يصعب كثيرا علي أي عقل طبيعي أو فكر سوي استيعاب مدي العنصرية والعدوانية والغطرسة التي تميز فكر المحافظين الجدد والتيار اليميني المتشدد الذي يسيطر علي إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش . ويكفي للتدليل علي ذلك تلك الأفكار الواردة في هذا الكتاب علي لسان مؤلفيه ديفيد فروم وريتشارد بيرل والتي تجاوزت كل حدود الصراحة لتصل إلي درجة الوقاحة .. فكل القيم والمقدسات والمعتقدات التي يعتنقها الآخر يجب التخلي عنها وإسقاطها حتي يرضي صقور البيت الأبيض والبنتاجون .. وكل القضايا القومية والوطنية هي جرائم حرب وانتهاك لحقوق الإنسان الأمريكي والإسرائيلي ما دامت لا تتفق مع رؤية التطرف اليميني والتوجهات الدينية المتطرفة للقيادات الحالية في مختلف دوائر الحكم والمؤسسات الأمريكية .. كل دول العالم تدعم الإرهاب ما لم تتحرك لتنفيذ أوامر السيد بوش وإدارته !! وكل الأصدقاء يمكن وضعهم في خندق الأعداء إذا تجرأوا وطرحوا رؤية مختلفة لكيفية مواجهة الإرهاب !! فقط إسرائيل هي الصديق الوفي الوحيد لأمريكا وهي الضحية التي تواجه الإرهاب العربي من جانب منظمات المقاومة الفلسطينية تماما كما تواجه الولاياتالمتحدة منظمات الإرهاب الدولي مثل تنظيم القاعدة !! ورغم كل السموم والبشاعات والأكاذيب التي يتضمنها هذا الكتاب إلا أن قيمته الأساسية والكبري تكمن في حقيقة أنه يلقي الضوء بشكل لا يمكن تخيله علي خطورة هذه العقليات التي تحكم في واشنطن الآن والتي تتحكم في قرارات وتحركات أكبر قوة في العالم الآن . لذلك فإن ما يقوله ديفيد فروم وريتشارد بيرل ، رغم بشاعته ، فهو يدق كل أجراس الخطر والإنذار لكي يستيقظ كل عشاق الخير والسلام والاستقرار في هذا العالم ويوحدوا صفوفهم لمواجهة هذه الأفكار والسياسات الفاشية التي اعتقدت البشرية أنها تخلصت منها إلي الأبد مع سقوط الكثيرين من الطغاة في مراحل سابقة من التاريخ . يكشف موقف ديفيد فروم وريتشارد بيرل من العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي حقيقة ذلك الهجوم الشرس الذي يشنه كتاب (نهاية شر) ضد منظمات المقاومة ذات الطابع الإسلامي مثل "حماس" و "حزب الله" . هذا الموقف لا يختلف من بعيد أو قريب عن الرؤية الإسرائيلية ل " العمليات الانتحارية " الفلسطينية خاصة أنه يتجاهل تماما كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الفلسطينيين ، بل ويعتبرها نوعا من الدفاع المشروع عن النفس !! يقول الكتاب إن العمليات الانتحارية سوف تستمر حتي يقبل المسلمون فكرة أن هذه العمليات هي جرائم حرب وأن منفذيها يجب اعتبارهم مجرمي حرب وحتي ينظر العالم الإسلامي إلي الهجمات الانتحارية علي أنها مصدر عار للمسلمين وليست مبعثا لفخرهم وزهوهم .. كما أن هؤلاء الذين يؤيدون فكرة أن بعض جرائم القتل التي تتم في إطار الجهاد مسموح بها ، هم في واقع الأمر يدعمون ، ولو بشكل ضمني ، من يعتقدون أن كل عمليات الجهاد مقبولة ومسموح بها .. خطوات أمريكية ويقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل : "لن يكون بوسعنا دائما إجبار الدول الأخري علي التحرك ضد جميع المنظمات الإرهابية ، ورغم ذلك فإن بوسع الولاياتالمتحدة اتخاذ خطوات محددة هي : 1- تطهير جميع مؤسساتنا من الفكر الوهمي الذي يفرق بين الأجنحة السياسية و "العسكرية" للمنظمات الإرهابية . فمثل هذه التفرقة هي في واقع الأمر نوع من الغش والتدليس . 2- التوقف عن توجيه أي انتقاد لإسرائيل عند قيامها بتوجيه ضربات ضد حماس وحزب الله واعتبار ما تفعله إسرائيل في هذا المجال هو نفس ما تفعله الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد تنظيم القاعدة . 3- تركيز انتباه الرأي العام علي بعض حلفائنا الذين يسمحون لجماعات مثل حماس وحزب الله بالعمل في أراضيهم وهو الموقف الذي يطلق عليه مصطلح " إيواء الإرهاب " . وهكذا ، فلو أقدمت دولة مثل فرنسا ، مثلا ، علي مثل هذا السلوك فإنه يتعين عدم التردد في كشف وإعلان حقيقة هذا الموقف. 4- يتعين دمغ السلطة الفلسطينية وسوريا كأطراف راعية للإرهاب ما دامت حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية تعمل داخل الأراضي الفلسطينية ، ومادام حزب الله مسموحا له ب " احتلال " غالبية أراضي جنوب لبنان الذي يخضع في واقع الأمر للحكم السوري . وهكذا يجب فرض جميع العقوبات التي ينص عليها القانون الأمريكي والسياسات الأمريكية ضد هذه الأطراف المتورطة في جرائم القتل الإرهابية ، بل وأن يكون ذلك جزءا أساسيا من السياسة الأمريكية . ينتقل الكتاب بعد ذلك إلي شن هجوم شرس وعنصري علي المملكة العربية السعودية ويحملها مسئولية دعم وتمويل وتشجيع العمليات الإرهابية ضد الولاياتالمتحدة وإسرائيل . وينتقد ديفيد فروم وريتشارد بيرل بشدة ما يصفانه ب "سياسة التسامح" والتجاهل التي اتبعتها الإدارات الأمريكية السابقة إزاء هذا الموقف السعودي خوفا من أن أي تحرك مضاد قد يؤدي لحدوث بدائل أسوأ بكثير بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط . ويقول الكتاب إنه يتعين علي الولاياتالمتحدة اتخاذ عدة خطوات تتعلق بالمسألة السعودية وهي : 1 إعلان جميع الحقائق المتعلقة بالسعودية . فقد حان الوقت للتخلي عن ذلك الحديث عن " تعاون السعودية الرائع " وهو الحديث الذي يشجع السعوديين في اعتقادهم المتغطرس أن بوسعهم خنق الولاياتالمتحدة وأن يفلتوا بذلك . إن السعودية لديها ما يؤهلها لعضوية "محور الشر" .. فقد تحملوا ثلاثة أرباع نفقات تطوير القنبلة الذرية الباكستانية . وبدون هذه القنبلة ما كان بوسع البرنامج النووي لإيران أو كوريا الشمالية الوصول إلي مثل هذه المرحلة المتقدمة . كما أن السعوديين يدعمون الإرهاب علي نطاق واسع . وإذا قاموا بسحق مصادر تمويل الإرهاب ، فإن ذلك سيؤدي إلي إصابة منظمات مثل القاعدة وحماس والجهاد الإسلامي بحالة من الشلل . 2 معاقبة هؤلاء الأفراد السعوديين الذين يقومون بتمويل الإرهاب . ويجب أن تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بإعداد قائمة بالأفراد الأجانب الذين تثور شبهات حول تورطهم في تمويل الإرهاب بجانب القائمة التي تضم الجمعيات والمنظمات الخيرية المتورطة في هذا المجال أيضا . ويتعين حظر دخول هؤلاء الأشخاص وأفراد عائلاتهم إلي الأراضي الأمريكية . ويجب اعتبار تعاون أي أمريكي معهم أو مع طرف ثالث يتعامل معهم جريمة يعاقب عليها القانون في الولاياتالمتحدة . ويجب أن تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بمصادرة أي أصول في الولاياتالمتحدة يمتلكها شخص أجنبي يمول الإرهاب . 3 مطالبة السعوديين بوقف جهودهم للترويج للمذهب الوهابي في الولاياتالمتحدة وأي مكان آخر في العالم . فليس من المقبول أن تدعم السعودية الأئمة والشيوخ الذين يدعون للجهاد ضد الولاياتالمتحدة بينما يتم منع الأمريكيين الذين يحرسون الحدود السعودية من مجرد قراءة الإنجيل في ثكناتهم !! . وقد لا يكون بوسعنا إجبار السعوديين علي التوقف عما يفعلونه ، ولكن في نفس الوقت ، ليس بوسعنا الاستمرار في موقف اللامبالاة إزاء ما يفعلونه . وقد تحدث الرئيس جورج بوش الابن ببلاغة عن قمع الحريات الدينية في السودان والصين ويجب أن يضيف اسم السعودية إلي هذه القائمة . فهناك مسجد للمسلمين في روما معقل الكنيسة الكاثوليكية بينما يحرم ملايين الكاثوليك الأجانب الذين يعيشون في السعودية من حق ممارسة شعائرهم الدينية ، ولو حدث وتم ضبطهم في هذه الحالة فإنهم يتعرضون للسجن والتعذيب والترحيل . ويتعين علي المسلمين المعاصرين انتهاج تلك الرؤية المتسامحة التي عبرت عنها كلمات النبي محمد " لكم دينكم ولي دين " . 4 يجب تحذير السعوديين من أن أي موقف من جانبهم يقل عن أقصي قدر من التعاون في الحرب ضد الإرهاب سوف تترتب عليه أقسي العواقب بالنسبة للدولة السعودية . وهكذا يواصل ديفيد فروم وريتشارد بيرل بث سمومهما وتهديداتهما الجوفاء في كل اتجاه وبشكل عدواني لا يعكس سوي عقليات فاشية وفكر مريض بجنون العظمة وأوهام الهيمنة والسطوة والسيطرة . ثمن الحرب ننتقل مع هذا الكتاب الغريب (نهاية شر) إلي فصل جديد بعنوان "كيف تدفع ثمن الحرب" . يقول الكتاب إن الرئيس بوش طلب من الكونجرس في خريف عام 2003 تخصيص مبلغ 87 مليار دولار لنفقات تعمير العراق وأفغانستان .. وقد تزامن هذا الطلب مع عجز كبير في الميزانية الأمريكية تجاوز خمسمائة مليار دولار ، مما دفع الكثيرين للإعراب عن مخاوفهم من أن تكون تخفيضات بوش للضرائب خلال عامي 2001 ، 2002 قد أدت إلي الحد من قدرة أمريكا علي التصدي للمشكلات التي تواجهها علي الصعيدين الداخلي والخارجي في المستقبل . ويعلق ديفيد فروم وريتشارد بيرل علي هذا الموقف بقولهما : " أحيانا يبدو أن الكثيرين في دوائر الإعلام يعارضون كل شيء يتعلق بالحرب ضد الإرهاب ما عدا ضرورة فرض المزيد من الضرائب التي يصرون علي أنها ضرورية لتغطية نفقات هذه الحرب . وهناك نقطة لا يدركها الكثيرون حول برنامج بوش المثير للجدل كتخفيض الضرائب .. فهذه التخفيضات التي يعترض عليها معارضو بوش يبدأ تنفيذها بعد عامي 2005 ، 2006 ، وبالتالي فليس لها تأثير علي الحرب التي تخوضها الولاياتالمتحدة الآن ولكنها تعرقل أطماع هؤلاء المعارضين في الإنفاق مستقبلا .. والذي لا شك فيه أن الإرهاب كلف الاقتصاد الأمريكي نفقات فادحة . فقد أصبح يتعين علي الحكومة والشركات دفع تكلفة الإجراءات الأمنية المشددة. وأصبح انتقال البشر والبضائع يستغرق وقتا أطول بسبب الإجراءات الأمنية عما كان عليه الوضع قبل هجمات سبتمبر عام 2001 . وبالإضافة إلي ذلك ، فقد تسبب الإرهاب في إثارة الغموض والشكوك حول المستقبل وتقلصت رغبة المستثمرين ورجال الأعمال في المخاطرة . ومنذ هجمات سبتمبر الإرهابية أصبح الاقتصاد الأمريكي يتحمل أعباء جديدة لم تكن متوقعة ، وجاء برنامج الرئيس بوش لخفض الضرائب لكي يخفف من هذه الأعباء . إن بوسع الولاياتالمتحدة الوفاء بنفقات الحرب ضد الإرهاب من مصادر الدخل والعائدات الحالية . وتنفق الحكومة الأمريكية الآن حوالي 2 تريليون دولار سنويا . وبذلك ، فإن ما طلبه الرئيس بوش لتمويل عمليات الإعمار في العراق وأفغانستان وهو 87 مليار دولار يمثل خمسة في المائة من إجمالي النفقات الأمريكية . والسبب في العجز الهائل الذي تعاني منه الميزانية الأمريكية ليس هو الحرب ، بل حالة الركود الاقتصادي خلال عامي 2001 ، 2002 والارتفاع الكبير في نفقات الرعاية الصحية . وكان ميتش دانيال أول مدير للميزانية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت قام بتخفيض الانفاق الداخلي بنسبة 25% خلال الفترة من عام 1940 وحتي عام 1942 للمساعدة في تمويل نفقات الحرب العالمية الثانية. ولا شك أن نفقات الحرب ضد الإرهاب لن تصل إلي حجم نفقات الحرب العالمية الثانية ولن تكون هناك ضرورة لخفض الإنفاق الداخلي من أجل تغطية نفقات هذه الحرب . ورغم ذلك فسوف يتعين خفض الإنفاق كما اقترح الرئيس بوش . إن معارضي الرئيس بوش يتهمونه بالفشل في فرض تضحيات كافية علي الشعب الأمريكي . وهم يرون أن نفقات الحرب قد تمنع تمويل برامج اجتماعية جديدة . وفي نفس الوقت ، هناك بعض المعارضين الذين يزعمون أن الحرب هي مجرد مؤامرة يمينية لتجاوز هذه البرامج والفوز بانتخابات عام 2004 . ورغم ذلك ، فإن خوض الحروب وسيلة شديدة الخطورة لكسب الشعبية .. فحرب كوريا لم تساعد الرئيس ترومان ، وحرب فيتنام لم تحقق الكثير للرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون . والرئيس بوش لم يكن هو الطرف الذي سعي لهذه الحرب ضد الإرهاب ، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن أمامه ، أو أمامنا ، أي خيار آخر . فقد هاجمنا العدو . ولكن ، حتي والحالة كما هي عليه الآن ، فإننا يجب ألا نسمح بإضعاف الاقتصاد من أجل تغطية نفقات الحرب . وبوسعنا دفع النفقات التي تحتاجها من خلال تحديد خط الإنفاق الحكومي ووضع معدلات الضرائب عند المستويات التي تشجع النمو الاقتصادي ثم اللجوء إلي الاقتراض لتغطية ما تبقي من احتياجات هذه الحرب . لقد سبق واقترضنا من أجل تحقيق الانتصار في الحرب الأهلية .. واقترضنا أكثر للانتصار في الحرب العالمية الأولي والحرب العالمية الثانية .. ثم اقترضنا مرة أخري من أجل تغطية نفقات الحرب الباردة . إن الانتصار في الحروب يحفز الازدهار الاقتصادي والذي يؤدي بدوره إلي سداد الديون التي لجأنا إليها لتحقيق هذا الانتصار . وهكذا ، فهناك إجابة واضحة للسؤال الذي يقول : كيف نقوم بدفع نفقات الحرب ؟ .. وهذه الإجابة ببساطة هي أن نحافظ علي مستوي الضرائب منخفضا .. وأن يظل الإنفاق تحت السيطرة .. ثم بعد ذلك أن نقوم بالاقتراض بشكل يتسم بالوعي والمسئولية . وهكذا ، يقدم ديفيد فروم وريتشارد بيرل الحل الذهبي لمشكلة النفقات الباهظة التي سيدفعها الشعب الأمريكي في النهاية لحربهم المزعومة ضد الإرهاب . والحديث في هذا السياق يتجاهل حقائق أساسية ، ولذلك فهو حديث ديماجوجي يتناقض معا آراء أكبر خبراء الاقتصاد في أمريكا والعالم . فالمستفيد الأكبر وربما الوحيد من برنامج بوش لتخفيض الضرائب في الولاياتالمتحدة هو الأثرياء ورجال الأعمال الذين تبرعوا بالملايين لتمويل حملة الانتخابات الرئاسية لبوش في نوفمبر القادم .. والمتضرر الأكبر وربما الوحيد من تخفيض الإنفاق هم فقراء أمريكا وأبناء الطبقة المتوسطة الذين يحرمهم برنامج بوش من خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية ويقلص فرص وإمكانيات تعليم أبنائهم . وحتي عندما يتحدث ديفيد فروم وريتشارد بيرل حديث الواثق من معلوماته حول أن تخفيضات الضرائب سيبدأ سريانها اعتبارا من عام 2005 وبالتالي فليس لها علاقة بالحرب ضد الإرهاب ، فإن هذا الحديث يعكس نوعا من التحايل أو الخداع لسبب بسيط هو أنهما يفترضان أن حرب بوش ضد الإرهاب سوف تنتهي خلال الشهور المتبقية من العام الحالي 2004 ، بينما تشير كل الدلائل والمؤشرات سواء في أفغانستان أو العراق أو أي مكان آخر تشمله هذه الحرب ،انها قد تستمر لفترة طويلة بعد أن تحول العراق إلي مستنقع حقيقي وبعد أن تصاعد النزيف الأمريكي في أفغانستان .. وأيضا بعد أن بدأ حلفاء أمريكا في كل مكان يبتعدون عنها ويتراجعون عن مساعدتها كما فعلت أسبانيا التي أسقطت حكم ثاني أكبر حليف لبوش بعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ، وهو رئيس الوزراء خوسيه ماريا أثنار الذي تعرض لضربة قاصمة من إحدي منظمات الإرهاب قبل يومين من الانتخابات دمرت أي فرصة للحزب الشعبي الذي يقوده في البقاء في السلطة . حرب الأفكار ينتقل كتاب (نهاية شر) بعد ذلك إلي أحد أخطر المحاور التي يتناولها المؤلفان ديفيد فروم وريتشارد بيرل والذي اختارا له عنوان "حرب الأفكار" . ويكشف هذا الجزء حقيقة الأساس الأيديولوجي أو العقائدي لفكر المحافظين الجدد واليمين الأمريكي المتطرف في إدارة جورج بوش الابن. ولا شك أن هذا البعد العقائدي كان هو الأساس الذي استخدمه جورج بوش لبناء سياسته الداخلية والخارجية بما في ذلك تلك النزعة لإقامة امبراطورية أمريكية تسيطر علي الكرة الأرضية وتمارس ما وصفه خبراء الحزب الجمهوري الأمريكي صراحة بالدور " الإمبريالي " للولايات المتحدة في العالم . يقول فروم وبيرل : " إن الحرب ضد التطرف الإسلامي هي حرب أيديولوجية مثلها في ذلك مثل الحرب الباردة التي انتهت بتفكيك وانهيار الاتحاد السوفيتي .. ورغم كل النجاحات التي حققتها الولاياتالمتحدة في ساحة الحرب ، إلا أنها تواجه الفشل في صراعها الفكري ضد التطرف الإسلامي ، هذا إذا كانت قد قررت أن تخوض هذا الصراع من الأساس . ففي أعقاب الصدمة الأولي التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، شنت إدارة الرئيس بوش حملة طموح لكسب ود مسلمي العالم . وفي إطار هذه الحملة ، توجه الرئيس بوش إلي المساجد للتأكيد علي احترامه الشخصي العميق للدين الإسلامي . واستقبل الرئيس بوش بترحاب الشخصيات الإسلامية البارزة في البيت الأبيض لحضور مأدبة خلال شهر رمضان . وتم تكليف واحدة من أكبر خبراء الدعاية لتشغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشئون الدبلوماسية الشعبية بهدف " تلميع " صورة الولاياتالمتحدة في عيون المسلمين بجميع أنحاء العالم . وقد أوصت بإنشاء محطة إذاعة أمريكية ناطقة باللغة العربية لكي تذيع أغاني البوب والموسيقي ونشرات الأخبار المحايدة .. كما شاركت في ابتكار سلسلة من الإعلانات التي يظهر فيها نماذج ناجحة من المهاجرين المسلمين في الولاياتالمتحدة بما في ذلك أحد مسئولي إدارة إطفاء الحرائق في نيويورك والذي هاجرت أسرته لأمريكا من كشمير ، وأيضا أحد الطلبة الإندونيسيين في جامعة ميسوري .. وقد تم بناء هذه الحملة المبكرة للعلاقات العامة علي أساس افتراض خطير ألا وهو أن أهم أسباب ازدهار التطرف في العالم الإسلامي هو أن المسلمين يعتقدون أننا معادون لهم . وقد ذهب البعض لما هو أبعد من ذلك ، حيث أكدوا بأدب جم ، أن العداء الإسلامي لأمريكا هو شيء مؤسف ولكن في نفس الوقت يجب النظر إليه علي أنه رد فعل يمكن تفهمه لسيطرة المادية وعبادة اللذة علي الحياة الأمريكية بالشكل الذي تعكسه أفلام العري والمواقع الإباحية علي شبكة الإنترنت . ووصلت الأمور إلي حد بحث إمكانية أن يقول الرئيس بوش في إحدي خطبه أنه لا يشعر بالفخر دائما من الوجه الذي تظهر به أمريكا في العالم . وبعد هجمات سبتمبر ، قام الرئيس بوش بعمل الشيء الصحيح تماما عندما حذر الأمريكيين من الغضب العشوائي وذكرهم بالحقوق المتساوية التي يتمتع بها جميع الأمريكيين بصرف النظر عن معتقداتهم أو جذورهم العرقية . وبوسع جميع الأمريكيين أن يتباهوا فخرا بندرة جرائم الكراهية التي وقعت ضد المسلمين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر . كما أن الفضل يرجع للرئيس بوش بسبب تحركه السريع والعاجل ضد التعصب الديني أو العرقي . ورغم كل ذلك ، فإن أمة مثل أمريكا أظهرت كل هذا القدر من الشجاعة ونكران الذات والوحدة الوطنية كما حدث في واشنطنونيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 ، مثل هذه الأمة لا يتعين عليها أن تعتذر لأحد علي ثقافتها .. فقد تجاوزت الولاياتالمتحدة حدود التسامح ووصلت إلي حد استعطاف الرأي العام الإسلامي في الداخل والخارج وهي مسألة ليست مهينة فقط ولكنها خطيرة أيضا .. وإليكم الأسباب .. (البقية في الحلقة القادمة)