لسنا مصلحين ولا ندعي هذا، وإنما قررنا أن نعبر عن أنفسنا حينما أخذنا الكتابة وسيلة.. هذه مقولة (أورهان باموك) صاحب جائزة نوبل حينما زار معرض الكتاب.. وأضيف بتواضع إذا كنا نري الفساد من حولنا كما تحدث عنه الدكتور زكريا عزمي الذي قدم طلب إحاطة عن مسابقات "0900"، ثم طرح الدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية بياناً في مجلس الوزراء كشف فيه عن تزايد حجم الفساد، وانتشار الرشاوي والمحسوبية والاختلاسات في الجهاز الإداري، وتضمن التقرير تحديد بعض المواقع التي يستشري فيها الفساد. منها المحليات والضرائب والجمارك والتوظيف والمشتريات الحكومية، وحدد التقرير بعض أسباب الفساد ومنها إساءة استغلال السلطة والتربح وعدم الشفافية في إرساء العقود، والتحايل علي اللوائح والقوانين، وتعطيل مصالح المواطنين للضغط عليهم واضطرارهم لدفع مبالغ مقابل إنهاء مصالحهم حتي أن الرشوة أصبحت إكرامية، والسبب ضعف المساءلة وتدهو الأجور!! إن كل كلمة في هذا التقرير تحتاج إلي بحوث، ولو أن أحداً منا تحدث بها كما يحدث أحياناً فإننا نقابل بأين الدليل؟ وأين المستند؟ وتتوه الحقائق أو يتأخر ظهورها لبطء التقاضي، إن الخطأ (أحياناً) قد لا يكون من صاحب القرار وزيراً كان أو مسئولاً كبيراً أو مديراً لمركز أو حتي إدارة صغيرة. فقد يأتي الخطأ منش الذين اختارهم حوله لأنهم قد يعطونه بيانات مضللة أو مزورة وهنا تقع الكارثة التي قد لا نستطيع تداركها، ولنتناول الأمثلة.. لقد وجهت التحية في مقال سابق إلي مدير مركز تطوير المناهج لأنه أصدر قراراً بعدم طبع "3.65" ما يقرب من أربعة ملايين نسخة من كتب كانت تصرف لطلابنا دون أن يقربوها لعدم اتساقها مع الواقع العملي، بالإضافة لإلغاء كتاب القيم والأخلاق الذي كان يوزع علي تلاميذ المرحلة الابتدائية لتعارض الكتاب تربوياً مع حداثة أعمار التلاميذ الذي يعد إيجابياً لإيقاف نزيف إهدار المال العام (الأهرام 28/1/2007). إن هذا القرار أنقذ ملايين الجنيهات التي أهدرت ولسنوات لا يعلم مداها إلا من أصدر القرار والذين ألفوا الكتب وطبعوها ووزعوها علي الطلاب الذين قاموا ببيعها لأصحاب محامص اللب لعمل القراطيس. والسؤال الساذج من الذي سيحاسب هؤلاء، ومن الذي طرح فكرة هذه الكتب علي صاحب القرار؟. إنه حينما طرح الفكرة كان بمثابة صاحب المحل وليس مديراً للمشروع وقتها كان يجلس علي كرسيه يأمر وينهي ويتشدق بالوطنية ثم يترك مكانه غير مأسوف عليه، ولكننا نحن الذين دفعنا الثمن بحسب تصريح الدكتور وزير التنمية الإدارية، ونحن الذين ندفع ونبتز عن طريق "0900" كما صرح الدكتور زكريا عزمي، ألم أقل: لك الله يامصر ولك أبناؤك الشرفاء إن شاء الله. ولنتناول مثالاً آخر.. ورشة عمل تحت عنوان "دمج مفاهيم القانون الدولي الإنساني في المناهج الدراسية" وجاء تحت العنوان ورشة عمل لإعداد مسودة دليل معلم لتدريس مفاهيم القانون الدولي، أن يعرف المعلم القانون الدولي الإنساني هذا شيء عظيم وهدف سام جداً، وأن يلم المعلم بمناهجه مما سيكون له أثره علي شخصية المعلم والمتعلم والمهنة وسلوكياتها وواجبات المعلم فهذا لا ينكر، لكن وزارة التربية والتعليم بالاشتراك مع جهات متعددة أخري قانونية وتربوية قد حددت 22 مفهوماً وقضية ينبغي دمجها في المقررات الدراسية منها حقوق المرأة، وحقوق الطفل، والبيئة، والتسامح، واحترام الآخرين، والوعي المروري.. فهل سنعد للمعلم دليلاً عن كل مفهوم منها أو قضية، وحسب معلوماتي أنه كانت هناك سبعة عشر كتاباً عن المفاهيم المدمجة في المقررات الدراسية كانت تطبعها وزارة التربية والتعليم بالاشتراك مع جهات أخري فمن صاحب القرار في طبعها وهل مازالت تطبع؟ وكم عدد السنوات التي طبعت فيها ووزعت علي المعلمين، أو غيرهم؟، هل وزارة التربية والتعليم ستقوم بعمل 22 دليلاً للمعلم، كل دليل يتناول قضية أو مفهوماً إلي جانب أدلة المعلم حول المناهج الدراسية وبخاصة أن لدينا أكثر من مليون معلم، وهل سيكون لها عائد تربوي. إن هناك دراسة في تربية عين شمس تحت عنوان "التشريعات المهنية في مصر ومدي وعي المعلم بها (2002) التي تؤكد أن سلسلة المستندات الورقية ناتجها وعائدها التربوي شيء مؤسف، والدليل الكتب التي تطبع بالملايين ثم لا يستفاد بها. إن هذا المعلم الذي نريد أن نبرمجه علي تدريس مفاهيم القانون الدولي الإنساني هو نفسه نريد له أن يتعرف علي اللوائح والقوانين والنشرات والقرارات الوزارية وغيرها من غابة التشريعات في وزارة التعليم نفسها. حيث نسمع قرارات ثم نفي لقرارات، إن أهم ما ينتظره المعلم أن نوفر هذه الأموال لكي تضاف إلي كادر المعلمين الموعود، وأن نستفيد من هذه الأموال في محو أمية تلاميذ المرحلة الابتدائية قبل أن نمحو أمية تلاميذ الكبار أيضاً. إن هناك ورش عمل أيضاً جاءت لدراسة أسباب ضعف التلاميذ في القراءة والكتابة لنا عنها أحاديث قادمة إن شاء الله. إن نسب الأمية بلغت أرقاماً مفزعة. والأكثر فزعاً أن قراراتنا الإدارية جاءت بالغة الخطورة حتي إننا لم نعلم الأبناء ونرسخ في مفاهيمهم التبرع بالدم مثلاً، فالمستشفيات تئن الآن نتيجة قلة المتاح من الأكياس للدم وتعرض الآلاف للموت، وأيضاً التأثير علي السياحة العلاجية. إننا نريد من الوزارة أن تعالج مشكلة كادر المعلم ليس من أجل المعلم فحسب وإنما لحل مشكلة الدروس الخصوصية التي يئن منها أولياء الأمور جميعاً، وهي مشكلة صعبة جداً، ولكن ينبغي تدارك هذا الأمر قبل أن يستفحل أكثر مما هو عليه، وأتمني ونحن لسنا المصلحين أن يكون صاحب القرار ليس صاحب المحل حينما يختار معاونيه الذين يقدمون له البحوث والدراسات والمعلومات التي ستعينه علي اتخاذ قراره، حتي لا تطبع الملايين من الكتب ثم نلقي بها لأصحاب محامص اللب، وتحية وسلاماً لكل صاحب قرار يكون في صالح أبناء مصر حتي نتلاشي السلبيات التي طرحها الدكتور أحمد درويش من إساءة استغلال السلطة والتربح وعدم الشفافية وتعطيل مصالح المواطنين مما ذكرناه في صدر المقال وتحية وسلاماً.