على الحقوق الفلسطينية المشروعة    تدمير مدرسة وإخلاء جماعي للمدنيين.. جيش الاحتلال يواصل قصفه لمخيم الشاطئ    مصادر فلسطينية: غارات إسرائيلية عنيفة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    مصر والسعودية والإمارات وأمريكا تصدر بيانًا مشتركًا حول استعادة الأمن في السودان    مصر تعزي الكونغو الديمقراطية في ضحايا حادث غرق قاربين في شمال غرب البلاد    2000 علم مصري يزيّن المدرجات في افتتاح بطولة إفريقيا لشباب الطائرة    "ياريت ما يبقاش في تقطيع".. ميدو يدعم قرار الخطيب    وفاة شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بين سيارة ودراجة بخارية بالمنيا    ضبط شخص يدير نادي صحي بدون ترخيص لممارسة الأعمال المنافية للآداب بالجيزة    انقلاب ميكروباص يُصيب 9 أشخاص على طريق أسيوط الغربي بالفيوم    ضبط 10 أشخاص بتهمة التسول واستجداء المارة في منطقة العجوزة بالجيزة    محافظ الشرقية يتابع أعمال إصلاح كسر مفاجئ بخط مياه الشرب الرئيسي في شارع بور سعيد    ترند الفن: كارينا كابور تعلق على شائعة وفاتها.. وشيماء سيف بإطلالة رياضية    وزير الخارجية يستقبل المرشح المصري لمنصب مدير عام اليونسكو    157 يومًا على رمضان 2026.. يبدأ 19 فبراير فلكيًّا    54.6 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية لكبار السن وذوي الهمم بالشرقية    "100 يوم صحة" تُقدم 86 مليون خدمة مجانية خلال 59 يومًا    الصحة: إجراء 2 مليون و863 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    عماد النحاس يستقر على تثبيت محمد الشناوي في حراسة مرمى الأهلي    فرص شغل وظائف قيادية جديدة ب"القابضة للكهرباء"    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    الأنبا توماس يترأس اليوم التكويني لخدمة ينبوع الحياة بكنائس شمال الإيبارشية    «الرعاية الصحية»: 70% زيادة في نسبة المستفيدين من منظومة الدعم المعنوي مقارنة بالعام الماضي    انتخاب شون أستين رئيسًا لنقابة ممثلي الشاشة في هوليوود    20 أكتوبر| غلق قاعة توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير    موعد مباراة الهلال ضد القادسية والقنوات الناقلة مباشر في الدوري السعودي    ما هي أسعار كتب طلاب المدارس الرسمية للغات والمتميزة للعام الدراسي 2026؟    تنسيق الجامعات، آخر موعد لقبول أوراق الطلاب المصريين الحاصلين على الشهادات الثانوية المعادلة    اتصالات مكثفة لوزير الخارجية مع نظرائه من السعودية وباكستان وتركيا    المتحف المصري الكبير يعرض آثار توت عنخ آمون بشكل كامل لأول مرة 4 نوفمبر    أحمد سعد: «بدأت حياتي بياع عيش واشتغلت نقاش قبل دخولي الفن» (فيديو)    عودة الكهرباء تدريجيا إلى 7 مراكز بالشرقية بعد عطل طارئ    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 13 سبتمبر 2025 بالصاغة    الجريدة الرسمية تنشر نص قرار وزير التربية والتعليم بخصوص نظام البكالوريا    اليوم، ثالث جلسات استئناف رجل الأعمال على حكم حبسه بتهمة النصب على "أفشة"    مواعيد مباريات اليوم في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    رويترز: الناتو يخطط لتعزيز دفاعاته على الجناح الشرقي لأوروبا    عاجل - من البر إلى الجو.. كيف ضربت إسرائيل الجهود القطرية والمصرية والأميركية في هجوم الدوحة؟    أدلة على استحالة الحد الأعلى لأكثر من يوم واحد.. د.محمد حافظ: توليد 5150 ميجاووات من السد الأثيوبي جزء من "شو" الافتتاح    منتخب مصر تحت 20 سنة يستعد للسفر إلى تشيلي لخوض كأس العالم    3 تصريحات ورطت فيريرا مع الزمالك في بداية الرحلة الشاقة    عقوبة نصرة المظلوم بشبه دولة السيسي .. اعتقال متحدث منطقة "طوسون"- الإسكندرية مشهد متكرر!    أحمد سعد: أنا جريء وواضح مع كل الناس إلا ابنتي.. بتكسف منها جدًا    «البحوث الإسلامية» يحذر من خطورة تراجع القيم والتشكيك فى ثوابت الدين    "الجنايات" تنظر محاكمة 39 متهمًا في قضية الهيكل الإداري للإخوان    ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة الرابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    5 أبراج «ريد فلاجز»: متناقضون يرفضون إلقاء اللوم عليهم ويحملون مشاعر انتقامية    مدارس لتكنولوجيا الرى بالتعاون مع «التعليم»    حسام موافي يحذر من مخاطر ارتفاع الضغط ومضاعفاته على القلب    ما طريقة وضع الميت أثناء صلاة الجنازة؟.. الإفتاء توضح    "منهج النبى (ص) فى تقويم السلوك".. قوافل دعوية للواعظات بالإسكندرية    دعاء فجر يوم الجمعة.. لحظة تفتح أبواب الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتابة التاريخية… المجاز والحبكة والآيديولوجيا
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 07 - 2021

يُمثِّل كتاب «ما بعد التاريخ… الخيال التاريخي في أوروبا ما بعد القرن التاسع عشر»، الذي نشرته جامعة جونز هوبكنز الأميركية، للكاتب والمؤرخ الأميركي هايدن وايت، قبل ثمانية وأربعين عاماً، محاولة لوضع تصور شامل عن طبيعة الكتابة التاريخية وفقاً للمدخل اللغوي البنيوي، والذي اتسع ليشمل دراسة كافة نظم السيميولوجيا، أو علم العلامات، والأنثروبولوجيا وعلم النفس والثقافات، واهتم بتناول الأدب، بما فيه الكتابة السردية.
ويسعى الكتاب، الذي قدم نسخته العربية الباحث الدكتور شريف يونس، وينتظر صدوره قريباً، عن المركز القومي للترجمة بمصر، لوضع تصور شامل عن طبيعة الكتابة التاريخية وفقاً للمدخل اللغوي – البنيوي، والذي انطلق من دراسة فردينان دي سوسير للغة كبنية، بدلاً من دراستها في تطورها التاريخي.
حاول هايدن وايت (1928 – 2018) في الكتاب البحث عن البنى العميقة التي تُملِي صور أو أنماط كتابة التاريخ، وتَحصُرها في مجموعة من العلاقات بين مُحدِّدات أساسية، وتتمثل، وفقاً له، في أنواع الحبكة الأدبية، والحُجَّة، والمضمون الآيديولوجي؛ وكما سعى لأن يربط بينها جميعاً، على مستوى أعمق، من خلال أنماط المجاز الأدبي التي قام بتقسيمها إلى أربعة أنماط أو أنواع.
نظرية المجاز
يطرح وايت البنية غير الواعية للكتابة التاريخية على مستويات أربع، ثلاث منها، هي مستويات الحَبكة والحُجَّة والمضمون الآيديولوجي، وتُمثِّل الجوانب الجمالية والمعرفية والأخلاقية، على الترتيب، بينما الرابع، وهو مستوى المجاز الشِعري، أعمق من المستويات الأخرى ويفسِّرها، وهو ما يبرر تسمية مقدمته النظرية «شِعرية التاريخ».
ويُفترَض وفقاً لنظريته أن التهكم والسخرية والسياقية والليبرالية تُمثِّل أربعة أنماط نقية مختلفة للكتابة التاريخية. ويصف وايت هذه البنية غير الواعية بأنها بروتوكول أو نموذج قَبْل تصوري، وقَبْل نقدي، والمقصود بذلك أن المؤرخ أو فيلسوف التاريخ يقبل بهذا البروتوكول مُسبقاً، وضِمنياً، كأساس لعمله؛ لكن البروتوكول يختلف عن المسَلَّمات أو الافتراضات، وهو لغوي بصفة عامة، وسردي أدبي تحديداً، له أساس شِعري هو المجاز، وهو الأكثر عمقاً للوعي، ويصفه وايت بأنه تخيُّل مُسبَق للحقل التاريخي.
ويطرح وايت، تَبَنِّي الحُجَّة الصورية، التي تقوم على تصنيف معطيات الحقل التاريخي والحرص على إبراز التنوع والحيوية، وهو إبراز يصل إلى درجة التشتت، ومن خلال ذلك يتم التركيز، بين العناصر المختلفة للدراما، على عُنصر التفرُّد وعلى الفاعلِين، لا على المشهد العام ولا على الأساس العميق لتفاعُل الأحداث. وتتوافق الكناية عند وايت مع التراجيديا، التي تُصوِّر حالة من الانقسام الجذري والصراع، الذي ينتهي عادة بسقوط البطل، وهو ما يُعطي الفرصة لتجلّي القانون الذي يخرُج منتصراً على جهود البطل الذي تحدَّاه. ويُبيِّن وايت في تحليله لأعمال المؤرخين أن مؤرخي النمطين الرومانسي والتراجيدي ينتهي الأمر بهم إلى السخرية، أو الوقوف على حافتها، والإقرار الصريح أو الضمني بغياب المعنى، بسبب شعورهم بأن الحاضر في تطوره «يَخُون» المثال الرومانسي، عند المؤرخين الرومانسيين، أو يخون توقع المؤرخين التراجيديين بشأن النتيجة الإيجابية للقانون الذي استخلصوه من دراستهم التاريخية.
كذلك يرى وايت أن نمط التراجيديا بمستوياته يحمل بذرة التهكم، لأن التاريخ يحدُث بفعل شبكة أسباب على مستوى أعمق من وعي الأفراد، وبالتالي لا يترك مجالاً واسعاً للعقل ولا للإرادة الحرة.
أسس الكتابة التاريخية
ويتناول هايدن وايت في الكتاب أسس الكتابة التاريخية، أي البنية الباطنة التي تَحكُمها، وأحدث نوعاً من الثورة في دراسة الكتابة التاريخية، أثارت مناقشات واسعة بين المؤرخين والمفكرين المهتمين بالتاريخ، وهو ما ترتب عليه ظهور كتابات نظرية عديدة عن أدبية الكتابة التاريخية، من هنا يمكن اعتبار مؤلف وايت تدشيناً لتيار فكري واسع، ترك أثره لاحقاً على الكتابة التاريخية نفسها. وذلك على الرغم مما أثارته أفكار الكِتاب من اعتراض شمل معظم المؤرخين، لأنه طرح ببساطة أن التاريخ ليس عِلماً، وأنه نوع من أنواع الكتابة الأدبية، وهو في بنيته العميقة فن من فنون الكتابة.
وتكمن أهمية كتاب وايت في أنه جَمَع بين المنهج البنيوي وهذه الفكرة القديمة المتجددة عن كتابة التاريخ بصفتها نوعاً من الأدب، وترتب على هذا الجمْع الانتقال من القول بأن الكتابة التاريخية، وهي نوع خاص أو ناقص من الأدب، إلى القول بأن له بنية أدبية خاصة تحكمه، بحيث يُمكِن تصنيف أي مؤلَّف تاريخي كرومانسي أو تراجيدي أو كوميدي أو ساخر، وهي أنماط الحبكة الدرامية الأربعة الرئيسية، ونِسبة كل نوع منها إلى أساس أعمق، تعود لأنماط المجاز الشِعري الأربعة، الاستعارة والكناية والمجاز المُرْسَل والتهكم، وعلى هذا النحو تكون البنى الدرامية والمجازات الشعرية حاكِمة للكتابة التاريخية؛ لكن ليس بمعنى أن المؤرخ يفكر واعياً في التاريخ وفقاً لنمط درامي أو شِعري معين، أو يكتُب لتطبيق هذا النمط على دراسته التاريخية، لكن بمعنى أن هذه الأنماط غير الواعية تَحْكُم مُسبقاً حقل الكتابة التاريخية الحديثة الموصوفة بالعلمية على نحو ما ظهرت في القرن التاسع عشر في أوروبا، وانتشرت إلى جميع أنحاء العالم، وبمعنى أن أي مؤرخ حديث، أو حتى فيلسوف للتاريخ، يَتَّبِع بالضرورة خَياراً أو أكثر من خيارات معينة تُحدِّدها هذه البنية مُسبقاً.
مراجعة تطبيقية
ولم يطرح وايت هذه الأفكار في كتابه بشكل نظري فحسب، بل حاول أن يُثبِتها بتطبيقها على أربعة من أشهر وأهم المؤرخين الأوروبيين في القرن التاسع عشر، وهم ميشليه ورانكه مؤسس منهج الكتابة التاريخية الأكاديمية الحديثة، وتوكفيل وبوركهارت. كما طبَّقها على أعمال أهم الفلاسفة الذين تناولوا التاريخ في ذلك القرن هيغل وماركس ونيتشه وكروتشه، ولم يُغفِل وايت في طرحه للبنية العميقة للكتابة التاريخية الحديثة البُعدَيْن العقلي والآيديولوجي، اللذين دار النقاش حولهما من قبله، بل صنَّف الميول الآيديولوجية للكتابة التاريخية، معتمداً على مُنَظِّر علم الاجتماع كارل مانهايم، إلى أربعة ميول، وربط كل ميل آيديولوجي بنمط من أنماط الحبكة وبنوع من أنواع الحُجَج وبصنف من أصناف المجاز الشعري. وقد راح يربط، على سبيل المثال، المجاز الكنائي بالحبكة التراجيدية، ودورهما بالآيديولوجيات الجذرية للتاريخ.
ولا يَعتبِر وايت طرحه هذا قيداً على كتابة التاريخ، ولا يُطالب بالخضوع له، بل يقدِّم طرحه كرصد لواقع الكتابة التاريخية الحديثة، ويراه مساهمة في تحريرها. وهذا يرجع إلى أنه يَعتَبِر الكتابة التاريخية الأكاديمية المألوفة تستبعد في معظمها، صنفَي الاستعارة والكناية، وتصِفهما بعدم العِلمية والتحيُّز، وتقتصر على صنفَي التهكم والمجاز المُرسَل. فإما أن تكون الكتابة التاريخية تهكمية على مستوى المجاز، وساخرة على مستوى الحبكة، وسياقية على مستوى الحُجَّة، وليبرالية على المستوى الآيديولوجي، وإما أن تتبع المجاز المُرسَل على مستوى المجاز، والكوميديا على مستوى الحبكة، والعضوية على مستوى الحُجة، لتكون في النهاية محافِظة على المستوى الآيديولوجي.
ينتقد وايت الرؤية التهكمية للعالم، لأنها تقتل الأمل وتسحب البساط من تحت الرغبة في الفعل في الحاضر؛ لكنه يعترف بأن دراسته للكتابة التاريخية لها طابع تهكمي، بقدر ما أنه ينزع عنها ادعاءها بأنها تَعرِض الحقيقة، ليجعلها بدلاً من ذلك عَرْضاً سردياً يَحكُمه صنف من أصناف المجازات الشِعرية، يجعلها جميعاً متساوية في القيمة وفي علاقتها بالأصل الذي ترجِع إليه.
ويخلص وايت إلى أن الأنواع الأربعة الرئيسية في الكتابة التاريخية متكافئة في قدرتها التفسيرية، رغم أن كل نوع منها يَستبعِد الأنواع الأخرى، وبالتالي يرفض دعوى الفكر الأكاديمي التاريخي السائد باحتكاره للموضوعية أو الواقعية، ويراه يُفضِّل الأنواع الأكثر عُقماً من الواقعية والموضوعية؛ والتي تتصف، بالتبلُّد الأخلاقي والسياسي.
حمدي عابدين: الشرق الأوسط أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.