هندسة بنها تحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية في مسابقة "صنع في مصر"    تراجع سعر الذهب في المعاملات الفورية مع ارتفاع الدولار    تنفيذ 105 آلاف وحدة سكنية بمدينة أكتوبر الجديدة    كشف المسكوت عنه بضياع تريليونات الجنيهات على مصر، خبير يضع حلًا لتعافي الاقتصاد المصري    مصر تبحث فرص التعاون فى التنمية المستدامة مع جامعة الأمم المتحدة    وزيرة الاستيطان بإسرائيل تؤيد استمرار عملية السيطرة على غزة: حتى لو أدى ذلك إلى مقتل المحتجزين    السيسى يصدر قرارًا بتعديل بعض أحكام قانون الرياضة    الرياضية: اتحاد جدة يستهدف لاعب زينيت    ضبط 107.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    جهود «أمن المنافذ» في مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    في القصاص حياة.. تنفيذ حكم الإعدام في سفاح الإسماعيلية.. الجاني ذبح مواطنًا وفصل رأسه وسار بها أمام المارة في الشارع.. والمخدرات السبب الرئيسي في الجريمة البشعة    وزير السياحة والآثار يفتتح معرض أسرار المدينة الغارقة بالإسكندرية    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    الصحة: تخصيص برامج تدريبية لرفع كفاءة العاملين لتأهيل واختيار القيادات    رئيس "المعاهد الأزهريّة" يتفقد امتحانات الدور الثاني للثانوية بأسوان    "لن أخضع للتنمر".. كوك عضو الفيدرالي الأمريكي تتحدى ترامب وترفض تقديم استقالتها    المصرية للاتصالات : الانتهاء من ربط مصر والأردن من خلال الكابل البحري للاتصالات عالي السعة "كورال بريدج"    إجازة المولد النبوى .. 3 أيام متتالية للموظفين    امتحانات الثانوية العامة مستمرة وطلاب يؤدون امتحان الكيمياء والجغرفيا الدور الثاني    القبض على البرلماني السابق رجب هلال حميدة سببه قضايا شيكات بدون رصيد    أمانة الجبهة الوطنية بسوهاج تعلن اختيار وتعيين كفاءات وقيادات بارزة لمهام الأمناء المساعدين    رئيس الوزراء يلتقي محافظ بنك اليابان للتعاون الدولي لبحث تعزيز الاستثمارات    هل يجوز سؤال الوالدين عن رضاهم عنا؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الوزراء يبحث مع وزير النقل الياباني تعزيز التعاون وجذب صناعات السيارات    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ أسوان الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    وصول قيادات الجامعات لافتتاح معرض التعليم العالي بمكتبة الإسكندرية |صور    قبل مواجهة الأهلي.. اشتباه بإصابة محمود نبيل لاعب غزل المحلة بتمزق عضلي    ضربها بملة السرير.. زوج يقتل زوجته إثر مشادة كلامية بسوهاج    رضا عبد العال: أحمد عبد القادر أفضل من تريزيجيه وزيزو والشحات.. وانتقاله إلى الزمالك وارد    غدا.. ويجز يشعل مسرح «يو ارينا» بمهرجان العلمين    "صحة لبنان": مقتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة دير سريان بقضاء مرجعيون    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    أوكرانيا: نعمل على وضع مفهوم أمني لما بعد الحرب مع روسيا    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يتفقد مستشفى رأس التين العام ووحدة طب أسرة الجمرك    محافظ الدقهلية يشدد على انتظام العمل وحسن استقبال المرضى بعيادة التأمين الصحي بجديلة    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    رجل الدولة ورجل السياسة    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    نجم الأهلي السابق: مودرن سبورت سيفوز على الزمالك    حلوى المولد.. طريقة عمل الفسدقية أحلى من الجاهزة    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    جيش الاحتلال يستهدف بلدة فى جنوب لبنان بصاروخ أرض أرض.. وسقوط 7 مصابين    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمى ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد السكندرى    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    وزارة الأوقاف تطلق صفحة "أطفالنا" لبناء وعي راسخ للنشء    أخبار× 24 ساعة.. مياه الجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمنطقة كفر طهرمس    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجدل حول آيا صوفيا مرآة تركيا الحديثة
نشر في نقطة ضوء يوم 10 - 07 - 2020

"سجد ونثر حفنة من التراب فوق عمامته تذللاً وتسليماً إلى الله. ثم دخل الكنيسة المحطمة... وفيما عبَر المكان الواسع ورفع ناظريه ليتأمّل القبّة، لمح جندياً يهشّم الأرضية الرخامية. سأل الرجل لماذا يحطّم الأرض، فأجابه "من أجل الدين". وأثار هذا التحدي الصريح للأوامر التي أصدرها بالحفاظ على المباني حنق محمد فضرب الرجل بالسيف. ثمّ جرّ مساعدوه الرجل خارجاً وهو بين الحياة والموت".
هكذا يصف روجر كراولي في كتابه "القسطنطينية: آخر حصار عظيم 1453" أول لقاء بين محمد الفاتح وآيا صوفيا.
ومرّ أكثر من 500 عام على دخول السلطان المنتصر القسطنطينية، التي بات اسمها اليوم إسطنبول، ومع ذلك، تُستخدم فكرة "الدين" نفسها ذريعة لإطاحة مكانة المبنى البيزنطي الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي كمتحف.
وانعقدت صباح الخميس الماضي أعلى محكمة إدارية في تركيا للاستماع إلى دعوى قضائية تطالب بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وقالت إنها ستصدر حكمها في غضون 15 يوماً. ورفعت هذه الدعوى جمعية محافظة من اليمين المتطرف حظيت داخل المحكمة بدعم مكتب الرئيس رجب طيب أردوغان.
استُغل الجدال حول الموقع المصنّف تراثاً عالمياً على مرّ السنين وقوداً في الحملات الانتخابية للمتدينين المغالين في القومية من مؤيدي حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يحكم تركيا منذ 18 عاماً لكنه بات الآن بحاجة لتعزيز شعبيته المتهاوية. وتلقى وعود إعادة تصنيف المتحف موقع عبادة إسلامي ترحيباً في صفوف الناخبين المحافظين، كما تساهم في صرف النظر عن قضايا مثل الاقتصاد الذي تلقّى ضربة قاسية جراء تفشي وباء فيروس كورونا.
ويتمتع المعلم الذي شكّل مركز الديانة المسيحية على مدار 900 عام وكان مسجداً ل 500 عام، بأهمية رمزية كبيرة تتخطى جدرانه المطلية بلون الفخار.
وجسّت الحكومة النبض بشأن تغيير وضع الموقع في مايو (أيار)، حين نظّمت "رئاسة الشؤون الدينية التركية" تلاوةً لآيات قرآنية داخل آيا صوفيا بمناسبة ذكرى فتح إسطنبول. وقال روسن جاكير، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، عبر قناة "ميديا سكوب" التلفزيونية Medyascope TV "بالنسبة لي، يبين هذا الأمر أن الحكومة أو أردوغان، لم يعودا قادرين على إنتاج سياسة جديدة أو مشاريع تحفّز الرأي العام وتحشده، لذلك فهما يستخدما آيا صوفيا باعتبارها الورقة الأخيرة بين يديهما".
وسواء حكمت المحكمة بعد 15 يوماً لصالح تحويل المعلم إلى مسجد أم لا، لن يدوم المفعول المخدّر أو المُسكن الناجم عن هذا الجدال سوى مدة قصيرة قبل أن يجد الشعب نفسه أمام الحقيقة القاتمة بأنه زاد فقراً بسبب التراجع الاقتصادي خلال السنتين الماضيتين.
وتدعم استطلاعات الرأي الأخيرة رأي جاكير. فقد قال أكثر من 40 في المئة من أصل 1537 مشاركاً في "تقرير تركيا" الذي وضعته شركة "إسطنبول للأبحاث الاقتصادية"، إن الاقتصاد هو همّهم الأكبر، وتبعهم 19 في المئة من المشاركين الذين أعربوا عن قلقهم من البطالة.
وكان الاقتصاد التركي يعاني سلفاً من الضعف قبل حلول الجائحة. وبعد تفشي فيروس كورونا، وصلت الليرة التركية إلى مستوى متدنٍ جديد مع بلوغ سعر الصرف 7 ليرات مقابل الدولار، فيما أشارت التوقعات إلى احتمال أن تطال البطالة أكثر من 16 مليون شخص من السكان البالغ عددهم 81 مليون نسمة، وذلك وفق ما حذر تقرير جديد صادر عن "ديسك" DISK، أحد أكبر الاتحادات العمّالية في تركيا. وفي استطلاع آخر للرأي، أجرته شركة "ميترو بول" MetroPOLL ومقرها أنقرة، أيّد 44 في المئة من 1300 مشارك فكرة أن الجدل الدائر حول آيا صوفيا هدفه الأساسي تحويل نظر الرأي العام عن الأزمة الاقتصادية فيما اعتبر 29.5 في المئة فقط أن دوافع هذه الخطوة دينية.
وفي خطوة سياسية ذكية، لم ينخرط "حزب الشعب الجمهوري"، وهو الحزب المعارض الرئيس الذي يمثّل الخط العلماني التركي، في الجدال حول هذه المسألة. وقد فاجأت هذه الخطوة جهات عدة بما فيها الحكومة بحسب ما أفاد المحللون. ففي نهاية المطاف، كان مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس الدولة التركية الحديثة وحزب الشعب الجمهوري، هو من وقّع القرار الحكومي في عام 1934 بتحويل آيا صوفيا إلى متحف.
ولم تنل قضية الزعيم مزيداً من الزخم، وذلك بسبب رفض الانخراط في مناقشة أردوغان حول ما إذا كانت الجماهير المتديّنة التقيّة قد ظُلمت على يد النخبة العلمانية. لم يحصل ذلك هذه المرة. وقال سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، موضحاً "لم يعد كلام أردوغان عن ظلم المتدينين يلقى رواجاً الآن فحتى قاعدته الرئيسة تعلم أنه بعد 18 عاماً في السلطة، هم من يحكمون تركيا الآن... وأصبح غير المحافظين والليبراليين ومن يريدون فصل الدين عن السياسة هم المظلومين".
وفيما بدا أن آيا صوفيا فقدت جاذبيتها السياسية في تركيا، تتالت ردود الفعل الدولية التي شددت على الأهمية الثقافية للمكان. واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الموقع "شاهداً على التعبير عن المعتقدات الدينية وعلى العبقرية الفنية والتقنية، التي يعكسها تاريخه الثري والمعقد على مدار 1500 سنة"، داعياً إلى الإبقاء على الموقع الذي أعلنته اليونسكو تراثاً عالمياً على حاله باعتباره متحفاً مفتوحاً أمام الجميع.
وفي اليوم نفسه، خطّ أكثر من 200 باحث دولي في التاريخ البيزنطي والعثماني رسالة مفتوحة أعربوا فيها عن قلقهم من احتمال "المساس بالشواهد التاريخية والأثريّة وإخفاء الأعمال الفنية" إن تحوّل المتحف إلى مسجد. وتساءلت زينب أهون باي، وهي من علماء الآثار الأتراك الرائدين، في إشارة إلى طرح أنصار الحكومة حلولاً لإخفاء الشخصيات التي تجسّدها الرسوم الجدارية لأنها ممنوعة في المزارات الإسلامية "كيف تستطيع مدّ ستارة بين أطراف القبة من أجل تغطية وجوه الملائكة؟... إن المقاربة المتبصّرة خلال ثلاثينيات القرن الماضي أتاحت للجميع الوصول إلى هذا المعلم والتأمل فيه. ومحاولة إعادته إلى مسجد في عام 2020 تعيدنا إلى الوراء".
حتّى أردوغان نفسه شكّك في الحاجة إلى مسجد آخر في حيّ إسطنبول التاريخي، الذي تملأه دور العبادة من الأحجام كافة. "يحمل هذا الموضوع بعداً سياسياً" كما قال الرئيس قبل عام وحسب حين انتقد المطالبات بإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وأضاف "لن تستطيعوا ملء المسجد الأزرق المجاور لها بالناس ومع ذلك تقترحون ملء آيا صوفيا. دعونا لا ننخدع بهذه الحيل".
لكن إن وضعنا القضايا التقنية والسياسية جانباً، فالجدال حول العودة بتاريخ أهم المعالم التركية إلى الوراء هو تذكير مرير بما فقدته البلاد بالفعل: صورتها باعتبارها مجتمعاً مسلماً منفتحاً وعابراً للثقافات، وهي صورة بهتت خلال السنوات الماضية مع تضييق الحكومة الخناق على الحقوق الديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.