لم يكن التقدم الذي أظهرته "ديلما روسوف" في استطلاعات الرأي علي مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، "خوسي سيرا"، وهي تتوجه يوم الأحد الماضي إلي صندوق الاقتراع للإدلاء بصوتها كافياً لتحقيق فوز حاسم في الانتخابات الرئاسية التي تشهدها البرازيل في هذه الأثناء، بحيث عجزت عن تأمين أغلبية الأصوات التي تؤهلها لحسم النتيجة وتجنب الجولة الثانية من الانتخابات. فبعد فرز أكثر من 98 في المائة من الأصوات، حصلت "روسوف" علي 47 في المائة من الأصوات فيما احتل منافسها "سيرا" المرتبة الثانية بنسبة 33 في المائة، وجاءت المفاجأة من وزيرة البيئة السابقة، "مارينا سيلفا"، التي حصدت 20 في المائة من الأصوات، وقد شارك في الانتخابات الأخيرة تسعة مرشحين يسعون جميعاً لتأمين ما يكفي من أصوات الناخبين الذين يبلغ عددهم الإجمالي في عموم البلاد الشاسعة 135 مليون ناخب. وإذا ما تأكدت نتيجة الانتخابات الأولية، فإن جولة أخري من الانتخابات ستعقد في 31 أكتوبر الجاري، وقد تمكنت "روسوف" البالغة من العمر 62 عاماً من تحقيق اختراق حقيقي علي الساحة السياسية بتصدرها استطلاعات الرأي طيلة الفترة السابقة رغم عدم تقلدها لأي منصب منتخب، وهي من المتوقع أن تخلف الرئيس "لولا" الذي عملت تحت قيادته كوزيرة للطاقة وككبيرة موظفي إدارته. ويبدو أن الأداء الجيد وغير المتوقع الذي أظهره مرشح حزب الخضر "سيلفا" كان وراء حرمان "روسوف" من الأصوات الضرورية لحسم نتيجة الانتخابات من الجولة الأولي، وقد كان لافتاً اعتراف "روسوف" مباشرة بعد الإعلان عن النتائج الأولية بضرورة المرور إلي الجولة الثانية بعدما رفضت التلويح بعلامة النصر رغم مطالبة المصورين بذلك، مفضلة التريث إلي ما بعد الجولة الثانية. وقبل توجهها إلي العاصمة برازيليا لمتابعة العملية الانتخابية مع الرئيس، أدلت "روسوف" بتصريح للصحافة قالت فيه: "سواء كانت الجولة الأولي أو الثانية، المهم أننا قمنا بعمل جيد، وخضنا حملة انتخابية كما يجب أن تخاض". والحقيقة أن العديد من البرازيليين يودون الاستمرار في النهج الحالي الذي سنه الرئيس "لولا" ومواصلة النجاح الاقتصادي الذي حققه النقابي السابق الذي صعد إلي الرئاسة، وحاز علي شعبية كبري بين البرازيليين، فهو استطاع تجنيب البلاد تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية كما ساهم في حصول البرازيل علي شرف تنظيم الألعاب الأولمبية للعام 2016، والتي تعتبر مصدر فخر واعتزاز لسكان البرازيل المغرمين بالرياضة. هذه الشعبية الطاغية للرئيس "لولا "تعبر عنها رغبة المواطنين في مواصلة سياسته من خلال دعم "روسوف" التي يساندها، ومن هؤلاء المواطنين "أنجيلا كاستيلار" التي أدلت بصوتها في مدينة "ساو باولو" قائلة "لقد صُوّت لصالح روسوف لأنها ستبقي علي العهد ولن تغير سياسة لولا"، مضيفة أن "لولا قال إنه سيتقاعد لكني آمل أن يواصل دعمه لها". وكان الرئيس المنتهية ولايته قد أسدي خدمات جليلة لبلاده من خلال سياساته الاقتصادية الناجحة التي انتشلت أكثر من عشرين مليون مواطن من الفقر طيلة الثماني سنوات التي قضاها في الحكم، كما صعدت الملايين من سكان المدن لتنضم إلي الطبقة الوسطي وتتحسن أحوالها المعيشية بفضل المساعدات المالية التي حصلت عليها الشرائح الأكثر فقراً والتي ساهمت في تقليص الفوارق الطبقية في المجتمع البرازيلي. هذا وقد سبق للمرشحة "روسوف" دخول السجن لعامين في السبعينيات لنشاطاتها المرتبطة بالميليشيات "اليسارية"، لكنها تمكنت لاحقاً من متابعة دراستها لتصبح اقتصادية محنكة متخصصة في إدارة قضايا الطاقة، وهو ما أهلها لتولي منصب وزيرة الطاقة في ولاية "ريو جراندي دو سول"، ولتنضم في العام 2003 إلي فريق الرئيس لولا كمستشارة للشئون الطاقة. ورغم إعلان الرئيس لولا عن دعمه الصريح لروسوف منذ البداية مهيئاً إياها لخلافته لم تبدأ أسهمها في الصعود إلا بعد الحملة الإعلامية التي أبرزتهما معاً في جميع الأماكن، وفي إحدي الصور التي جمعتهما يقول الرئيس لولا إنه يريد لروسوف تزعم البلاد حتي تستمر في التغيير وتحقيق النجاح، ولم تنفع علي ما يبدو الانتقادات التي وجهها الرئيس الأسبق "فيرنالندو هنريكي كاردوسو" لهذه العلاقة المتينة بين الرئيس لولا والمرشحة روسوف ومحاولاته الطعن فيها علي أنها "دمية يحركها لولا" إذ لم تستطع تلك الانتقادات النيل من شعبيتها والتأثير علي فرصها. وفي هذا السياق يقول "كينيث ماكسويل"، الأستاذ السابق بجامعة هارفارد والمتخصص في الشئون البرازيلية "إن ما نشهده حالياً هو استمرار لهالة لولا وتأثيرها علي الناخبين"، وهو ما يؤكده أستاذ التاريخ "أمريكو فريري" معتبراً أن حملة روسوف كانت مقلة في التفاصيل لكنها ركزت علي مدي قربها من "لولا". وحتي المحاولات التي بذلها المرشح "سيرا" لرسم روسوف علي أنها "مرشحة مفبركة" كان لها مفعول عكسي لأنه بدا وكأنه ينتقد لولا نفسه، وهو خط أحمر لا يجرؤ عليه أحد في البرازيل لكلفته السياسية العالية، وقد حاول "سيرا" إبراز تجربته الطويلة في عالم السياسة والمناصب التي تقلدها مثل عضو مجلس الشيوخ وحاكم ولاية ساو باولو، فضلا عن توليه منصب عمدة المدينة نفسها.