عندما أكدت الكاتبة جيسيكا ويليامز أن هناك "خمسين حقيقة" تمثل مشاكل عالمية ووطنية وإقليمية وتسيطر علي حقائق الحياة الواقعية في غالبية دول العالم.. ينبغي أن يتغير معها العالم من جانب.. وأن يعيد البشر النظر في تفكيرهم وسلوكهم حتي نصل إلي مستقبل أفضل يبشر بالعدل والخير لكل الناس في كل مكان أو زمان.. خاصة ونحن في القرن الحادي والعشرين. بلورت الكاتبة جيسيكا "الخمسين حقيقة" في أصل كتابها الصادر باللغة الإنجليزية.. بعنوان: "50 Facts that Should Change the World"، وأكدت رأيها ودعوتها للتغيير بأن هناك قضايا ومشاكل وتناقضات صارخة يعيشها الناس في كل أنحاء العالم مما يتنافي مع الحياة الحرة الكريمة سواء كانوا ينتمون لدول متفرقة أو نامية.. أو متأخرة.. إلا أنها ركزت أن الحقيقة الأولي من الخمسين حقيقة تتمثل في أن "ثلث العالم في حالة حرب.. حقيقية"! حتي في الوقت التي كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها يفكرون في الحكمة التي من شأنها تم شن الحرب علي العراق. وإذا كان تعريف "النزاع المسلح" علي أنه نزاع سياسي وقتال مسلح.. أحد طرفيه.. دولة.. أو حزب.. أو مجموعة بقواتها أو مجموعاتها المسلحة.. تسعي لتحقيق أهدافها المشروعة أو غير المشروعة دوليا.. فإن أبلغ ما عبرت عنه السيناتور الكندية السابقة "لويس ويلسون" إبان وضعها وحصرها للقائمة السنوية لحروب العالم.. ومعلقة علي بشاعة الحروب.. أن كتبت وسجلت: "هناك طبيعة معقدة للسلم.. فهو ليس فقط عكس الحرب".. بل يتشكل من ثلاثة رموز أو كلمات بليغة ومفعمة بالحيوية.. فالكلمة الأولي للسلم "الأرز في الفم" أي الأمن الاقتصادي والثانية "امرأة فوق رأسها سطح" أي الامن الاجتماعي. بينما الثالثة "فتعني قلبين ينبضان معا في تفاهم وصداقة" أي الأمن البشري!! فالناس الذين يعيشون في حالة حرب يفقدون الأنواع الثلاثة من الأمن.. ويمتد النزاع المسلح لهم ليس عبر أجهزة الإعلام والتليفزيون والصحف والجرائد وأعمدتها.. بل يفرض عليهم كواقع يومي.. يخرجهم من أرضهم ويحرمهم من الغذاء والمال ويقتل عائلاتهم.. ويعوق أي فرصة للتطور.. ويصبح ذلك أسلوبا لحياتهم. وفي سطور أخري نوجزها.. تقرر جيسيكا ويليامز أن إعادة بناء المجتمعات في مرحلة ما بعد الحرب تتطلب وقتا طويلا وإبطال أضرارها يتطلب أيضا جهودا مضنية.. سواء بالنسبة للإنسان والبشر.. أو ما حل بالبلاد من خسائر وتدمير.. والأمثلة علي ذلك كثيرة في كل موقع قام فيها حرب أو صراع مسلح في العالم.. خاصة أن هناك "جيلاً رابعاً" لم تعد الدولة تسيطر عليه.. أو تحتكر قراراً بيديها.. فقد أصبح هذا الجيل من المقاتلين من ثوار وميليشيات لا عاصمة لهم ولا عنوان.. ويتكاثرون مهما كانت التضحيات بينهم.. ويبحثون عن طرق جديدة لتحقيق أهدافهم.. من بينها الحرب الإعلامية لجلب الانتباه لقضاياهم.. إلا أن الأممالمتحدة توصي دوما بعد انتهاء النزاعات والصراعات بنزع السلاح في أقرب وأسرع وقت ممكن عمليا.. مقترنا مع عملية تسوية شاملة!! وحتي نقترب من بعض المثل والنماذج التي تؤكد ذلك علي أرض الواقع حاليا.. سنسرد في سطور بعض الأحداث والوقائع التي تدور معها الكرة الأرضية في المنطقة التي نعيش في جحورها أو نتأثر باحداثها حتي يومنا هذا وإلي زمان وحد قريب: 1 تردي الحالية الأمنية بالعراق.. وتزايد عمليات المقاومة وكثرة الخسائر والضحايا علي الرغم مما خرج به مؤتمر "شرم الشيخ" لدول الجوار من نتائج.. وسعي ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في إطار جولته الأخيرة بالشرق الأوسط والتي زار فيها العراق، السعودية، والإمارات ثم مصر والأردن بعدها حشد دعم إقليمي لحكومة نوري المالكي التي تعهد في مؤتمر شرم الشيخ بتحقيق خطة أمنية متكاملة إلي جانب ما أعلن من ضرورة مشاركة كل القوي السياسية والعقائدية في الخطة السياسية للدولة دون تهميش لأي دور فيها.. مع التأكيد علي وحدة العراق وعدالة اقتسام الثروة بين أبناء شعبها.. وهو ما أدي بالأممالمتحدة لاتخاذ وثيقة مؤتمر دول الجوار للعراق "بشرم الشيخ" وثيقة رسمية. وقد كان لتركيز الرئيس مبارك لتشيني نائب الرئيس الأمريكي علي أن جمود عملية السلام في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمثل خطورة كبيرة في المنطقة.. ويشكل عائقا للتعامل مع القضايا الأخري كالعراق أو المواجهة النووية مع إيران والتي تري مصر أن الحوار وإتاحة الوقت اللازم له دون مواجهة عسكرية هو الخيار الأفضل إذ إن المواجهة العسكرية لها تداعياتها الخطيرة علي المنطقة ككل!! 2 قضايا التغير المناخي وآثاره التي أصبحت تنذر العالم بتدمير بعض الأنشطة البشرية والموارد الطبيعية ومقومات الثروة الطبيعية في الدول المختلفة والتي أصبحت تقترب من مصر حاليا وفقا لتصريحات السيد جيمس براولي المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر بأن هناك حاليا مشاورات لدراسة أثر التغير المناخي في مصر ومدي الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها الموارد الطبيعية والاقتصادية نتيجة لذلك. بينما صرح الدكتور مصطفي طلبة عويضة عضو فريق الخبراء المصري عن هذا الموضوع والعالم البيئي المعروف بأن هناك 11 نموذجا رياضيا يؤكد أن نهر النيل قد يفقد من 40 إلي 60% من موارده خلال الأعوام الثلاثين المقبلة.. مما يستدعي إعادة النظر في برامج التنمية.. وعدم الاعتماد علي الزراعة وحدها أو المحاصيل المستنفدة للمياه.. كما أضاف أن احتمال تعرض ثلث مساحة الدلتا للغرق أو التملح جراء ارتفاع سطح البحر الأبيض المتوسط وهي مساحة يعيش عليها أكثر من 11 مليون نسمة. 3 القضية الفلسطينية ومحاورها الشائكة داخليا وخارجيا من صراع بين قياداتها وتنظيماتها خاصة "فتح وحماس" من جانب.. وحصار عالمي اقتصادي وسياسي واجتماعي علي السلطة والشعب من جانب آخر.. بما يمثل اقتراب كارثة إنسانية حقيقية إذا لم ينجح جميع الأطراف عربية أو أجنبية.. إسرائيلية أو أمريكية.. فلسطينية علي جميع تنوعاتها وفئاتها.. في نزع فتيل الضياع والانصياع.. واختيار توجه فرض السلام.. بوئام الأطراف الفلسطينية أولا مدعمة بمبادرة السلام العربية الأخيرة، خاصة أنه في الوقت الذي كانت تزور فيه ليفني وزير الخارجية الإسرائيلية مصر في الأسبوع الماضي اتخذت وزارة البناء الإسرائيلية قرارا ببناء 20 ألف مستوطنة بالقدس الشرقية. 4 قضية إقليم دار فور بالسودان وإصرار الإدارة الأمريكية علي سماح الحكومة السودانية بتدخل قوات مختلطة من الأممالمتحدة إلي جانب قوات الاتحاد الأفريقي في الإقليم.. هذا إلي جانب طلب المحكمة الجنائية الدولية بمثول بعض المسئولين السودانيين أمامها ومن بينهم الوزير أحمد هارون.. ورفض الرئيس السوداني لتلك المطالب والتحركات.. مستندة إلي أن مجلس الأمن قد تراجع عن القرار 1706.. بينما يؤكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مطالبه.. تؤكد السودان من جانب آخر إصرارها علي إجراء محاكمة داخلية بالسودان تحت مراقبة دولية. ومن هنا يجدر الإشارة إلي الدور والجهد الكبير الذي يبذله الرئيس محمد حسني مبارك علي إنهاء هذا الصراع والنزاع لما يمثله من خطر علي السودان الشقيق. 5 الأزمة السياسية التي تثيرها انتخابات الرئاسة التركية الآن خاصة ما بين التوجه العلماني الذي أسس قيمه ومبادئه في دولة علمانية.. كمال أتاتورك قبل ثمانين عاما واعتمد لها حزبا علمانيا وشموليا واحدا حتي بدأت التعددية الحزبية في عام 1946، ويمثله حزب الشعب الجمهوري والذي نجح علي الرغم من أنه يمثل الأقلية في البرلمان التركي في وقف العملية الانتخابية لرئاسة الجمهورية مدعوما بهيئة أركان الجيش التركي وحكم المحكمة الدستورية.. فسحب عبدالله جول ومرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم ترشيحه بعد أن كان علي قرب من كرسي الرئاسة. فهل هذا الصراع خاصة بعد تعبئة العلمانيين بتركيا لقواهم ومسيراتهم المعارضة.. سيكون علي حساب استقرار الدولة؟ أم مصالح الشعب.. أم مسيرة الديمقراطية.. فالمشهد التركي مازال مليئا بالألغام خاصة مع تأثيره علي قوي وموازين العلمانية والديمقراطية.. من جانب والأصولية ومصير الديمقراطية أيضا من جانب آخر.. وموقف الجيش التركي بينهما؟! الاحتجاجات والمظاهرات الدموية التي يواجهها الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بباكستان حاليا بعد اتخاذه قراره بإيقاف القاضي افتخار محمد تشودري كبير قضاة المحكمة العليا الباكستانية عن العمل وتحويله للمحاكمة بتهمة استغلال السلطة تمهيدا لعزله رغم قصر المدة التي شغل فيها منصبه "يونيو 2005" إلا أنه رفع شعار "العدالة العمياء" واتخذ قرارا بإلغاء خصخصة أكبر المجموعات الصناعية المعدنية الباكستانية بالإضافة إلي رفضه جمع مشرف بين قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية. وعلي الرغم من أن الجنرال مشرف رفض إعلان الأحكام العرفية للسيطرة علي تلك الأحداث.. إلا أن الغرب بلا شك أصبح يخشي أن يفتقد الجنرال مشرف الذي عرف بتعاونه الكامل معه.. كما أصبح الغرب يخشي مع ما تكشف من أحداث ألا ينجح مشرف في الانتخابات المقبلة! 7 وإذا بين هذا الخضم من الأحداث والصراعات.. الانعكاسات الدولية والداخلية حول الأحداث الجارية بلبنان.. وتطوراتها يوما بعد يوم.. هذا إلي جانب ما يجري من أحداث دامية بالصومال.. كان من أبرزها مؤخرا إعلان إثيوبيا أنها ستسحب قواتها العسكرية في حال وصول قوات الاتحاد الأفريقي لمقديشيو. فهل مازالت تلك الأحداث والصراعات وجحافل البشر المشاركة فيها أو المتأثرة بها.. في إطار الإحصائيات والنسب المئوية التي تقول إن ثلث العالم في حالة حرب أم أن المؤشرات قد تدلل علي أن الحجم والعدد يزيد يوما بعد يوم؟! وأخيرا فالسؤال المطروح من كل المراقبين السياسيين حاليا.. ويترقب الجميع الإجابة عنه.. لما يرتبط به من أهم الأحداث والتطورات العالمية مؤخرا والتي تؤكد أنه في الحقيقة "لابد أن نتوقع تغييرا في السياسة العالمية" يقول السؤال: هل دخول ساركوزي رئيسا لفرنسا لقصر الإليزيه.. بينما يخرج ويرحل توني بلير عنذا دواننج ستريت بإنجلترا.. سكيون له تأثير في تغيير السياسة العالمية وإيقاعها وابعادها؟ وهل هذا التأثير سيكون إلي الأحسن أو الأسوأ في ظل تلك الصراعات والمشاكل الدولية؟! وإذ يؤكد غالبية المراقبين السياسيين أنه لابد أن نتوقع تغييرا في السياسة العالمية والمواقف الداخلية والدولية التي ترتبط بأهم القضايا فيها.. فستشهد فرنسا عهدا جديدا يتسم بتأييد الولاياتالمتحدة دون تحفظ والتخلي عن التمسك بمنظور يعبر عن استقلالية الرأي والموقف لفرنسا عن حلفائها للحفاظ علي سياسة التوازن في مواجهة القوي العظمي.. خاصة بعد أن أعلن ساركوزي بعد نجاحه علي منافسته الاشتراكية سيجولين روايال والتي اكتسبت تعاطفا كبيرا خاصة أنها حققت نسبة 46.94 في مقابل 53.6 لساراكوزي.. فيعلن الأخير في تصريحاته ووثيقته التي خطها خلال فترة الانتخابات الفرنسية وأسماها "معا" أن التوازن في العالم مهدد بالنزوح الجماعي من أناس يعانون البؤس.. وبصدام الحضارات الذي يصنعه الإرهاب وعدم التسامح والتعصب، وبالإغراق الاجتماعي والبيئي والمالي الذي تنمو معه الدول المتقدمة علي حساب حروب اقتصادية وتجارية.. إلا أنه علي الرغم من انتمائه لليمين.. فإنه قد جاء رئيسا لكل الفرنسيين يمينا كانوا أم يسارا ويمثل فرنسا الموحدة في السياسة الداخلية.. ويدعو الفرنسيين جميعا أن يتحدوا لاستعادة ثقتهم بأنفسهم إذ إن الأزمة التي تمر بها فرنسا أزمة "هوية" وشخصية وليست أزمة أخلاقية.. ويضيف بالنسبة لتوجهاته في السياسة الخارجية.. أنه لابد من إعادة النظر في سياسة فرنسا العربية والبحث عن مخرج للصراع العربي الفلسطيني.. وأنه بالنسبة لسياسة أمريكا فيصرح بأنه علي الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يسعد بأن تتحرك أمريكا "بدون رابط" بالعراق.. فإن الرهان علي ضعف أمريكا أو إضعافها هو بمثابة سياسة قصيرة النظر وتتعارض مع مصلحة فرنسا وأوروبا... وكذا السلام!! ويؤكد المراقبون أيضا اتجاه "التغيير" في رحيل توني بلير عن ذا داوننج ستريت بلندن بعد عشر سنوات من الحكم لا يذكر الشعب البريطاني له فيها إلا توريط إنجلترا في حرب العراق كتابع للولايات المتحدةالأمريكية. ومن هنا.. فإن تولي وزير المالية البريطاني جوردون براون رئيسا لحزب العمال البريطاني ورئيسا لحكومتها في 27 يونيو المقبل.. وهو الذي بدأ حياته السياسية عندما كان في العام الثاني عشر من عمره.. ليصل لطموحه في 51 من عمره حاليا يمثل حملة لتركة داخلية وخارجية مثقلة مليئة بالأزمات.. التي تفرض عليه "التغيير" دون بديل آخر. ومن هنا نعود لبداية السطور ونتساءل: هل يعيد البشر النظر في طريقة تفكيرهم وسلوكهم لنصل لمستقبل أفضل؟