علي الهواء وعلي مسمع من الملايين، أفتي الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلي في المملكة العربية السعودية بجواز قتل ملاك الفضائيات التي تبث مواد اعتبرها خليعة تفتن الناس في دينهم وأخلاقهم. أقول للشيخ اللحيدان ما سبق وقاله الكثيرون من قبلي لأمثاله من المتطرفين، أقول له إنه ليس من حق أحد مهما كان أن يفرض رأيه ورؤيته للعالم علي الآخرين، وليس من حق أحد مهما كان أن يفتي بحق الناس في الحياة أو حق آخرين في حرمانهم منها. أقول للشيخ اللحيدان أنت رجل وملاك القنوات الفضائية رجال وكذلك مشاهديها، ولكل الحق في أن يختار لنفسه ما يشاء. ليس لك أو لغيرك أن تنصب نفسك وصيا علي الناس فتأمرهم بما يجب أن يفعلوا وتعاقبهم إن خالفوك الرأي. أقول للشيخ اللحيدان إنك تسيء لقضيتك بهذه الفتوي، فدين الإسلام الذي تدعو الناس إليه أقوي من أن تهزه قنوات فضائية أو مطبوعات الخلاعة، وأنك بفتواك هذه تصور الإسلام كما لو كان دينا هشا ينصرف الناس عنه ما أن تواتيهم الفرصة لذلك. أقول للشيخ اللحيدان أنك بفتواك تصور المسلمين وكأنهم أمة من الخراف المنقاضين الذين لا يستطيعون إذا تركوا لحالهم أن يختاروا لأنفسهم ما فيه خيرهم وصلاحهم. أقول للشيخ اللحيدان إن أمة من الخراف لا يمكن أن تكون خير أمة أخرجت للناس كما وصفها الله سبحانه. التكفير واستباحة الدم ليسا جديدين علي تيارات التطرف الإسلامي. لكن الجديد هو صدور الرأي نفسه عن عالم يحتل مكانة مرموقة في المؤسسية الدينية في العربية السعودية. حقيقة الأمر هي أن التفسير الوهابي المتشدد للإسلام هو الجذر والأصل الذي خرجت منه جماعات التكفير والتطرف، وأن أصوات التطرف في المؤسسة الدينية في المملكة نجحت في التخفي كثيرا في وقت كانت تبث فيه بذور التطرف في جسد الأمة. ربما كان من قبيل المصادفة أن تصدر فتوي الشيخ اللحيدان بعد يوم واحد فقط من الذكري السابعة لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، ولكن ليس مصادفة أن تخرج تلك الفتوي من أحد رؤوس المؤسسة الدينية في نفس البلد الذي خرج منه أسامة بن لادن. فتوي الشيخ اللحيدان تعكس التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع السعودي. الشيخ اللحيدان يقف علي رأس مؤسسة دينية هي من ضمن المؤسسات الحاكمة في المملكة. الأثرياء والأمراء الذي يملكون ويديرون الكثير من القنوات الفضائية العربية هم أيضا من رموز وأعمدة الحكم في المملكة. لم تعد المؤسسة الحاكمة في المملكة موحدة حول رؤية واحدة لطبيعة ومستقبل المجتمع السعودي. الجناح الديني المتشدد في المؤسسة الحاكمة في السعودية بات يشعر بالتهميش وتراجع النفوذ بعد أن أسفرت الأفكار والقيم التي بشر بها لعقود طويلة عن تكون جيل كامل من المتطرفين. شاهدنا بعض هؤلاء المتطرفين في غزة منهاتن، وشهدنا العدد الأكبر منهم في هجمات الإرهاب في الخبروجدة وغيرهما من مدن المملكة. فتوي الشيخ اللحيدان هي محاولة من جانب متشددي المؤسسة الدينية في السعودية لاستعادة مواقع خسروها. خروج هؤلاء للعلن في التعبير عن تطرفهم يعكس عمق الانقسام والصراع الذي يجري في السعودية. لا أظن أن عقارب الساعة قابلة للعودة للوراء، ولكن قوي التطرف لن تسلم ما بقي لها من مواقع بسهولة ويسر.