تراجع أسعار النفط عن أعلى مستوياتها في أسبوعين بعد اتفاق أمريكا والصين    أسامة ربيع: نفكر في تخفيض رسوم العبور بقناة السويس من 12 إلى 15%    أول بيان من الدبيبة بشأن الاشتباكات المسلحة في طرابلس    وانفرطت حبات العقد، محمد صلاح مهدد بضياع رقمين قياسيين قبل نهاية الدوري الإنجليزي    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    أديب عن انقطاع الكهرباء مع ارتفاع الحرارة: "تخفيف أحمال" أم "حوادث متفرقة"؟    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    بعد استلام ألكسندر.. هل تواصل إسرائيل خططها لتصعيد هجومها في غزة؟    ترامب: نصدق كلام الحوثيين بشأن التوقف عن استهدافنا    تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    محمود بسيوني حكما لمباراة سيراميكا كليوباترا والأهلي.. مثل الدور الأول    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    حبس لص الدراجات النارية بالبساتين    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    ما هي أهداف زيارة ترامب إلى الرياض ودول الخليج؟    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    دي ناس مريضة، مصطفى كامل يرد على اتهامه باقتباس لحن أغنية "هيجي لي موجوع"    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    إطلاق مبادرة «دمتم سند» لتوصيل الدواء والكشف المنزلي بالإسماعيلية    بعد مقتله.. من هو غنيوة الككلي؟    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    سعر السمك البلطي والجمبري بالأسواق اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    ميمي عبدالرازق: الأهلي يحتاج لمدرب أجنبي قوي.. وهناك مجاملات للأحمر!    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    الخارجية الأمريكية: جهود كبيرة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة    حريق هائل يلتهم 4 طوابق بعقار في المريوطية    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    محامية بوسى شلبى تعلن مقاضاة كل من يخوض بعرضها أو ينكر علاقتها الزوجية    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    آس: بعد أول مباراتين ل البرازيل.. نجل أنشيلوتي سيتولى تدريب رينجرز    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    بسبب الاشتباكات العنيفة.. ما حقيقة تعليق الدراسة والامتحانات ب طرابلس؟    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    افتتاح أول مركز للقيادات الطلابية بجامعه المنوفية    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة الشروع في قتل شاب ببولاق الدكرور    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأرض اليباب" لإليوت انعكاس لسوداوية الحرب الأولى
نشر في نقطة ضوء يوم 09 - 05 - 2020

تعدد الازدواجيات في حياة الشاعر تي إس إليوت، الذي ربما يكون أشهر شعراء الإنجليزية في القرن العشرين. فهو إنجليزي لكنه أميركي، وهو مسرحي لكنه شاعر، وهو مؤمن إلى حدّ جعل بعض كتاباته في خدمة إيمانه، لكنه حرّ التفكير ومغرق في الحداثة وكلاسيكي في آن. وهو بخاصة ينتمي إلى العالم الأميركي الجديد، لكنه أوروبيّ إلى أقصى الحدود. وهو كان مقبلاً على الحياة والإبداع، لكنه كان يبالغ في سوداويته وتشاؤمه.
وحسبنا أن نتفرّس في نتاجه الإبداعي شعراً ومسرحاً وحتى نقداً، إذ إنه كان أيضاً ناقداً كبيراً، لنكتشف كل تلك الأبعاد، لا سيما إذ نتوقف عند قصيدته الواسعة الانتشار "الأرض اليباب"، التي لعلها تكون أشهر قصيدة كتبت بالإنجليزية في القرن العشرين، حتى وإن كانت تبدو منسية بعض الشيء في زمننا هذا، لولا أن أتتها السوداوية ودلالات الخراب الإنساني الناجمة عن كارثة كورونا، لتعيدها إلى الواجهة وببساطة، لما تحمله من سوداوية وخراب في سطحها على الأقل، من دون أن ينطبق هذا على جوهرها.
ولادة خلال جولة مقابرية
وقصيدة "الأرض اليباب" صدرت للمرة الأولى في عام 1922 بلندن كما في نيويورك بمجلة "كريتيريون"، التي كان يصدرها إليوت نفسه، قبل أن تتحوّل إلى كتاب في 64 صفحة احتوى أبياتها ال433، ويرى البعض خطأً أنها 434، صدر آخر العام نفسه مُحدثاً قلبة أساسية في الأشكال الشعرية، لا سيما من خلال تغيّر الراوي المباغت بين الحين والآخر، والتأرجح بين الأزمنة والأماكن والخاص والعام، لكن دائماً مع رنة يأس من نوع تلك التي سادت بعيد الحرب العالمية الأولى. ونعرف أنّ القصيدة تمكّنت بسرعة من غزو جمهور الشعر لتصبح عبارات فيها، مثل فاتحتها "أبريل أقسى الشهور..."، وجملة "سأريك الخوف في قبضة من غبار"، أو بيتها الأخير المكتوب بالسانسكريتية "شانتيه، شانتيه، شانتيه" (السلام، السلام، السلام)، من أشهر العبارات الشعرية المرجعية طوال القرن العشرين.
ويروي صديقٌ لإليوت أنّ القصيدة وُلدت لدى الأخير، بينما كانا يتمشيان سوياً في مقبرة، ويقرآن العبارات المكتوبة على شاهدات القبور. هنا التفت إليوت فجأة إلى صديقه قائلاً إن في الإمكان كتابة ملحمة انطلاقاً من تلك العبارات. وبالفعل بعد فترة كان إليوت يعرض على زوجته، ثم على صديقه الشاعر إزرا باوند قصيدة يزيد طولها ضعفين عمّا انتهى إليه حال تلك التي ستحمل عنوان "الأرض اليباب".
ومن الواضح أن ثمة، عدا شواهد قبور المقبرة، مصادر أخرى للقصيدة مذكورة بوضوح في سياق الأقسام الخمسة التي تتألف منها: أسطورة البحث عن غرال، وحكاية الملك الصياد، ناهيك بمجتزآت من نص "الأوبانيشاد" الهندي، ومشاهد متقطعة متفرقة من الحياة اليومية في المجتمع الأنغلو ساكسوني.
غير أن هذا لا يعني أن الشاعر كان يريد إعادة إحياء تلك الأساطير، ولا توجيه أي انتقاد إلى المجتمع الحديث. كان بالأحرى يعبِّر عن خرابه وضياعه الروحي الداخلي، هو الذي كان يبحث عن إيمان يجابه به الضياع، وهو الترجمة الأكثر دلالة للعنوان، المستشري وعذاب الروح أمام أسئلة مقلقة ليس من سبيل إلى العثور على أجوبة عنها. أمّا الأقسام الخمسة التي تتوزع عليها أبيات القصيدة فهي على التوالي: "دفن الموتى"، و"لعبة شطرنج"، و"قَسَم النار"، و"الموت بالماء"، وأخيراً "ما قالته العاصفة". ونعرف أن من يتصفّح ديوان الشعر العربي، وغير العربي، الحديث لن يفوته أن يلتقي ليس فقط مع إيحاءات واستعارات من قصيدة إليوت هذه، بل حتى محاكاة لعناوين أقسامها!
شاعر الحداثة العربية
والحقيقة، أن إليوت ربما كان هو الشاعر الأشهر والأكثر شعبية من بين أقرانه الأنغلو ساكسونيين، لدى هواة قراءة الشعر من العرب منذ الخمسينيات وحتى اليوم، لا سيما منذ عكف أساطين الحداثة الشعرية العربية على ترجمة أعماله والاهتمام به، وتقديمه على أنه النموذج الذي ينبغي أن يحتذى في وقت كانت شهرته قد طبقت الآفاق.
كان إليوت ناقداً وكاتباً مسرحياً، وشاعراً. وقد عرفه القراء العرب خصوصاً شاعراً، عبر ترجمة كثير من أعماله، لا سيما أطول قصائده "الأرض اليباب"، التي نُقلت إلى العربية مرات عدة، وفُهمت من قبل ناقليها بأشكال متعددة. إلى درجة يمكن القول إنها تقف في خلفية جزء كبير من شعر الحداثة العربي، إلهاماً ونقلاً أو اقتباساً بشكل أو بآخر.
بل، لربما عرف إليوت عربيّاً، فقط، بكونه شاعر "الأرض اليباب"، مع أن هذه القصيدة لا تمثل سوى جزء يسير جداً من نتاجه الغزير، الذي بدأ يشتهر بين القراء الأنغلو ساكسونيين بفضل عمله الكبير الأول "أغنية حب إلى ألفرد بروفروك"، وهي قصيدة طويلة نشرها حين كان لا يزال طالباً في جامعة هارفارد.
عند تخرجه في هارفارد كان إليوت مهتماً، بشكل خاص، بالفلسفة المثالية، لكن أفكاره كانت قد بدأت تذهب صوب أوروبا، وهذا ما جعله يتجه في 1915 للإقامة في لندن بصورة نهائية، إذ التقى الشاعر عزرا باوند، الذي شجّعه كثيراً، وساعده خصوصاً على نشر مجموعته التي تضم "أغنية بروفروك" وعديد من القصائد الأخرى.
ومع نشر هذه المجموعة بدأ اسم إليوت ينتشر في الحلقات الأدبية بأوروبا، وهو انتشار زاد منه إصداره مجلة "كريتوريون" التي راح ينشر فيها مقالاته النقدية وقصائده وكتاباته الأخرى، خصوصاً قصيدة "الأرض اليباب" التي نالت صدى كبيراً منذ نُشرت للمرة الأولى ليتتبعها بعد ثمانية أعوام ب"أربعاء الرماد" (1930)، وشهدت الفترة الزمنية الفاصلة بين نشر هذين النصين تحوّل إليوت بشكل نهائي من الخيبة واليأس اللذين طبعا علاقته بالعصور الحديثة، ووجدا تعبيرهما في "الأرض اليباب"، إلى الإيمان الديني العميق، كملجأ أخير لإنسان عصرنا هذا، كما وجد تعبيره في "أربعاء الرماد".
وكان إليوت عثر على إيمانه الديني أواخر سنوات الثلاثين ما جعله، في الوقت الذي حصل فيه على الجنسية البريطانية، يعتنق المذهب الأنغليكاني، الذي يعد جزءاً من المذهب البروتستانتي هو الأكثر اقتراباً من الكاثوليكية. مع تحوّله إلى التعمّق في الإيمان الديني، بدأ إليوت يستبدل التعبير الشعري لديه بالمسرحي، بعد أن لمس، كما قال هو نفسه ذات مرة، إن المسرح يتيح له أن يشتغل على رؤى وأحداث متعددة، بينما يجد أن الشعر يحصره في حدث منفرد وحيد. بيد أن هذا القول يجب أن لا يُخفي علينا أن أشعار إليوت السابقة انطبعت جميعها بنزعة مسرحية واضحة (مواقف درامية، وصور معبرة، وتعددية الأصوات، نلاحظها في "الأرض اليباب"، كما في "أربعاء الرماد").
مسرح للتعبير الديني
المهم، أن إليوت، حين بدأ يكتب مسرحياته في 1935 حيث كان أول نص له هو "مقتلة في الكاتدرائية"، جعل من مسرحه تعبيراً خالصاً ونقياً عن نزعته الدينية، بل إن معظم مسرحياته إنما سعت للعثور على نوع من التوفيق بين الدين والعقل، سواء كان ذلك من خلال التعبير عن مأساة توماس بيكيت وقلقه في "مقتلة في الكاتدرائية"، أو من خلال التعبير عن مفهوم الاستشهاد والفرح بالتضحية والفداء.
هذا التوجه الديني الصرف سنجده قائماً في كل أعمال إليوت التالية، في نهايات "الموظف الموقوف" (1953)، حيث يكون العمل عازف أورغن في الكنيسة مصيراً مقبولاً للموسيقي كولبي سمبكنز، أو في نهايات "رجل الدولة العجوز" (1958) التي كانت آخر مسرحية كتبها إليوت، وفيها ينطلق من ثلاثية أوديب، ليعبّر عن صفاء روح المرء قبل نهايته عبر وصوله إلى الإيمان الديني.
يقيناً، إن الحداثة العربية التي استلهمت إليوت كثيراً، لم تلتفت بما يكفي من الجدية إلى هذا البعد الأساسي في عمله، وظلت واقفة في استلهامها لكتاباته (خصوصاً أشعاره) عند حدود الأشكال التي تلمّستها لديه. وهو ما أسهم في خلق سوء تفاهم كبير ساد الحداثة الشعرية العربية سنوات طويلة، قبل أن يكتشف "المحدثون" توجّهات إليوت الصحيحة، فيغضون الطرف عنه، ويبدؤون بتناسيه تدريجاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.