ثمة هدفان إستراتيجيان يتصدران قائمة أولويات المؤسّسة الأمنية. الأوّل وهو المستعجَل بينهما يتمثل بمعالجة تهديد الصواريخ والقذائف علي كلّ إسرائيل، بينما الثاني هو إحباط التهديد النووي الإيراني. تكمن المشكلة في أنّه حتي ولو نجحت إسرائيل في نهاية المطاف في تحقيق أهدافها الطَموحة هذه، فإنّه يجب أن تمرّ 3 إلي 5 سنوات حتي تتمكّن البلاد من إطلاق نظام فعّال متعدّد الطبقات لإعتراض الصواريخ البالستية ونماذج مختلفة من الصواريخ. وتحتاج إلي العدد نفسه من السنوات لتأسيس قدرة تقنية وعملانية لعرقلة التهديد الإيراني وردع الجمهورية الإسلامية. أمّا السؤال الملّح حالياً فهو: ما الذي يجب علينا فعله حتي تُرفع هذه التهديدات؟ كيف علينا أن نعالج التهديدات الحالية بشكل فوري من أجل ضمان وضع أمني مريح بكلّ ما للكلمة من معني من دون إراقة غير ضرورية للدماء ومن ودون إضعاف الجيش الإسرائيلي، وصمود الجبهة الداخلية، وشرعية المجتمع الدولي؟ كيف يمكننا أن نصل إلي الاستقرار الاقتصادي الذي سيسمح لتخصيص المصادر الضخمة الضرورية لتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية؟ أو بعبارة ملموسة أكثر: هل سيشنّ الجيش الإسرائيلي عملية كبيرة في غزّة لقمع إطلاق الصواريخ وتقويض قوّة حماس المتزايدة، أم أنّ هناك طريقة أخري لتحرير سكّان التجمعات الإسرائيلية المجاورة للقطاع من رعب القسّام ريثما يتمّ تطبيق نظام الاعتراض "القبّة الحديدية" لحمايتهم؟ ولّدت هذه الأسئلة نقاشاً عنيفاً ضمن مؤسّسات إسرائيل الأمنية والسياسية. في تحليل التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الأركان غابي أشكينازي، يمكننا أن نقيس بسهولة الردود الإستراتيجية المقترحة من قبل هذا الثنائي مصدّق من قبل الحكومة إلي هذه المخاوف الأمنية الملحّة. إلا أنّ هناك هوّة مفتوحة متزايدة بين الاقتراحات وتطبيقها، في كلّ من العالم المالي وغيره. إنّها مشكلة مزمنة لحكومة أولمرت، وليس فقط للأمن. علي الرغم من ذلك، من المبرّر إجراء فحص شامل للعلاجات المقترحة من قبل المؤسّسة الأمنية للمخاوف الأمنية الأخيرة التي تواجهها إسرائيل. علي جبهة غزّة، تحاول المؤسّسة الأمنية أن تكسب الوقت. هدفهم هو تأجيل إن لم يكن تفادي كلياً عملية واسعة النطاق في قطاع غزّة. الأسلوب المعتمد لهذه الغاية يتم عبر احتواء التهديد الذي تُشكّله حماس بالمساعدة المصرية، علي أن تكون هذه المساعدة أكثر فعّالية من السابق، ذلك أن نتائج اقتحام معبر فيلادلفيا وعملية "الشتاء الساخن" أدّت إلي حصول تقاطع نادر للمصالح بين إسرائيل، وحماس، ومصر. هذا وتدير مصر الآن مفاوضات مع الفصائل الفلسطينية في محاولة لتحويل هذه المصالح المشتركة الي هدنة كاملة في القتال. إسرائيل من جهتها مستعدّة للتخفيف من طلباتها، والموافقة علي فترة التهدئة المذكورة سابقاً، خصوصاّ إذا ما وعدت مصر بالعمل بنجاعة لمنع عمليات التهريب. وقد أثبتت مصر في الأسابيع الأخيرة أنّها قادرة وتريد الوفاء بكلامها، عندما أحبطت، بالتعاون مع إسرائيل، عدة عمليات كانت علي وشك الانطلاق من سيناء باتجاه إسرائيل. يأتي تليين الموقف الإسرائيلي، من جملة الأمور، نتيجة للرد العربي والدولي الشديد علي سقوط عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين خلال عملية "الشتاء الساخن". هذا الرد، الذي كاد يتسبّب بانتفاضة ثالثة وبعزل إسرائيل، زاد من الفتور في الرغبة لدي المؤسّسة الأمنية بالدخول في حملة برية واسعة. وثمة سبب إضافي لتليين الموقف الإسرائيلي يكمن في الأمل في أن يفضي حصول اختراق مصري في قضية التهدئة الي حصول تقدم أيضا في موضوع الجندي الأسير جلعاد شليط. وثمة سبب ثالث هو الرغبة الإسرائيلية في اتاحة المجال أمام المواطنين للاحتفال بهدوء بالذكري السنوية الستّين لقيام الدولة، وتمكين بوش، ساركوزي وسائر زعماء العالم من زيارة إسرائيل والإعراب عن التضامن. والسبب الرابع هو أنه بغضّ النظر عن الفترة الزمنية الممنوحة لنظام "القبّة الحديدية" من شأن التهدئة أن تتيح لإسرائيل استكمال بناء منظومة تكنولوجية دفاعية حول غزّة. مثل هذه المنظومة، التي ستستند إلي "رجال آليين يطلقون النار" في الجوّ، والبحر، والبرّ ستُقلّل من حاجة الجيش الإسرائيلي إلي القوّة البشرية، بالإضافة إلي الخسائر التي يتكبّدها في التوغّلات في غزّة والعبوات التي توضع علي طول السياج الأمني. في هذه الأثناء، تقوم إسرائيل بمنح الموفد المصري عمر سليمان مجالاً واسعاً جدّاً في المفاوضات. كما وأمر وزيرُ الدفاع الجيشَ الإسرائيلي بالتصرّف بأعلي درجات ضبط النفس وتجنّب المبادرات الهجومية طالما أنّ هناك أملاً في هذه المبادرة المصرية. بالإضافة إلا أنّ إسرائيل لا تضع أي شروط مسبقة للتهدئة، مع حماس والجهاد الاسلامي سوي شروط الحد الأدني الثلاثة: وقف الهجمات الصاروخية، وقف العمليات ووقف تهريب الوسائل القتالية. بالمقابل، تطالِب إسرائيل بأن لا تشترط الفصائل الفلسطينية علي إسرائيل وقف عمليات الاحباط في الضفة، لقبولها بالتهدئة. ماذا سيحصل إن فشلت هذه التسوية المصرية، أو إذا ما انهارت هذه التهدئة بعد وقت غير طويل، كما يقدرون في الشاباك وشعبة الاستخبارات في الجيش؟ حتي في هذه الحالة، يتبين أن المؤسّسة الأمنية لا تسارع الي شنّ عملية واسعة في غزّة. بدلاً من ذلك، سيصعّد الجيش الإسرائيلي عملياته الحالية في غزّة وسيمارس ضغطاً إضافياً علي حماس عبر استهداف قادتها وهي خطوة قد تجنّب الجيش الإقدام عليها حتي الآن وعبر شنّ عمليات أوسع وأشمل ومركّزة في قطاع غزّة. يجب أن تكون العملية الواسعة في غزّة الإجراء الاستراتيجي الغزاوي الأخير. في هذه الحالة كما يرون ذلك في المؤسسة الأمنية ستخرج إسرائيل إلي حرب اللاخيار لفترة طويلة في غزّة حتي من دون وجود "خطة خروج" معدة سلفاً. الوحدات القتالية في الجيش النظامي وقوّات الاحتياط مستعدّة بالكامل لمثل هذا السيناريو، بخلاف ما هو الحال عليه في هيئة الحكم العسكري والتي سيكون من مسئولياتها تلبية حاجات الناس في غزّة إذا ما نشبت الحرب. كما أن المستوي السياسي، الذي سيكون عليه توفير شرعية دولية وغطاء إعلامي للقوات العاملة علي الأرض، غير مستعد لذلك حتي الآن.