مثلما يحدث علي الجبهات العسكرية، وفي ساحات القتال، ووسط أجواء مشوبة بالتوتر والحذر، وتهديدات بمقاطعة وثيقة الفضائيات العربية، التي أصدرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الأخير، ولم يعترض عليها سوي وزيرين فقط، وجه صندوق التنمية الثقافية الدعوة إلي رموز الإعلام في الفضائيات العربية، وممثليها في القاهرة لمناقشة الوثيقة في الصالون الذي يقيمه بقصر الأمير طاز بالخليفة، وتديره الكاتبة الصحفية سوسن الدويك، والدخول في حوار حول الضوابط والقيود وتعارض الوثيقة أو التقائها مع الحرية والمسئولية الاجتماعية، وأيضاً هامش الحرية المسموح به في الفضائيات. لكن المفاجأة تمثلت في غياب رجال الإعلام والخبراء الذين أعلن عن استضافتهم في الصالون، فلم يحضر، ولم يعتذر: مصطفي بكري ووائل الابراشي وم. أسامة الشيخ ود. حسين أمين وحسين عبدالغني(!) والوحيدة الملتزمة كانت راندا أبوالعزم مراسلة قناة "العربية" في القاهرة(!)، وبالتالي ظهرت أسماء بديلة لم يعلن عنها من قبل مثل: د. صفوت العبد استاذ الإعلام والعلاقات العامة بكلية الإعلام، الذي أثري الصالون بآرائه الجريئة، ووجهات نظره الصائبة، وأسامة راضي رئيس تحرير تليفزيون"الحياة"، وبعد ساعة من الموعد المحدد ظهرت سوسن الدويك مديرة الصالون وفي أغرب اعتذار من نوعه أكدت أن أحداً لم يعلن أن الصالون يبدأ في السابعة، ويبدو أنها لم تقرأ الدعوة التي وجهها صندوق التنمية الثقافية(!) ثم نفت كذلك أن يكون هناك ضيوف آخرون أعلن عن حضورهم بخلاف الذين ظهروا علي المنصة علي الرغم من أن المنصة، اعتذرت عن التأخير(!) الذي تسبب فيه ، أيضاً تكالب الفضائيات علي التسجيل مع الضيوف قبل بداية الصالون(!) الأمر الذي دفع عددا غير قليل من الحضور للثورة علي مديرة الصالون،والانسحاب غاضبين، فما كان منها سوي أن تحركت لمطالبة الضيوف بالعودة إلي المنصة(!) بعيداً عن هذا استهلت "الدويك" الصالون باستعراض بنود وثيقة الفضائيات العربية، كمدخل مهم لمناقشتها واتاحة الفرصة للتعرف إلي بنود لمن لا يعلم بفحواها.. وعلقت راندا أبو العزم مراسلة قناة "العربية" بقولها: بعض البنود ليست واقعية بل وتثير الضحك ودعوني اتوقف عند البند الذي يقول "الاقناع التام عن بث ما يتعارض مع التضامن العربي وتعزيز اواصر العلاقات بين الدول العربية"، وأستشهد هنا بالتغطية الإعلامية للقمة العربية التي عقدت مؤخراً في دمشق فنجد أن كل دولة رأت القمة كما تمليها وجهة نظرها فالقناة الأولي في التليفزيون المصري جاء فيها أن قرارات القمة ضعيفة، أما التليفزيون السوري فأكد أنها أفضل قمة عقدت منذ فجر التاريخ فماذا يعني هذا؟ أليس هذا دليلاً واضحاً علي خرق الوثيقة؟ وهذا إن دل فإنما يدل علي أن بنود الوثيقة مطاطية ولايوجد من يستطيع أن يطبقها؟ وكعادته تدخل د. صفوت العبد بموضوعية فقال: هذه الوثيقة بها ثغرة كبيرة تتعلق بأن المضمون الإعلامي في كل دولة يعكس طبيعة نظامها السياسي ومن ثم فالموضوع الذي يناقشه الإعلام اللبناني سيختلف تماماً إذا تعرض له الإعلام الخليجي او أي من الدول العربية التقليدية ذات التوجه الأحادي في السياسة، كما أن هذه الوثيقة والتي وضعت مكتبيا تحت رعاية وزير الإعلام المصري والسعودي وصدق وعليها وزراء الإعلام العرب في الاجتماع الاستثنائي سطرت علي عجل وكان يجب أن تحظي بفرصة أوسع للنقاش العام بين المتخصصين كما كانت في حاجة إلي لائحة تفسيرية تضع أجوبة علي كل الأسئلة التي تحيط بهذه البنود، بالإضافة إلي أن الوثيقة أعطت لكل دولة الحق في وضع الضوابط التي تقنن الممارسات الإعلامية فمصر مثلا تعلن عن إنشاء جهاز لتنظيم ومتابعة البث المرئي والمسموع، فهل هذا ملزم لبقية الدول العربية وكيف يكون توجهها؟ من ناحيته استهل أسامة راضي حديثه بقوله: نحن أول محطة فضائية وضعت تحت طائلة هذه الوثيقة وأنا أتفق مع د. صفوت أن الوثيقة وضعت علي عجل بين مصر والسعودية ولا نعرف السر وراء هذه العجلة، خاصة أن الوثيقة كانت في حاجة لمناقشة مستفيضة كما كانت في حاجة إلي مشاركة أصحاب القنوات الخاصة في هذا الشأن الذي يخصهم وأري أن الوثيقة وضعت خصيصا للتنفذ في مصر وأتحدي أن تطبق في أي دولة عربية أخري؛ بدليل أن دبي أعلنت رفضها لها وكذلك العراق والأردن وقطر واجتمعت القنوات الفضائية العراقية وأصدرت وثيقة تنظيم العمل داخليا، مما يعني أنها ليست في حاجة إلي هذه الوثيقة أبدا. وأبدي "أسامة" اندهاشه وهو يقول: تجربة القنوات الفضائية لم يمر عليها 10 أو 12 عاما علي أقصي تقدير وبالتالي فهي تجربة غير ناضجة وفي حاجة إلي وقت أطول لإنضاجها فعلي الرغم من ظهور قنوات كثيرة في الآونة الأخيرة إلا أن الكثير منها يفتقد إلي المهنية وربما لهذا السبب حدث انزعاج والتخوف من جانب بعض الأنظمة الحكومية ونتجت حالة من القلق اعترت رجال الإعلام ورجال الدولة، وكأن كلا منهما يضمر السوء للآخر وهذا غير صحيح فالتعاون بينهما سيدحض أية مشكلة كما أن الحوار هو الذي سينهي أي خلافات ولذا اطالب بعمل رابطة للقنوات الفضائية مثل نقابة الصحفيين لتنظيم العمل والحديث بلسان واحد في مثل هذه الامور ومن أولي مهامها وضع ميثاق لتنظيم العمل فيما بينها. وتساءلت "سوسن" عما إذا كانت بنود الوثيقة بمثابة قانون واجب التنفيذ وعما اذا كان من حق وزير الإعلام مصادرة الكاميرات، ووقف بث القنوات فأجابت رانيا: الامور ليست خاضعة للقانون، فكاميراتنا تحطم في الشوارع وتصادر من قبل رجال الحكومة بلا أي قانون، وهناك ضابط مستقر امام العمارة التي تضم مقر مكتب قناة "العربية" بالقاهرة مهمته منع أي كاميرا من النزول،وهو أمر مدهش وغريب واتساءل هل سينتهي الامر إذا اغلقت قنوات النايل سات مكاتبها ومقارها قي مصر؟ بالطبع لا فهذه القنوات ستبث من الخارج وستدخل بيوتنا دون إذن من أحد. وهنا التقط د. صفوت العبد الخيط ويقول: لابد من وجود آليات للتنفيذ الفعلي لبنود الوثيقة مثل وجود اجهزة منضبطة لرصد كل مايبث علي القنوات حتي يتوافر الدليل المادي في حالة تنفيذ عقوبات ضدها منعاً للعقاب العشوائي وأتذكر هنا ما حدث من الاتحاد الاوروبي عندما اراد غلق قناة "المنار" لانها تعرضت لقضية "الهولوكست" واعتبرها خرقاً للسلم الاوروبي واضطروا لرفع قضية قانونية ليكون لها سند قانوني، لأن نصوص المواثيق ليست لها قوة القانون، وبعيداً عن الآلية هناك قاعدة عامة تقول إنه في ظل التطور التكنولوجي الحالي لم تعد هناك رقابة علي الفضائيات وفي ظل التطور المرتقب، تحول جهاز المحمول إلي تليفزيون في أيدي الجميع لن يستطيع احداً التحكم فيما يستقبله هذاالجهاز الصغير وهو الأمر المتوقع حدوثه خلال الثلاثة أعوام القادمة وهي مشكلة يمكن تضع القائمين علي هذه الوثيقة، هذا إذا كانوا موجودين في هذا الوقت، وهم الذين جاءوا بالباراشوت، في مأزق صعب أمام أنفسهم وأمام الشعب بأكمله. ومرة أخري تحدث أسامة راضي بقوله: - نحن نعيش في حيرة بالغة منذ ظهور هذه الوثيقة وأذكر أنني التقيت أحد المسئولين في دولة قطر فأبدي انزعاجه من محاولات الدول الكبيرة وعلي رأسها مصر التصدي للطفرة الإعلامية التي أحدثتها قناة "الجزيرة" وقال: عندما تقود دولة صغيرة بحجم قطر عملية التطوير الإعلامي في المنطقة العربية فكيف تقف لها دولة كبيرة بالمرصاد وأنا بدوري أستغرب كثيراً من تصريحات أنس الفقي وزير الإعلام المصري الذي يؤكد بلغة الأرقام أن الإعلام يحقق عائداً قدره 1.6 مليار جنيه في مصر ويتوقع أن يزيد خلال ال 10 أعوام القادمة فكيف يتحقق هذا في ظل هذه القيود؟.. ألا يري أننا في حاجة إلي تبادل الحوار مع أصحاب القنوات الخاصة إذا كان حقاً يريد تحقيق أحلامه. وعلي الفور علقت "راندا" بقولها: - لا جدوي من الحوار، فالنية لو كانت مبيتة لتنفيذ الوثيقة سوف تنفذ ويكفي أننا لا نستطيع الحصول علي تصريح لتصوير المخابز لأنهم يمنعوننا من تصوير الحقيقة لنخفي رءوسنا في التراب كالنعام ولا يعلمون أن سمعة مصر أكبر من كونها تمس عندما نتعرض لمشاكل أزمة رغيف العيش. وعن موقف مجلس الشعب من هذه الوثيقة أجاب د. جمال زهران عضو مجلس الشعب الذي جاء متأخراً : لم تعرض هذه الوثيقة علي مجلس الشعب تقدمت بطلب إحاطة عاجل لمناقشة الوثيقة وبحضور الوزير شخصياً وليس مندوباً عنه لأنه من العيب ألا يأتي الوزير لمجلس الشعب ويرسل مندوب عن وزارته وبالفعل جاء الوزير إلاأنه قام بعرض سريع لبنود الوثيقة وقال أنها ليست تشريعات دولة وإنما وثيقة مهنية، وأكد أن الاطراف التي تسابقت إلي تنظيمها تابعة لجامعة الدول العربية رغم أنني واثق أن المسألة لا علاقة لها بالمهنية، بل أمر سياسي بحت والوثيقة لا تعني إلا مزيداً من القيود علي وسائل الإعلام وهم لا يعرفون أن الديمقراطية لا تعالجها القيود بل المزيد من الديمقراطية التي تستطيع أن تعالج نفسها بنفسها، ويكفي أن الوزير اكتفي بعرض بنود الوثيقة فقط دون حدوث اي نقاش جدي حولها، وعليه فإن طلب الاحاطة مازال قائماً لأن كل الشواهد تتناقض وتصريحات الدولة الي تؤكد عدم وجود قيود علي حرية الإعلام وإلا فلم لم يذع التليفزيون المصري خبر مقتل البمبوطي السويسي علي يد الامريكان وألا يعد هذا خرقاً لحرية المواطن المصري في معرفة الحقيقة مع مراعاة سياسة الدولة وعلاقتها مع أمريكا وبشرط أن تضع المواطن علي رأس أولوياتها. وتساءلت "سوسن" حول البرامج الليلية" التوك شو وموقف الوثيقة منها فقال د. صفوت قد يوظف النظام مثل هذه البرامج لتفريغ القضية من مضمونها بالتأكيد أننا نعيش عصر الحرية من مضمونها بالتأكيد فهذه البرامج تتعرض للمشاكل الحساسة دون الالتفات للقضية الاكبر وهي ماذا فعل المسئول تجاه هذه المشكلة وعليه يلعب الاعلام هنا دوراً مسانداً للنظام الذي من الممكن أيضاً أن يعظم بعض القضايا في محاولة لتخدير الناس بأمور سطحية بغية إبعاده عن القاضيا الجادة الالتفات لهروب لاعب إلي دولة أخري أو مشاكل فنان وهذا يتجلي في البرامج التي تقدم عبر الإعلام الرسمية، فمن ا لممكن أن أصدق مايأتي في "العاشرة مساء" لكنني اتخوف مما يتناوله "البيت بيتك" وهناك مثال أكثر توضيحاً لما قلته وهو برنامج "حالة حوار" والذي يعتمد علي نوعية بعينها من الضيوف وتثبيت الضيوف هنا ليس سوي توجه خاص من البرنامج للتركيز علي رؤية واحدة بشكل غير موضوعي. وعندما أبدت سوسن الدويك انزعاجها بادرها د. صفوت قائلاً: علينا أن نفضح الممارسات الفاضحة التي تستغل الحرية بشكل معيب وهذا مايحدث في برنامج" حالة حوار" . وحاولت "راندا" العودة إلي محور الصالون الأصلي فقالت: تردد أن الوثيقة خرجت إلي النور نتيجة الخوف من بعض البرامج، وأقول إنه إذا كان النظام يخشي أي برنامج فهو نظام غير مستقر ويبنغي أن يدرك ان الناس متعطشة للحقيقة وتسعد باقتراب البرامج من مشاكلها وهي النقلة التي احدثتها الفضائيات والتي لم تحظ بإعجاب الانظمه بل اثارت رعبها لأنها تسعي لمنع الناس من الإطلاع علي حقيقة قضاياها وتمنع ظهور بعض الشخصيات عبر وسائل الاعلام خشية مواجهتها واسقاطها ، وهنا التقط د. جمال زهران الخيط وقال: أنا من بين الممنوعين من الظهور علي القنوات المصرية ولا أريد الظهور في التليفزيون المصري، لكنني متواجد مع هذا في كل القنوات الفضائية بينما أكدت الدراسات عزوف الجمهور المصري عن مشاهدة تليفزيون بلده فالقضية أكبر من هذا ولا شك أن القنوات الفضائية أسهمت بشكل فاعل في يقظة المجتماعات لكن الوثيقة جاءت لتقضي علي هذه اليقظة ويصبح السؤال الملح: لماذا لم يصدر أنس الفقي وزير الاعلام قراراً بإيقاف بث قنوات الفيديو كليب التي لا تتفق مع القيم والعادات والتقاليد الشرقية، وتعمد فقط ايقاف بث قناتي"الحكمة" ثم "الحوار" بكل ما يعنيه هذا من قتل للديموقراطية والكيل بمكيالين لأن الوثيقة لها توجه واحد لا ثاني له، وهو قتل البرامج والقنوات التي تتعرض للواقع بجرأة.