شهر ابريل من كل عام هو شهر اعياد سيناء.. وسيناء هي في الحقيقة تعتبر ميدان الحرب والمعارك ولكنها ايضا هي أرض السلام.. حقا ان هذا السلام لم يتأت إلا عن طريق الحرب.. حرب الاستنزاف ثم حرب اكتوبر.. وفي كلتا الحربين كانت هناك بطولات وكان الابطال.. ابطال من رجال الصاعقة المصرية هم ابطال لم يسعوا الي الحرب.. بل الحرب هي التي سعت اليهم فاضطروا لها فحاربوها ولكن من اجل السلام.. كانوا يطلقون اسلحتهم علي صدور الاعداء ليقتلوا فيها نزعة الحرب ويستبدلوها بالسلام.. كانوا يحاربون بعنف وشراسة ليموت الحرب وليعيش السلام.. ونجحوا.. وفعلا.. كان السلام. أولي عمليات الاستنزاف ومن هؤلاء الابطال.. ابطال حرب السلام.. كان المقدم صالح فضل ضابط الصاعقة الذي تربي عسكريا بين احضانها لعشقه لها وايضا لوجدناه قائدا لاحدي مجموعاتها.. وهي المجموعة التي نحن بصدد اولي عملياتها في حرب الاستنزاف.. التي اضطررنا لها نتيجة كثرة مناوشات العدو لقواتنا علي الضفة الغربية.. وايضا كانت تلك العملية هي اولي عمليات التنشيط القتالي علي الجبهة من أجل بدء حرب الاستنزاف مع العدو حيث افرخت تلك العملية عن اولي عمليات عبور القناة بواسطة جيشنا النظامي.. أي بأفراد منه تسللوا الي أرض الضفة الشرقية التي كان يحتلها العدو.. حيث قاموا بتدمير اكبر واقوي نقطة منيعة له علي لسان بورتوفيق.. لقد التقيت بهذا البطل بعد 36 عاما من قيامه بتلك البطولة وبعد ان أصبح اللواء اركان حرب متقاعد صالح فضل.. حيث سافرت معه الي الماضي بذاكرة قوية ليقص لي بطولته وبطولة رجاله في تلك العملية.. كان يحكي وكأنه قام بتلك العملية امس. والآن لنبدأ قصة تلك البطولة المصرية من اولها.. لنتعرف علي عقول هؤلاء الابطال المصريين من رجال الصاعقة.. هؤلاء الرجال الذين كانت تمتليء نفوسهم بالجرأة والاقدام والشجاعة الانتحارية.. كما كانت تمتليء عقولهم ايضا بالذكاء وقوة التفكير والتخطيط وحسن الأداء.. أما صدورهم فقد كانت تمتليء بالرغبة في السلام.. ضرب النقطة المنيعة بلسان بورتوفيق ففي نهاية عام 1968 كان مقدم الصاعقة صالح فضل قائدا لإحدي مجموعاتها المكونة من ثلاث كتائب كانت منتشرة بمواجهة قوات العدو بطول كيلومتر.. وكانت موزعة كالآتي: - كتيبة صاعقة في ميت عديب بجوار العين السخنة.. - الكتيبة الثانية في منطقة الادبية - الكتيبة الثالثة في منطقة كبريت كانت الكتائب الثلاث تحتل المواجهة مع العدو بطول حوالي كيلومتر غرب القناة واتخذ المقدم صالح فضل مقر قيادته في وسط المنطقة أي في منطقة الادبية حتي هذا التاريخ أي نهاية عام 1968 ورغم كل استفزازات قوات العدو في الضفة الشرقية لقواتنا في الضفة الغربية.. إلا انه لم يكن قد حدث بعد أي تنشيط عسكري من طرف قواتنا المصرية المتمركزة في غرب القناة.. ونتيجة لزيادة استفزازات العدو المستمرة والمتكررة قرر الزعيم جمال عبدالناصر ان تبدأ قواتنا في تنشيط الاعمال العسكرية في القناة ضد ذلك العدو المستفز. بناء عليه استدعي الفريق عبدالقادر حسن قائد الجيش الثالث المقدم صالح فضل قائد مجموعة الصاعقة واصدر إليه الأمر بالقيام بعمليات تنشيط للاعمال العسكرية مع العدو.. كما كلفه ايضا ان يقوم بالتنسيق بين القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة الجيش الثالث الميداني. حتي ذلك الوقت لم تكن حرب الاستنزاف قد بدأت بعد.. وايضا لم تكن هناك أي محاولة لعبور القناة من قواتنا.. فقرر المقدم صالح ان يبدأ عمليات التنشيط العسكري بمحاولة عبور قارب به مجموعة من ثمانية افراد للوصول الي الضفة الشرقية فقط والعودة دون ان يشعر العدو.. وكان الغرض من تلك المحاولة الاولي للعبور هو كسر حاجز الخوف والغموض من عبور القناة. وفي ليلة كان ضوء القمر فيها ضعيفا نوعا.. قام المقدم صالح بانزال قارب مطاطي في مياه القناة وبه عدد ثمانية افراد من الصاعقة.. وبدأ الرجال يعملون بمجاديفهم.. إلا ان التيار في القناة لحظتها كان شديدا جدا فأدي الي انحراف القارب عن مساره بشدة وقوة فاوقف بطلنا المحاولة.. وعاد الرجال بالقارب بصعوبة الي مواقعنا.. بناء علي ما حدث طلب المقدم صالح قائد المجموعة امداده بجدول المد والجزر في منطقة البحر الاحمر.. درس بطلنا خريطة المد والجزر فاتضح له ان سرعة التيار في مدخل السويس 90 مترا في الثانية.. ويتغير اتجاه ذلك التيار أربع مرات في اليوم الواحد.. مرتين في اتجاه الشمال مع عملية المد.. ومرتين في اتجاه الجنوب مع الجزر.. بمعني ان التيار مع عملية المد يتجه بسرعة 90 مترا في الثانية تجاه الشمال.. ومع الجزر يتجه بسرعة 90 مترا في الثانية تجاه الجنوب. ومن دراسة خريطة التيار في مياه القناة ايضا.. اتضح له ان التيار يكون سريعا جدا اثناء المد.. ويبطيئا جدا او يكاد تكون المياه راكدة تماما وذلك في نهاية الجزر.. أي في فترة التحول من المد الي الجزر تكون المياه بلا تيار تقريبا.. وحسب فترة الركود هذه فاتضح انها تقريبا حوالي ثلاثين دقيقة. وبما ان عمليتي المد والجزر تحدث اربع مرات يوميا.. اي انها تحدث مرتين نهارا ومرتين ليلا.. وبما انه اتضح ان هناك فترة مضمون فيها ركود مياه القناة بلا اي تيار وتبلغ تلك الفترة ثلاثين دقيقة نهار ومثلها ليلا.. اذ فلكي تتم عملية العبور بامان فإنها لابد وان تتم في فترة الركود ليلا.. وحسب زمنها بالضبط واتضح ان مياه القناة تكون راكدة تماما بلا اي تيار في الساعة 200 اي في الساعة الثانية صباحا. بعد ان قام المقدم صالح بتلك الدراسة والتعرف علي توقيت ركود التيار في القناة بدأ يجهز لمحاولة العبور والقيام بعملية الاستطلاع الاول لما هو خلف الساتر الترابي لخط بارليف.. وتحسبا لأي مفاجآت من حيث اكتشاف العدو لهذا التسلل فقد منع استخدام المجاديف.. فالمجاديف مع المياه تصدر انعكاسات ضوئية من المحتمل ان يلاحظها العدو ويكتشف التسلل.. وعليه كان لا بد من التفكير في وسيلة أخري لسير القارب.. وبالتالي لا يمكن ان تكون الطريقة باستخدام المواتير والا سيحدث صوت من المؤكد ان العدو سيسمعه. فكر المقدم صالح كثيرا.. وهداه تفكيره للوسيلة المناسبة للوصول بالقارب الي الضفة الشرقية دون ان يلاحظ العدو ذلك.. وايضا كانت تلك الوسيلة فيها سرعة العودة بالقارب عند الانتهاء من المهمة.. ذلك لو حدث واكتشف ذلك التسلل لاي سبب طاريء. اختار المقدم صالح اثنين من جنوده يجيدان السباحة.. وامرهما ان يسبحا حاملي طرفي حبلين الي الضفة الشرقية.. علي ان يثبت الطرفان الآخران في ضفتنا الغربية في مكان بدء التسلل.. ويربط القارب بذلك الحبل بحيث يسحب من الجنديين في الضفة الشرقية وعند العودة يسحب من الضفة الغربية. وفي احدي ليالي شهر مارس عام 1968 ليلة اختارها المقدم صالح بحيث تكون من ليالي النصف الثاني من الشهر العربي ليكون ضوء القمر فيها خافتا نوعا ويشبه ضوء آخر ضوء.. وفي منطقة حددها في مدخل قناة السويسجنوب البحيرات عند الكيلو 60 وحاليا تقع بالقرب من فايد تم دفع القارب المطاطي المشدود بالحبال من شاطيء الضفة الغربية للعبور.. وكان القارب يحمل خمسة من الجنود وضابطين هما نقيب قائد سرية صاعقة محمد مصطفي رحمة الله عليه.. والملازم اول عبده عرفة. وصل الرجال الي الضفة الشرقية وتسلقوا الساتر الترابي لخط بارليف بخفة الفهود وهبطوا الي أرض الضفة الشرقية حيث تلك النقطة القوية المنيعة للعدو.. وقاموا باستطلاعها والتعرف علي تجهيزاتها الدفاعية.. ومن جرأة هؤلاء الرجال ارادوا ان يعودوا من هذا العبور الاول والاستطلاع الاول بتذكار فعادوا ومعهم عدد 2 لغم احدهما مضاد للدبابات والآخر مضاد للافراد. لم يشعر العدو الاسرائيلي بتلك الجماعة التي تجرأت ودخلت احد كمائنه القوية وقيامهم بذلك الاستطلاع لتلك النقطة المنيعة الا بعد رجوع مجموعة الابطال سالمين.. وذلك التعرف حدث عن طريق آثار اقدامهم التي تعمدوا ان يتركوها ليعلم العدو ان المصريين بدأوا يدخلون الأرض المحتلة وذلك ادي بالعدو الي الانتباه وتشديد الحراسات بعد ان كانت متراخية. بعد حوالي شهر من العبور الاول الذي ذكر مسبقا جهز المقدم صالح للعبور مرة أخري بعد ان كان قد درس تلك النقطة القوية الحصينة من تلك المعلومات التي حصلت عليها مجموعة العبور التي حدثت من قبل.. ووضع البطل صالح في اعتباره ان العدو لابد وان يكون قد اتخذ حذره بعد ان عرف قدرة المصريين علي العبور والتسلل. حصولنا علي أول أسير إسرائيلي قام المقدم صالح بدفع مجموعة أخري هذه المرة وكانت ايضا بقيادة نفس الضابطين وهما النقيب المرحوم محمد مصطفي والملازم اول عبده عرفة حيث تمكنت تلك المجموعة من اكتشاف الكمين المنصوب في الموقع الحصين للايقاع بافرادنا من المتسللين.. ونظرا لاشتياق افرادنا الشديد للتعامل مع افراد العدو فعلي الفور قاموا بالهجوم عليهم بشراسة منقطعة النظير ادخلت الرعب في قلوب الجنود الاسرائيليين فقتلوا منهم حوالي الاربعين وهرب الباقون وعاد ابطالنا باول اسير اسرائيلي في حربنا مع العدو وتم الحصول منه علي معلومات كثيرة وقيمة جدا عن تكوين النقط الحصينة وتحصيناتها والممرات بها. ومن هنا بدأت عمليات الاستنزاف حربها.. حيث بدأت بتراشقات المدفعية واصبح هناك قتال شبه يومي علي القنال. عملية ضرب موقع لسان بورتوفيق كان العدو قد جن جنونه بعد تلك العملية الاخيرة وكان استياؤه شديدا من جرأة المصريين لاقتحامهم مواقعهم الحصينة التي كانوا يعتبرونها اقوي من ان تخترق ولا يجرؤ احد علي الاقتراب منها.. ولكن كان استياؤهم اشد من ذلك الجبن والرعب الذي انتاب جنودهم فهروبوا امام المصريين مذعورين وعليه كان لابد من الانتقام ورد الضربة باقوي منها. فبعد حوالي اسبوعين من العملية دخلت احدي ناقلات البترول المصرية الصغيرة من ميناء بور ابراهيم بجوار بور توفيق وكانت محملة بالبترول فوجدها العدو فرصة لرد الضربة والانتقام لنفسه.. فقام باطلاق مدافع دباباته التي تحرس مواقعه بلسان بورتوفيق علي الباخرة فاشتعلت النيران فيها وعم الدخان الكثيف المنطقة كلها واستمر ما يقرب من اسبوع.. كان رد الفعل لما حدث لتلك الباخرة ان قررت القيادة المصرية رد الضربة فاستدعي بطلنا المقدم صالح فضل وطلب رد الضربة باقوي منها وفكر البطل في كيفية رد تلك الضربة فهداه تفكيره ان يقوم بتدمير ذلك الموقع الحصين علي لسان بورتوفيق والذي اطلقت منه الدبابات نيرانها علي الباخرة كان هذا الموقع علي طرف لسان بورتوفيق وهو علي مدخل القناة من الناحية الجنوبية وايضا يعتبر علي مدخل خليج السويس من الشمال.. وكانت مساحة ذلك اللسان تقرب من مساحة استاد القاهرة. كانت مساحة ذلك الموقع محاطة بالمياه من جميع الاتجاهات عدا ممر بري عرضه من خمسة الي ستة امتار وبطول حوالي 1500 متر وكان هذا الممر هو طريق الامداد الوحيد من سيناء الي تلك المنطقة.. وكان مسيطرا عليه تماما من العدو بحراسات اقوي من المشددة. قام بطلنا بالاستطلاع الكامل لهدفه.. وايضا طلب من القيادة صورا جوية للموقع المنيع.. وامدته القيادة بتلك الصور الجوية وقام بدراستها ومقارنتها بالمعلومات التي حصل عليها من استطلاعه فاكتملت الصورة تماما امامه وعليه بدأ التخطيط لضربته. كانت اولي خطوات خطته هي دراسة خريطة المد والجزر في تلك المنطقة من المياه المحيطة بذلك اللسان الذي يقع ذلك الموقع المنيع علي طرفه وذلك من أجل التخطيط السليم لمهاجمة الموقع.. مع اتخاذ جميع اجراءات امن القتال والتي راعي فيها البطل ان تعتمد علي إجراءات خداعية حتي يتمكن من القيام بمفاجأة العدو.. فالمفاجأة في الحروب تعتبر من عوامل النجاح والانتصار.. بدأ البطل بقياس حساب وقت الوصول الي منطقة اللسان عن طريق القوارب والمجاديف.. فوجدها تستغرق عشر دقائق.. فوجد ان هذا زمن كبير لا يصلح لانجاز العملية بأمان.. فاستبدل المجاديف بالمواتير.. وقام بتجربة القياس فكان الوصول الي موقع اللسان يستغرق دقيقتين فقط.. وكان ذلك مناسبا جدا. كان علي البطل ان يقوم بعمليات التمويه ليغافل العدو عما ينتويه له وكانت ايضا عمليات التمويه تلك هي تدريب لرجاله علي أهم خطوات خطة العملية.. فصار يطلق القوارب المطاطية بمواتيرها في منطقة الادبية تحت سمع وبصر قوات العدو.. وفي اول تدريب وعندما شاهد العدو القوارب منطلقة في المياه انتابه فزع شديد فاسرع برفع درجة الاستعداد واصبح جاهزا للتعامل ولكن فجأة شاهد العدو تلك القوارب المصرية تعود الي مكانها دون اي احتكاك. وكرر المقدم صالح ذلك مرة ثانية ثم ثالثة ورابعة وخامسة وفي كل مرة يرفع العدو درجة الاستعداد ويجهز للتعامل ولكنه في كل مرة ايضا تعود القوارب المصرية الي مكانها دون احتكاك.. فتعود العدو علي ذلك واصبح لا يتأثر بعمليات تلك القوارب التي كانت دائما ما تتكرر الي ان تعود عليها.. وكان تعوده هذا هو المطلوب لدي المقدم صالح.. فتلك كانت اولي مراحل الخداع.. والتي استغلت ايضا كعمليات تدريب للافراد علي اولي خطوات العملية التي خطط لها البطل الذي حصل بهذا التدريب علي رقم قياسي للوصول الي هدفه وكان 100 متر في الدقيقة الواحدة.. وكانت المسافة المطلوبة للوصول الي الهدف هي 200 متر اي بمعني ان القوارب ستقطع هذه المسافة الي هدفها في دقيقتين فقط ايضا كان لابد من قيام البطل بالتفكير في ذلك المانع الترابي المرتفع لمسافة ثمانية أمتار وأكثر والذي لابد لقواته من اختراقه عند القيام بالعملية فقام المقدم صالح بتدريب رجاله خلف خطوطه علي جسر سكة حديد كان بنفس ارتفاع الساتر.. وتم التدريب المكثف حتي وصل الافراد الي المستوي المطلوب. فكر ايضا المقدم صالح فضل في انه لا بد وان يقوم بمهاجمة ذلك الموقع الذي يحتل مواجهة طولها حوالي كيلومتر بأقصي سرعة ممكنة.. فوجد انه لا بد وان يهاجم كل هذه المسافة بعدد تسع مجموعات من رجاله في وقت واحد بحيث تقوم كل مجموعة باختراق ثغرة في مواجهتها.. ومعني ذلك انه يلزمه الهجوم بعدد تسعة قوارب محملة بالافراد لتكون المفاجأة بالاختراق والدخول والهجوم والضرب فعالة ومجدية. ومن أجل تنفيذ ذلك كان لابد من ان تكون لدي كل مجموعة من المجموعات التسعة في قواربها الاكتفاء الذاتي من حيث الافراد وطوربيدات "البنجلور" التي تطلق علي الموانع الشائكة لتفجيرها ثم مدافع الاربيجيهات التي تطلق بعد تدمير الموانع السلكية وفتح الثغرات فيها.. ومعني ذلك ان يكون كل قارب يمثل وحدة قتال كاملة بحيث تدخل القوارب كل من مكانه المخصص له ويفتح نيرانه ويهاجم العدو.. هذا وقد تم تدريب كل المجموعات علي واجبها والأكثر أنه تم تدريب كل فرد علي واجبه الذي يجب ان يقوم به.. وكانت تلك التدريبات تتم في مكان ما مشابه تماما للهدف ولكن خلف خطوطنا وبعيدا عن عيون العدو ومراصده. بقيت هناك مشكلة آخيرة ولكنها مهمة جدا.. فقد كان الجدار الخاص بالساتر او المانع الترابي ينزل بمستوي رأسي وعمودي علي رصيف لسان بورتوفيق وعلي مياه القناة مباشرة.. معني ذلك أننا سنواجه مشكلة المد والجذر ومستوي ارتفاع المياه المختلفة ففي وقت الجزر يصل الارتفاع بين رصيف اللسان الذي سيصل اليه كل قارب في المكان المخصص له وبين قمة السد الذي لابد وان تخترقه المجموعات في الاماكن المخصصة لكل مجموعة حوالي المترين ذلك بخلاف سرعة التيار الذي لا يجعل القارب مستقرا ليتمكن الافراد من مغادرته والتسلق لارتفاع مترين اي لابد من وجود سلم في كل قارب وهذا غير مأمون وغير مجد وايضا سيستنفد وقتا كبيرا. قام البطل بدراسة الوضع.. كان يريد ان يعرف الوقت الذي يكون فيه المد في اعلاه فوجد ان في اعلي ارتفاع للمد يكون الارتفاع ما بين رصيف اللسان الي اعلي الساتر أي لا يزيد عن ثلاثين سنتيمترا.. اي يمكن للفرد ان يتخطاه بأرجله وكان هذا هو الأصلح.. بحيث لابد وان يتم ذلك في توقيت تحول المياه من الجذر الي المد لتكون المياه شبه متوقفة وتصبح القوارب ثابتة. وتمت عدة حسابات للخروج بالتوقيت المناسب جدا للقيام بالعملية ويكون هذا التوقيت مشتملا اليوم والتاريخ والساعة.. ويكون أيضا مستوفي كل تلك الشروط السابقة.. وبعد الحسابات الدقيقة كان التوقيت هو سعت 2000 الي سعت 2030 أي من الساعة الثامنة الي الثامنة والنصف مساء من يوم 9يوليو عام 1969.. كان ذلك هو التوقيت الذي لابد وان تتم فيها العملية.. من حيث وصول القوارب الي رصيف اللسان وصعود الأفراد المانع الترابي والهجوم والتعامل مع العدو والعودة في زمن لا يتعدي الثلاثين دقيقة.. وهي فترة توقف المياه بدون مد ولا جذر في القناة. وبذلك تكون قد اكتملت لدي المقدم صالح الدراسات والتوقيتات وتم وضع الخطة الكاملة للتنفيذ ولكن بقي كيفية ادخال تلك القوات المكلفة بالعملية والممثلة في التسع قوارب مطاطية وافرادها من الرجال والاسلحة والمعدات الي داخل مدينة بورتوفيق دون ان يري العدو تلك القوات بمعداتها.. فقد كانت المنطقة ما بين مدينة السويس ومدينة بور توفيق مكشوفة تماما للعدو.. وعليه كان لابد من ان تتم عملية تمويه وخداع لادخال كل تلك القوات بمعداتها دون ان يكتشفها العدو. وكان القرار هو انه يجب ان يتم دخول تلك القوات بمعداتها مدينة بورتوفيق قبل التاريخ الذي حدد لاتمام العملية بشهر.. حتي يتسني للمقدم صالح القيام بعمليات التمويه التي قام بتنفيذها فعلا.. حيث كان يقوم بادخال العربات محملة بالافراد والمعدات كل ليلة ثم يقوم باخراجها كاملة مرة أخري في نفس الليلية.. حقا تعجب العدو لذلك في اول الامر.. وبدا فعلا في رفع درجة استعداده ومن كثرة تكرار تلك العملية كل ليلة.. تعود العدو عليها واصبحت شيئا طبيعيا فصرف النظر عن رفع درجات الاستعداد والحذر التي حدثت عدة مرات. وكان طوال ذلك الشهر مع كل دخول للعربات بالافراد والمعدات وخروجها كانت كل ليلة يختفي بعض الافراد وبعض المعدات في بدرومات مساكن بورتوفيق التي كانت مشيدة علي الطراز الانجليزي. ومن وسائل الخداع ايضا.. كان هناك في بورتوفيق وعلي القنال سور حديدي.. ولاتمام العملية كان لابد من إزالة ذلك السور.. وكان من غير الممكن ان ينشر ذلك السور الحديدي في ساعة الصفر.. فكان الافراد كل ليله ينشرون جزءا من اعمدة السور الحديدي ويتركونها متماسكة بضعف.. بحيث في ساعة الصفر تدفع تلك الاعمدة بالايدي فتقع ويمر الجنود منها. وفي اليوم الموعود اي يوم 9 يوليو 69 وقبيل ساعة الصفر بقليل خرج افراد المجموعات التسعة من مخابئهم في البدرومات وتخفوا في خلفية تلك الفيللات حتي لا يراهم افراد الفرقة الدولية في ضفتنا وكان مشكوك ان بينهم بعض اليهود ويمكن ان يكونوا من الجواسيس.. نقول تخفي الافراد عنهم وبدأوا يجهزون للعملية من نفخ القوارب وتنظيف الاسلحة وخلافه. وعند ساعة الصفر حمل الافراد القوارب واتجهوا الي السور الحديدي المنشور من قبل ودفعوه بأيدهم.. وأنزلوا قواربهم الي مياه القنال.. ودقيقتين ووصلوا الي الضفة الشرقية وعبروا الساتر الذي كان علي ارتفاع 30 سم من القارب.. وبدأ الاقتحام.. وبواسطة طوربيد "البنجلور"وهو عبارة عن وصلات تركب مع بعضها وتدفع وتفجر فتقوم بفتح ثغرة في المانع السلكي وايضا تقوم بتفجير ألغام الأفراد المزروعة في الأرض.. فاحدثت كل مجموعة ممرا لها في مكانها بسعت حوالي 75 سم تكفي لمرور افراد الاقتحام واسرعت كل مجموعة باقتحام هدفها المحدد لها والذي امامها مباشرة وقام كل جندي بواجبه المكلف به.. وارتبك العدو لتلك المفاجأة فقد شاهد المصريون حوله فجأة من كل جانب منتشرين يقتلون ويدمرون.. حيث دمرت اربع دبابات للعدو.. وكذا تم التعامل وتدمير دبابتين من سرية دبابات الاتقاذ السريع القريبة من الموقع. وفي تمام الساعة الثامنة وخمسة وثلاثين دقيقة كان أفراد مجموعاتنا قد عادوا الي بورتوفيق.. مكبلين العدو خسائر في الأرواح تقدر بما بين 35 الي 40 قتيلا.. واحد الاسري وكانت خسائر العدو في معداته عدد 6 دبابات. عادت مجموعاتنا الي بورتوفيق بعد نجاح العملية وكانت خسائرنا شهيدا واحدا واربعة من الجرحي وفي سعت 2100 اي التاسعة مساء خرجت مجموعاتنا من مدينة بورتوفيق.. وبعد خروجها بدأ ظهور طيران العدو وأطلق عديد من طلقات الإضاءة ولكنه لم ير احدا.. كانت عملية موقع لسان بورتوفيق من كبري العمليات التي تكلمت عنها الصحافة المصرية والصحافة العالمية وايضا االصحافة الاسرائيلية.. وانخفضت نتيجة لتلك العملية الروح المعنوية بين افراد جيش العدو من ضباط وجنود والاكثر كان انخفاض تلك الروح للشعب الاسرائيلي ايضا..