قبل ساعات قليلة من مغادرة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني البيت الابيض بعد ثمان سنوات مليئة بالاحداث التي غيرت تاريخ العالم الحديث، كان الشغل الشاغل لتشيني هو اقناع بوش بالعفو الرئاسي عن "لويس سكوتر ليبي"، الذي ادين قبل عامين تقريبا بالتقصير في اداء عمله واهماله في التحقيق مع احد كبار ضباط وكالة المخابرات الأمريكية المركزية "السي اي ايه" في قضية تسريب رسائل سرية تحمل هوية بعض كبار المسئولين في البيت الأبيض الي الصحافة. وقد خاض تشيني معركة العفو عن ليبي منذ عامين حيث تم ترتيب العشرات من المقابلات مع المسئولين السابقين لكسب التأييد الرسمي للضغط علي بوش ليستخدم اخر سلطاته في اخر ايامه الرئاسية، لينهي القضية التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية، تلك القضية التي كشفت التحقيقات تورط ضابطة أمريكية واسمها "فاليري بليم"، وزوجها "جوزيف ويلسون" وهو دبلوماسي سابق قام بكتابة مقالة افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ يوليو 2003 يطالب فيها بضرورة وجود دليل علي مزاعم الادارة الأمريكية في حربها علي الارهاب. وقد اعلن ليبي انه برئ خلال محاكمته، ولكن ليبي كان لديه دوافع تجعله يكذب وهي: وظيفته التي اصبحت في خطر. وقد اعلن بوش انه اذا ثبت تورط اي شخص في تلك القضية فسوف يتم فصله فورا. واكد بوش بنفسه في وقت سابق ان نائبه لم يشارك ابدا في هذه القضية. كما ان المستشار الخاص "باتريك فيتزجيرالد" الذي كان يقوم بالتحقيق في القضية قال ان قيام ليبي بتعطيل التحقيق في هذه القضية ادي الي عرقلة الكشف عن حقيقة الامر الذي هدد الأمن الأمريكي. ويقول فيتزجيرالد في نهاية حديثه "ان هناك سحابة من الغموض تحيط بموقف نائب الرئيس". وبعد محاكمة دامت لاكثر من سبعة اسابيع، تم اثبات تورط ليبي في تعطيل العدالة والكذب علي المحققين. وحكم عليه في 6 مارس 2007 بالسجن لمدة 30 شهرا ودفع غرامة قدرها 000.250، إلا ان الأمر لم ينته عند ذلك فقد قام ليبي بمعارضة الحكم، الا ان المحكمة الفيدرالية لم تتراجع عن حكمها وامرت بترحيل ليبي الي السجن في 2يوليو 2007. وقد حمل هذه الحكم معاني كثيرة اهمها الضرر الذي سوف يلازمه الي الأبد من تشويه سمعته المهنية التي بناها طوال فترة حياته العملية. وقد بدا تشيني علي استعداد للتنازل عن التسعة أعوام التي قضاها من عمره مع الرئيس بوش من اجل انقاذ مصير ليبي. وقد قال تشيني "اننا لا نريد ان نلقي باحد رجالنا خارج أرض المعركة". وكان بوش قد اتخذ قراره بالفعل بالاعفاء عن ليبي قبل أسبوع من إعلان القرار. وقد صرح احد كبار مستشاري بوش قائلا: "طوال فترة عملي السياسي مع النائب الأمريكي لم اره مصرا علي شيء مثل اصراره علي الافراج عن رئيس الاركان الاسبق " . لذلك اخبر بوش نائبه بقرار الافراج في يومه الاخير في البيت الابيض في 19يناير 2009 علي الرغم من انشغاله بالكثير من الأمور الغامضة والمبهمة في تلك الفترة المضطربة من تاريخ أمريكا. الأمر الذي استدعي التساؤل عن سبب اهتمام تشيني بتلك القضية ومدي التفكك والتوتر في العلاقات بين رجال الادارة الواحدة علي الرغم من السنوات الطويلة التي قضوها معا، والاختلاف في القضايا الداخلية علي الرغم من الاتفاق حول شن الحروب ضد النساء والاطفال علي مايدعي الارهاب . وعلي نطاق اوسع فإن هذه الواقعة تكشف عن العلاقة بين بوش وتشيني. فطوال فترة رئاسة بوش كان تشيني هو الذي يقوم باتخاذ قرار الحرب وكان بوش هو من يروج لها بدعوي انها من اجل مكافحة الارهاب.الا ان سياسة العفو الرئاسي هي اول خطوة من خطوات انهيار الديمقراطية وتفتح باب التساؤل حول العدالة والأمن الوطني في الولاياتالمتحدة صانعة الديمقراطية والراعي الرسمي لها. فكيف سيمكن فرض الرقابة علي مسئولي الدولة وكيف سيمكن رفع شعار لااحد فوق القانون. فالحقيقة الواضحه هو ان بوش وادارته خدعا العالم بحرب ظالمة بمبررات خيالية، وحتي رحيله ظل بوش يدافع عن رجاله الذين عملوا معه لسنوات طويلة وهذه هي افضل خصاله التي منيت بها إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما: فكيف يمكن للدولة ان تقوم بمراقبة الاعمال التي يقوم بها المسئولون في الحكومة وضاع القرار. فالسؤال الاهم هو اين القضاء الأمريكي العادل ولكن لن يكون هناك قضاء عادل في ظل وجود مايسمي بالعفو الرئاسي لمن يشاء فالجميع يعمل تحت مظلة العفو الرئاسي الذي رعاه بوش الابن وخلفه للادارة الجديدة برئاسة اوباما.واين ذهب كلام بوش الذي ردده قبل الإعلان عن الحكم عندما قال "ان نظامنا في العدالة يقوم علي تقديم الحقيقة لشعبنا، واذا كان هناك اي شخص لا يقول الحقيقة فانه لا بد من محاسبته خاصة اذا كان ذلك الشخص من العاملين في الحكومة ويتمتع بثقة الجمهور".