تعتبر الخصوصية من بين أكثر الموضوعات إثارة للجدل الشديد في واشنطن وغيرها من عواصم الدول الأخرى اليوم. ولعل الثورة الأخيرة في الاهتمام بالخصوصية ناتجة عن الانتشار السريع لتكنولوجيات المعلومات مع كل منحى من مناحي الحياة. وفي مقدمة كتابه " الخصوصية في عصر المعلومات " يقول المؤلف فريد ه.كيت: تعتبر الغالبية العظمى من المعلومات في الدول الصناعية اليوم معلومات إلكترونية، فالنص يتكون في معالجات الكلمات، ويخزن في ذاكرات أجهزة الحاسب الآلي، وينتقل عن طريق الشبكات المحلية، وخطوط الهاتف، والأقمار الصناعية، ويسجل على الطابعات، وأجهزة الفاكسميل، ومراقبة أجهزة الحاسب الآلي. ويطرح التكاثر المستمر لتكنولوجيات وخدمات المعلومات العديد من القضايا القانونية، التي تمثل موضعًا للنقد الواسع، ويمكن تقسيم هذه القضايا بصورة عامة إلى خمس فئات: تتضمن الفئة الأولى المسائل المتعلقة بملكية المعلومات الإلكترونية وتطبيق قوانين الملكية الفكرية، على الإنترنت. وتتعلق مجموعة ثانية من القضايا التي طرحتها تكنولوجيات المعلومات بالتطبيق على التغير الإلكتروني "للتعديل الأول" لدستور الولاياتالمتحدة وغيره من الضمانات القومية. وتتعلق القضايا القانونية التي تطرحها شبكات المعلومات بخاصية تعدد جنسيات تلك الشبكات، والمعلومات الرقمية عالمية بطبيعتها: فهي تتخطى كل الحدود. وقد كتب "برانسكوبس" يقول: "إن وجود تكنولوجيا المعلومات في حد ذاته يهدد الدول القومية". وذكر "جوزيف بيلتون"، أن تكنولوجيات وخدمات المعلومات ربما تقوم حاليًا بحق يجعل الدولة القومية من الأشياء العتيقة". وتشمل تكنولوجيات المعلومات الجديدة خصوصية الأفراد، وأن البيانات في الحاسب الآلي أو على الشبكة، وتوافر برامج التفسير للحاسب الآلي من أجل حماية البيانات في حالة اعتراض طريقها. ويشير المؤلف في الفصل الثالث من الكتاب إلى "الخصوصية" فيقول: بالرغم من الاهتمام الموجه إلى الخصوصية، خاصة في الآونة الأخيرة، فإن ما يثير الدهشة أنه لم يتحقق سوى القليل من الإنفاق حول ما تعينه الخصوصية، وفي دراسته المسحية الشاملة عن تاريخ الخصوصية في الولاياتالمتحدة، أورد "كين جورملي" فيما كتب حول هذا الموضوع أربعة مفاهيم خصوصية، بأنها: "تعتبر عن شخصية المرء أو وصفاته الشخصية، يركز على حق الفرد في تحديد جوهره لكائن حي "روسكو باوند دبول فرويند"، "الاستغلال الذاتي أو الحرية المعنوية للفرد في أن ينشغل بأفكاره أو أعماله، أو قراراته الخاصة "لويس هنكين"، "قدرة المواطنين على تنظيم المعلومات عن أنفسهم، ومن ثم التحكم في علاقاتهم مع غيرهم من البشر "آلان ويستن وتشاز الزفرايد"، ومنهج "المقومات الأساسية" الذي يحدد فيه العلماء أساسية معينة مثل: "السرية، العقلية، والعزلة" "روث جافيسون". ويذكر: يعتبر التحكم القانوني والتنظيمي في ممارسات المعلومات الحكومية أمرًا حاسمًا في أية مناقشة لتنظيم الخصوصية في الولاياتالمتحدة؛ لأنه مثلما ذكر المكتب الأمريكي للإدارة والميزانية، "تعتبر الحكومة الاتحادية أكبر منتج، ومستهلك، وناشر للمعلومات في الولاياتالمتحدة". يأتي قدر كبير من التشريع المتعلق بالخصوصية والمطبق على الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات في شكل إعفاءات من القوانين المطالبة بالكشف عن المعلومات بواسطة الحكومة، وعلى سبيل المثال، يسمح قانون حرية المعلومات الاتحادي "لأي شخص" بالحصول على حق الوصول إلى جميع سجلات الوكالة الاتحادية، مع مراعاة تسعة إعفاءات. ويضيف: سن الكونجرس كذلك قانونًا اتحاديًا للخصوصية، يلزم وكالات تخزين المعلومات الشخصية المناسبة والضرورية فقط، جمع المعلومات إلى المدى الممكن لوضع البيانات، المحافظة على السجلات بدقة وبشكل كامل، واتخاذ إجراءات وقائية، إدارية فنية، لحمايته أمن السجلات كما يحد قانون الخصوصية من كشف سجلات الأفراد. ويتناول المؤلف مفاهيم ومبادئ الخصوصية بالولاياتالمتحدة، قائلًا: تنقسم المبادئ إلى ثلاث فئات: مبادئ عامة لجميع المشاركين في البينة الأساسية القومية للمعلومات، ومبادئ لمستخدمي المعلومات الشخصية، ومبادئ للأفراد الذين يقدمون معلومات شخصية. خصوصية مفككة أما حماية خصوصية المعلومات في الولاياتالمتحدة فتعتبر مفككة، ومتضاربة، ومقيدة بالمصالح المتعارضة، ولا يوجد ضمان دستوري صريح لحق الخصوصية في الولاياتالمتحدة، ورغم أن المحكمة العليا قد صاغت مجموعة متنوعة من حقوق الخصوصية من "قانون الحقوق" ومن التعديل الرابع عشر، فإن "خصوصية المعلومات" لم تحصل إلا على قدر ضئيل من الحماية، التي تعتمد في المقام الأول على "التعديلين الرابع والرابع عشر". ففي ساحة "التعديل الرابع" وجدت المحكمة أن هناك انتهاكًا للدستور عندما قامت الشرطة بالبحث عن أو ضبط تسجيلات بدون أمر قضائي. وبموجب "التعديل الرابع عشر"، اعترفت المحكمة بحق دستوري يمنع الحكومة من إجبار الأفراد على كشف معلومات شخصية معينة. ويحمي هذا الحق فقط مصلحة الفرد في عدم كشف عن معلومات معينة، ويتم تقسيم ذلك الحق تحت تدقيق متوسط، على عكس التدقيق الشديد، المطلوب عندما تكون الحقوق الأساسية معرضة للخطر. ويذكر المؤلف: إن البنية الأساسية القومية للمعلومات "NII" تبشر بفوائد هائلة، فإنها توفر إمكانيات زيادة مشاركة المواطنين في الديمقراطية القائمة على التشاور، والتقدم في العلاج والأبحاث الطبية، والتحقيق السريع من المعلومات المهمة مثل صحيفة الحالة الجنائية عن يقوم بشراء بندقية، غير أن هذه الفوائد لا تحقق بدون تكلفة: فقد الخصوصية وتعني الخصوصة في هذا السياق "خصوصية المعلومات" أي مطلب الفرد بأن يتحكم في الشروط التي يتم بموجبها الحصول على المعلومات الشخصية والكشف عنها، واستخدامها، والتي يمكن لها التعرف على الفرد. ويضيف: ويؤدي اتجاهان متقاربان – أحدهما اجتماعي، والآخر تكنولوجي – إلى وجود خطر متزايد على الخصوصية في البنية الأساسية القومية المتطورة للمعلومات، ففي الاتجاه الاجتماعي، يستخدم الأفراد هذه البنية الأساسية للاتصال، وطلب السلع والخدمات، والحصول على المعلومات ويدل الاتجاه التكنولوجي على أن قدرات أجهزة الحاسب الآلي، والبرامج الجاهزة، وشبكات الاتصال تزداد بشكل متواصل، بينما تنخفض التكلفة باستمرار، مما يسمح باستخدام المعلومات بطرق كانت مستحيلة أو غير عملية اقتصادية من قبل. وعلى سبيل المثال فإنه قبل البنية الأساسية القومية للمعلومات، لكي يمكن تكوين لمحة عن حياة شخص عاش في ولاية مختلفة، كان يتعين على المرء أن يسافر من ولاية لأخرى، ويبحث في السجلات العامة عن معلومات عن هذا الفرد. وكانت هذه العملية تتطلب استيعاب نماذج، ودفع رسوم والانتظار في طابور لبحث السجلات في الوكالات المحلية. وعلى الرغم من أنه من الممكن تكوين لمحة عن حياة شخص بهذه الطريقة اليدوية، فإنها تعتبر عملًا مضيعًا للوقت ومكلفًا حاليًا، حيث تظهر معلومات شخصية أكثر وأكثر على الحاسب، تكوين هذه اللمحة عن حياة شخص خلال دقائق معدودة وبأقل التكاليف. الجدير بالاشارة أن كتاب "الخصوصية في عصر المعلومات" للمؤلف فريد ه.كيت قام بترجمته للعربية محمد محمد شهاب . وصدر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بالقاهرة وصدر في طبعة خاصة لمكتبة الأسرة . ويقع في 266 صفحة من القطع الكبير .