"الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة، وكل ما تبقى ما هو إلا مجموعة من التفاصيل، فمهما حدث لك وأيًّا كانت حياتك، كل الطرق تؤدي إلى القبر، عندما تتيقن من ذلك، فلا بد أن تجد لبقائك سببًا ولحياتك هدفًا. الحياة؟". بهذه العبارة التي تنسحب دلالاتها على الكثير من تفاصيل وأحداث رواية "أخي الكبير" يفتتح الفرنسي ماهر جوفن من أصل يجمع بين التركية من ناحية الأب والكردية من ناحية الأم روايته التي نالت جائزة الجونكور الفرنسية للعمل الأول في عام 2018. "أخي الكبير" الصادرة أخيرًا عن دار العربي ترجمة صابر رمضان، هي قصة أخين تدور أحداثها على لسان كلٍّ منهما؛ أحدهما أكبر من الآخر، والدهما شيوعي من أصل سوري هاجر إلى فرنسا وعمل سائق تاكسي حتى تزوج وأنجبهما. يعمل الأخ الكبير سائقًا في "أوبر" والصغير يعمل ممرضًا في أحد المستشفيات. على الرغم من وجودهما في فرنسا، فإنهم لا يحتملان شعور أنهما لن يكونا مقبولين أبدًا في المجتمع الفرنسي، ومن ثم يتعايش القارئ مع هذه التجربة الأليمة؛ كيف يمكنك الانغماس في مجتمع لا يتقبلك بسهولة باعتبارك مهاجرًا، حتى لو حصلت على الجنسية؟ فيشرح لك الأخ الكبير مدى انقسام الأحياء والدوائر في فرنسا حسب الأصول والأعراق ليوضح العنصرية الكامنة في المجتمع. يحاول الأخ الصغير أن يهرب إلى سوريا ليعمل في إحدى المنظمات الإسلامية هناك التي تساعد مصابي الحرب، وهنا يفتح الكاتب تساؤلات كثيرة: هل بالعودة إلى سوريا يسترد هويته المفقودة؟ هل كل مَن يهرب إلى الجهاد يستحق أن تلتصق به تهمة الإرهاب حقًا؟ وعلى الجانب الآخر، هل مَن فضلوا السير بجانب الحائط والعمل في المشاريع الخاصة مثل سائقي "أوبر" ينالون حياة كريمة تليق بهم حقًا؟ الرواية تطرح سؤال البحث عن الهوية في شكل من الغموض والإثارة، ذلك السؤال الذي يطارد كل أبطال الرواية؛ فكل منهم يجد طريقة مخالفة للآخر، منهم مَن ينغمس في الشرب والمخدرات، ومنهم مَن يرضى بشروط المجتمع وقوانينه، ومنهم مَن يختفي فجأة ويهرب من المجتمع ويقرر أن يثور عليه حتى ولو من الخارج. الكاتب يكشف عالمًا من العمال البائسين، والسائقين الشاعرين بالوحدة وبحقوقهم الضائعة، والمهاجرين الذين يكافحون من أجل البقاء وخلال أحداث الرواية تنفتح أسئلة الكاتب على الجهاد وعلاقته بالإرهاب، والشعور البائس بالوحدة، وضياع الحقوق في مجتمع الضواحي الهامشي الذي لا يكفي الحصول فيه على الجنسية أو الإقامة لكي يشعر المرء بالمساواة والاندماج والهوية الحقة، إنها قصة عائلة فرنسية سورية تحاول الاندماج في مجتمع لا يوفر لهم الكثير من الفرص والحقوق. يجمع ماهر جوفن في الرواية بين الفكاهة المتخيلة والطابع الحزين الذي تفرضه قضية الإرهاب، يكشف عالمًا من العمال البائسين، والسائقين الشاعرين بالوحدة وبحقوقهم الضائعة، والمهاجرين الذين يكافحون من أجل البقاء، وفي الوقت نفسه يصف عالم أولئك الذين ذهبوا إلى الجهاد في سوريا؛ من قتال وحرب مستنزفة مع استحالة العودة إلى الوطن. إن رواية "أخي الكبير" تأخذنا نحو حياة مسلمي المهجر في فرنسا، نحو تجربة جديدة، ماذا لو كنت لا تنتمي إلى أي مكان؟ سواء في سوريا أم في فرنسا؟ يذكر أن ماهر جوفن وُلِد عام 1986 في فرنسا بلا جنسية، وهو من أم تركية وأب كردي كان لاجئًا في فرنسا، نال الجنسية الفرنسية في سن العاشرة، نشأ في "سان سيباستيان سور لوار"، في الضواحي الجنوبية الشرقية من "نانت"، بالقرب من جدته. بعد أن درس الاقتصاد، أكمل دراساته في الإدارة والقانون والاقتصاد في جامعة أنجيه، ثم في باريس في كلية السوربون. في يناير/كانون الثاني 2014، شارك في إطلاق جريدة Le 1. وأصبح المدير التنفيذي لها في سبتمبر/أيلول 2016. بعد أربع سنوات من إطلاقها، دخلت الجريدة في الوسط الإعلامي الفرنسي وأصبح بها أكثر من 20000 مشترك و 35000 من المشترين في الأسبوع، في ظل قطاع يمر بأزمة. في أكتوبر/تشرين الأول 2017، نشرت له هذه الرواية "أخي الكبير" وتعد روايته الأولى، ونالت جائزة الجونكور الفرنسية للعمل الأول في عام 2018. في أبريل/نيسان 2018، ترك الجريدة ليتفرغ لمشاريع شخصية.