اذا لم يكن لديك شيء تفعله، او لم تكن لديك كلمة تقولها، او تريد ان تخطف بعض الاضواء الاعلامية، او تريد ان تضع الحكومة المصرية في حرج، فما عليك الا ان تفتح ملف اتفاقيات كامب دافيد وتضع علي اكتافها كل الامراض والاوجاع المصرية، وفي الاسبوع الماضي طالب السيد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين بالتحري عن اتفاقية كامب دافيد معتبرا اياها سببا للتخلف الذي تعيش فيه مصر والسبب الرئيسي لتدهور الاوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، وفي نفس الندوة اضاف الدكتور عزيز صدقي المنسق العام للجبهة الوطنية من اجل التغيير بتصحيح الخطأ التاريخي للاتفاقية ومن بعد حديث المرشد العام والمنسق العام توالت الاتهامات علي الاتفاقيات الملعونة لانها همشت دور مصر اقليميا لانها ابعدتها عن الصراع العربي الاسرائيلي ولانها جعلت مصر تابعة للقرار الامريكي وبعيدة عن محيطها العربي ولانها تلزم الحكومة المصرية بوضع يدها في يد القتلة الاسرائيليين. وبالطبع فإن هذه لم تكن هي المرة الاولي، ولن تكون بالتأكيد المرة الاخيرة، فمولد سيدي كامب دافيد من الموالد التي لا تحدث مرة واحدة كل عام بل هي نوع من الطقوس المصرية الموسمية، وكما في كل الموالد فإنه يعكس حالة من الغيبوبة السياسية عما يجري بالفعل في ساحة الصراع العربي الاسرائيلي فقد جاءت المناسبة الاخيرة بينما كان اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني من منظمة حماس المناضلة يزور القاهرة ومن قبله كان السيد خالد مشعل يزور المحروسة ايضا لكي يعلن مبادراته للسلام بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وهو ما سعت اليه اتفاقيات كامب دافيد، وقبل ذلك بفترة قصيرة كان السيد بشار الاسد رئيس الجمهورية السورية قد قدم مجموعة كبيرة من المبادرات من اجل استعادة الجولان دون النزول الي بحيرة طبرية، اي وفق الاسس التي قامت عليها اتفاقيات كامب دافيد، وبين هذا وذاك كان مسئول سعودي بارز قد قابل يهود المرت لكي يتفقا علي تطبيق مبادرة السلام العربية التي تقوم علي اعتراف كل الدول العربية بإسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية معها، مقابل الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة اي وفق نفس القواعد التي ارستها اتفاقيات كامب دافيد. فهل كان المرشد العام والمنسق العام وكل الانواع من القادة التي تحمل مناصب مثل السكرتير العام والامين العام لحركات سياسية حقيقية او وهمية غير عارفين بالتطورات التي تجري في المنطقة والتي تجعل ما يقولون به عن كامب دافيد نوعا من المسخرة السياسية ولكن كثيرين في الجمع السياسي المصري يدمنون الموالد التي هي بحكم التعريف تكثر فيها الالوان الفاقعة والقائمون بأعمال الحواة ولعب الورقات الثلاث، ومع كل ذلك التطوح علي اهازيج واناشيد وروايات عنترة بن شداد والزناتي خليفة، وفي الموالد لا يحاسب احد علي ما يقول، فلا يسأل احد ما هي العلاقة فعلا بين اتفاقيات كامب دافيد والتخلف المصري، وهل كان استمرار احتلال الاراضي المصرية سوف يجعل مصر اكثر تقدما؟، وما هو النص او القاعدة في الاتفاقية التي تمنع مصر من ان تكون أكثر نظافة او اكثر ديمقراطية او أكثر تصنيعا او يمنعها من معاونة الدول العربية التي تتصارع مع اسرائيل او التي تتصارع اكثر مع بعضها البعض؟ لماذا يطلق مثل هذا الكلام علي عواهنه، ولا يوجد في الساحة المصرية.. من يطرح التساؤلات والاسئلة علي الجماعة التي تشغل وقت فراغها بتحضير مصر للاحتلال مرة اخري لكي تفخر بعملية نضالية من اجل التحرير مرة اخري، والاخطر لماذا تسكت الاجهزة الحكومية والصحف القومية فلا تجد الا من ينظرون الي الناحية الاخري كلما ثارت المسألة لان حالة التعبئة والكذب العام قد وصل الي درجة لم يعد يرغب في مواجهتها او الرد عليها او وضعها موضع التقييم، او ان كامب دافيد قد باتت مثلها مثل باقي وقائع الصراع العربي الاسرائيلي هي المشجب الذي نضع عليه كل انواع الفشل والتخلف والتأخر؟ ولكن المسألة في حقيقتها ربما باتت اخطر من ذلك، فعملية التعبئة الداخلية المستمرة ضد كامب دافيد قد خلقت قنوات بشرية ومادية بين مصر وفلسطين اخذت في تقييد الحدود المصرية بالانفاق التي باتت ممرات للسلاح والمخدرات، والاخطر حركة الارهابيين بين قطاع غزة وسيناء، وفي عملية دهب الارهابية الاخيرة كان الارهابيون قد تلقوا تدريبهم في غزة علي يد منظمة جيش الاسلام الذي يسير علي طريق تنظيم القاعدة، وببساطة فإن الذكر في موالد رفض كامب دافيد لم يعد وسيلة للتنفيس عن جماعات سياسية لا تجد ما تقوله في قضايا الوطن الاساسية المتعلقة بالتنمية والديمقراطية، وانما بات وسيلة للشحن والتحريض ضد السيادة المصرية وسلطة الدولة علي اراضيها، مثل هذا الخطريكاد يكون موجودا في معظم البلاد العربية حيث تعمل جماعات سياسية كثيرة علي تقويض سلطة الدولة علي اساس من المقاومة او من العمل الديمقراطي، وفي النهاية فإن ذلك سوف يسقط علي رؤوس الجميع. لقد مضي اكثر من ربع قرن علي توقيع اتفاقيات كامب دافيد ومن بعدها تغيرت مصر وتغير العالم، وكان التغيير احيانا للاحسن، وفي احيان اخري كان للاسوأ ولكن في كل الاحوال فقد اصبحت كامب دافيد جزءا من التاريخ الذي حدث فيه تحرير الاراضي المصرية المحتلة، وبقي بعد ذلك مسئوليتنا نحن عما فعلناه بالتحرير والاستقلال، فرجاء لا تخرجوا علي الموضوع الاساسي وهو ما الذي يمنعنا من التقدم والديمقراطية حقا، وهل هناك احتمال ان واحدا من المعوقات الاساسية هذه الجماعة التي لا تكف عن الضغط من اجل توريط مصر في حرب جديدة واحتلال جديد، وصرف الانظار عن مشكلات مصر الحقيقية بمولد كامب دافيد الدورية.