التعريف الأكاديمي للحزب هو "التنظيم السياسي الذي يعبر عن مصالح طبقة اجتماعية واقتصادية أو جزء من طبقة أو تجمع من أكثر من طبقة أو شريحة اجتماعية يقترب بعضها من بعض في المصالح والأهداف". والسؤال هنا هل هذا التعريف ينطبق علي ما لدينا في مصر (21حزباً) من احزاب؟ إن قانون الأحزاب الحالي انتج نوعين من الأحزاب احزاب طبيعية مكبلة بحكم القانون واخري مُصنعة وهي الأكثرية لا طعم لها ولا لون. قبل يوليو 1952 لم يكن في مصر قانون للأحزاب، بل كان تأسيس الأحزاب يخضع لقانون الجمعيات الأهلية، دون أي قيود سوي إخطار الادارة بتأسيس الحزب، ويعتبر الحزب قائما بمرور ستين يوما دون اعتراض الادارة. في عام 1962، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر، الميثاق الوطني الذي أسس الاتحاد الاشتراكي العربي بوصفه الحزب السياسي الوحيد في البلاد. وفي العام 1974 سعي السادات إلي تفكيك الحزب الواحد الذي أقامه عبد الناصر فقسمه إلي ثلاثة أجنحة أو "منابر". وبعد عامين، حوّل هذه المنابر إلي أحزاب فأنشأ الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب التجمع (الوطني التقدمي الوحدوي) وحزب الأحرار (الليبرالي). وفي يونيو 1977، وقّع السادات علي أول قانون مصري لتنظيم الأحزاب السياسية بعد الاستقلال (القانون رقم 40 لعام 1977، وهو "قانون الأحزاب السياسية الوطنية"، والذي نص علي أن "للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقا لأحكام هذا القانون". في يوليو 2005 أقر مجلس الشعب تعديلاتٍ طال انتظارها علي قانون الأحزاب السياسية؛ والواقع أن القانون رقم 177 لعام 2005 (القانون الجديد) أدخل عدداً من التحسينات علي قانون الأحزاب القديم. لكن القانون الجديد لم يتخلص من المعايير غير الموضوعية والفضفاضة، والتي تفرض قيوداً لا موجب لها، والتي تسمح للحكومة وللجنة الأحزاب السياسية بمواصلة منع تأسيس الأحزاب السياسية الجديدة وبتقييد الأحزاب القائمة. فعلي سبيل المثال... يتضمن القانون الجديد أنظمةً تؤثر علي مشاركة الأحزاب السياسية في الحياة العامة. فقانون عام 2005 يحدد مثلاً عدد الصحف التي يمكن للحزب إصدارها دون ترخيص، باثنتين فقط (أما القانون السابق فلم يكن يحدد عدد الصحف التي يمكن للحزب إصدارها). كما يزيد القانون الجديد من عدد الأعضاء المطلوب لتسجيل الحزب (ألف توقيع )، ومن شروط اتساع امتداد الحزب في البلاد (عشر محافظات بحيث تضم كل منها خمسين عضواً علي الأقل). وأن برنامج الحزب يجب أن "يشكل إضافة إلي الحياة السياسية من حيث أساليبه وأهدافه" وهي الشروط فضفاضة تفتح الباب أمام المزيد من الانتهاكات من قبل الحزب الحاكم. لكنه ألغي شرط كون نصف المؤسسين من العمال والفلاحين الموجود في القانون السابق وبالإضافة لذلك؛ أن القانون الجديد مازال يعطي سلطات واسعة للجنة الأحزاب السياسية. فالقانون الجديد يعهد لهذه اللجنة "بصلاحية دراسة إخطارات إنشاء الأحزاب"، ويخولها بالتعليق المؤقت لنشاط أي حزب قائم أو لنشاط قادته وإبطال "أي قرار أو تصرف مخالف اتخذه الحزب" من خلال التشاور مع المدعي العام الاشتراكي "وذلك وفق مقتضيات المصلحة القومية أو في الحالات المستعجلة". ويبقي بإمكان رئيس لجنة الأحزاب السياسية أن يطلب من المدعي العام الاشتراكي إجراء تحقيق فيما إذا كان الحزب يخرق أحد معايير المشاركة في الحياة السياسية. وعند اكتشاف مخالفة، يمكن لرئيس اللجنة أن يطلب من مجلس الدولة حل الحزب وتصفية أمواله. يبقي أن تعلم عزيزي القاريء أن رئيس هذه اللجنة هو الأمين العام للحزب الحاكم !!!!!! يضاف لذلك أن عرض رفض لجنة الأحزاب لطلب التأسيس وكذلك المنازعات التي تثور داخل الحزب علي محكمة الأحزاب وهي دائرة من دوائر القضاء الاداري بمجلس الدولة مشكلة من مستشاري المجلس وأربعة من عناصر حكومية والأعجب أن قرارات أو احكام هذه المحكمة لايطعن عليها. إن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه بأمانة وصراحة هو... هل أفرز قانون الأحزاب سواء السابق أو الحالي أحزاباً حقيقية تدير الحياة السياسية في مصر؟؟؟؟؟؟ أعتقد أننا جميعا متفقون علي الاجابة وهي أننا إذا كنا راغبين في إصلاح سياسي حقيقي فنحن في حاجة الي قانون جديد للأحزاب يعود بنا الي روح الحياة السياسية فيما قبل يوليو 1952 عندما كان حق تأسيس الأحزاب يخضع لقانون الجمعيات الأهلية من خلال اخطار الادارة بتأسيس الحزب ويعتبر الحزب قائماً بمرور 60 يوما من تاريخ التقدم ما لم تعترض الادارة. ادارة تتمتع بالحيدة والمصداقية اللازمين لتفريخ احزاب حقيقية طبيعية معبرة تعبيراً صادقاً عن الهرم السياسي في مصر. نتمني قانون احزاب يسمح لكل الوان الطيف السياسي أن تعبر عن نفسها وأن يترك للشعب الحكم والاختيار. إنني أري أن هذه هي الخطوة الأولي الأساسية التي تحقق ما نادي به السيد الرئيس من ضرورة "تفعيل دور الأحزاب" من خلال إضافة فقرة ثالثة للمادة (5) من الدستور وهي "يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية علي أساس تعدد الأحزاب، وذلك في إطار المقومات والمباديء الأساسية للمجتمع المنصوص عليها في الدستور، وينظم القانون الأحزاب السياسية" والجملة الأخيرة سيادة الرئيس هي مربط الفرس حيث اعتدنا علي أن يأتي القانون بعيداً تماما عن روح النص الدستوري وبالتالي تزداد المسافة بين النص الدستوري وتطبيقه. فهل نعيد النظر في قانون الأحزاب الحالي بحيث يأتي مفعلاً للنص الدستوري ويقصر المسافة بين النص وتطبيقه... التي تُعد أحد أهم المعايير التي تقاس بها قدرة الأمم علي النمو والتقدم. إن تفعيل دور الأحزاب السياسية لن يأتي بتسهيل شروط الترشح لرئاسة الجمهورية... بل يأتي أولاً وقبل كل شيء بتسهيل إجراءات التكوين.