اقتربت مني حنان وقالت دعني اقرأ طالعك في الفنجان، فقلت: لست من اهل هذا الكلام، فردت جربني وسوف اعطيك كل البيان ثم اخذت الطبق وغطت به الفنجان وهزته ثلاث مرات ثم قلبت الفنجان وانتظرت برهة من الزمان ثم تناولته وحدقت فيه ثم هزت رأسها عدة مرات ومصمصت شفتيها علي دفعات ورفعت حاجبيها في استغراب وقالت مالم تقله القهوة من رسومات ودلالات مثل هذا كانت زهرة المرجريت. ونحن ننزع بتلاتها واحدة تلو الاخري قائلين: بتحبني مش بتحبني او تسمع نداء العربية وهي تقول نضرب الودع ونشوف البخت كلها جهالات ولكننا نمارسها لاننا نحب ان نتلمس كلمة من هنا واشارة من هنا تنير لنا الطريق. ذكرتني هذه الوسائل الغبية بما يدور اليوم من تصريحات للجماعة لقد زهقت من كلمة المحظورة والاخوان المسلمين وكنت اتمني ان تكون محظورة ليس بالقانون لان الايديولوجيات لاتحارب بالقانون ولكن لما تمثله من خطر علي الشعب اصلا ولمواجهة هذا الفكر المتطرف المدمر كما لا احب ان اناديهم بالاخوان المسلمين ولعلي اعرف عن الاسلام اكثر من الكثير منهم، لانه لايحق لهم ان يصفوا انفسهم بالمسلمين وكأن غيرهم ليسوا كذلك واعود الي التصريحات التي تطلقها بالتوالي والتوازي وبالتضاد والاختلاف لكل كلمة او جملة او فكر سبق ان اذاعوه وبثوه ونقلوه فما يقولونه اليوم ينفونه غدا ومايقوله واحد منهم ينفيه الآخر، ولا ادري هل هذه مناورات او بالونات اختبار او عدم تنسيق او ضياع، ولكني اتصور انهم وصلوا الي هذه الحالة تحت الضربات القاسمة والمتعاقبة التي شنها عليهم الكثيرون ممن يخشون علي مصر من فتنة كبري تطل برأسها علي أمن ووحدة البلاد او من غرور وعدم رؤية واضحة للامور اقول انه في احداث الاسكندرية في العام الماضي كان شباب الاقباط يزعقون كفاية، كفاية ويترنمون بتراتيل الشهادة ولا احد في العالم يعرف ما هي الشهادة مثل الاقباط لان تاريخهم كله استشهاد وقتل وتمييز بدءا من الرومان الوثنيين ثم الرومان المسيحيين وكانوا يذهبون للموت أي الشهادة وهم يرتلون وحتي الغزو العربي وليس الفتح وسامحوني في كلمة الغزو لان الامر كان كذلك وإلا ففهموني ماهو الفرق بين الفتح والغزو علي ضوء سبع ثورات "بشموية" اخمدت بأقسي انواع القهر ثم نقوم بسرد سريع للتاريخ بعد ذلك لان التعصب والشهادة كانت في كثير من الاحوال لكل المصريين وان نالت من الاقباط بحصيلة اكبر وكان هذا امرا طبيعيا اذا ما توغلنا في التاريخ ودققنا بين اضابيره، الي ان جاء رجال امناء خلصاء في ثورة 19 ليضعوا الامور في نصابها الحقيقي وبدأ الاقباط في الشعور بالمواطنة والعزة واحساسهم انهم في بلدهم وليسوا غزاة او متسللين او مهاجرين او مواطنين من الدرجة الثانية اقول ذلك لما صدر من احدهم اذا كان الاقباط غير راضين فليغادروا الديار واقول ردا علي هذا وبكل البساطة التي قيلت بها العبارة السابقة اذا كانت الجماعة لاتجد لنفسها ترحيبا فلتذهب الي اندونيسيا لتعلن دولتهم من هناك. لايوجد قبطي او مسلم آمن علي نفسه وعلي ماله واولاده يترك ارضه واهله ليهاجر واعود للتصريحات الاخيرة وقد تقدموا بمشروع دولة ذات مرجعية دينية ثم تصدر تصاريح اخري محسنة تقول حزب ديني ذو مرجعية دينية وان هذا الحزب سيضم الاقباط اما انهم يحلمون او يضحكون علي انفسهم فالاقباط لن يدخلوا اي حزب او جماعة لها مرجعيات دينية سلفية جاهلية تعرض حياتهم واموالهم وشريعتهم للضياع ويقول المثل الشعبي اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي. واري هنا انه من الضروري تبيان امر قد يكون غامضا علي البعض وهو ان الاقباط لايخافون من الاسلام الحقيقي وقد اعترف بهم وبعقيدتهم وكتابهم ولكن يخشون من المتأسلمين الذين يفسرون بعض آيات من القرآن الكريم حسب هواهم السياسي لقد عاش الاقباط والمسلمون أحباء وجيراناً في حياة مشاركة رائعة حتي جاء الغزو الفكري من العاملين بالخارج والذين تأثروا باجتهادات تميمة مودودية غزالية فطية استغلت من الجماعة فافسدت روح التجانس والترابط ووضعت مصر في حالة احتقان شديدة. ولكي أكون صادقا مع نفسي قبل غيري اقول ان هناك من الاقباط متعصبين اكثر من د. عماره. وقفة قصيرة كنت اتمني ان احضر او اطلع علي جلسات التفاهم الازهري الفاتيكاني لأعرف مايقولونه لبعضهم البعض من افكار متجانسة متشابهة وتقارب حقيقي لكي يخرج علينا بعد ذلك د. عمارة باجتهادات لا ادري ان كانوا قد بحثوها او مروا عليها مر الكرام وبالمناسبة هل شجب احد من الجماعة ما افتي به د. عمارة؟ طبعا لا لان ذلك سوف يضعهم في موضع حرج. مقبول اعتذارك يا اخي د. عمارة ولكن الندبة التي اصابت الاقباط كانت اكبر من ان يتحملوها ان مبادرة بعض المسلمين المثقفين في شجب هذا الاجتهاد قد اثلج صدور الاقباط ومع هذا ادعو د. زقزوق وهو رجل فاضل يعتز به الاقباط مثل المسلمين ادعوه الي ارسال بعض الباحثين ليجمعوا الكتب الاجتهادية التكفيرية من علي ارصفة الجوامع ويحللوها واني متأكد انهم سيوصون بحرقها وهنا لنا وقفة اخري لانه اذا ما اردنا السلام والمحبة فلتكن عقولنا عامرة وقلوبنا صافية بالمحبة، اي ان نبني ثقافة المواطنة والمحبة بدلا من ثقافة الكره والتمييز. بشيء جميل جدا حدث اخيرا وهو المناداة بالمواطنة الكاملة في الحقوق والالتزامات لان المواطنة كلمة براقة معناها عظيم ولكن يلزم تكاتف وتنسيق جهود لتفعيل الكلمة والا اصبحت اسماً علي غير مسمي، لقد اضعنا ثلاثة اجيال من شبابنا في اضابير الضياع وقد يلزم الامر لتغير المناخ الي ثلاثة اجيال قادمة. المواطنة ان هذه الكلمة التي سوف تتصدر الدستور الجديد هي في حد ذاتها دستور لوحده لانها تحوي الانتماء الذي فقدناه والمحبة التي ضيعناها ان مصر لن تنهض بيد واحدة او تطير بجناح واحد ولكن سوف تتقدم وتتطور بعقل واحد وجناحين ان المواطنة تحمل الاحساس بالآخر ومن خلال هذا الشعور يتولد الارتقاء ان المواطنة تحمل العدالة والعدالة قبل ان تكون نظاماً هي الاحساس بان المرء في وطنه آمن عن نفسه، آمن علي حصوله علي حقه ان المواطنة هي الصرخة الواحدة بعد الله اكبر لتقول ان مصر كلها جسد واحد المواطنة يا اخواني هي الاعتراف بانسانية واخوة الاخر وحقه في الحياة المواطنة يا اخواتي هي الخيمة الزرقاء التي تظلل وتحمي الجميع المواطنة هي البلسم الشافي لكل الآلام، هي الدينامو الذي سيحركنا نحو مستقبل افضل، هي الامال المعقودة في صدور المواطنين ومفتولة في سواعد العمال وفأس الفلاح وعلم العلماء وسماحة الاديان هي الهواء الذي سوف نستنشقه جميعا هي الماء الذي سوف يروي ارضنا وعطشنا هي الحياة بحلوها وحتي مرها يمكن احتماله. اذا اردت معرفة سريرة شخص استفزه وعندها سينطق بما في قلبه قبل لسانه ففي زحمة السجال الجاري سادت افكار كريهة مثل مضاعفة الجزية علي المسيحيين وهو الاسم الحقيقي لكلمة الضرائب لان المواطنة الكاملة تحقق المساواة وليس التفرقة ولعل هذا بالتالي هو عدم قبول الاقباط في الجيش للدفاع عن ارضهم ووطنهم اي يصبحوا غرباء في بلدهم ثم تغير جذري لمفهوم البرلمان ليكون داراً للشوري الذي لايدخله الاقباط كذلك تماما مثل البنوك الاسلامية ماهذا الهذر في اوائل الالفية الثالثة؟ ولاتمام هذا الكلام غير المسكوت عنه يقولون "واعطائهم حقوقهم يفرد لها بند خاص بالدستور" اي دستور هذا؟ إذا كان الامر كذلك فما فائدة المناداة بالمواطنة ولا وضع دستور جديد أليس هذا من نكد الدنيا!! هل نحن نضحك علي انفسنا؟ اذا كان الامر كذلك كرها فلن نضحك علي العالم، لانه سوف يضحك منا وعلينا. دعونا ننسي الماضي بآلامه وعبله دعونا ننظر الي المستقبل لنبني مصر من جديد دعونا نتكاتف ثقافيا وعلميا لنعوض ما فاتنا دعونا نحافظ علي ثروة البلاد فهي امانة في عنقنا للاجيال القادمة.