منذ أن انطلق العدوان الإسرائيلي الغاشم علي لبنان ومشاعر الشعوب العربية في حالة غليان وهيجان جراء ما يرتكب في حق الشعب اللبناني الشقيق من مذابح يندي لها الجبين ونتيجة لتصريحات النظم العربية أو تلك التي يطلق عليها الإعلام الأمريكي "النظم المعتدلة" والتي جاءت مخيبة للآمال بعد ان قبل قادتها الانبطاح للهيمنة الأمريكية. وبعد مرور أسبوع علي العدوان الذي راح يفتك باللبنانيين العزل والأطفال إلي جانب استهداف البنية التحتية اللبنانية صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بأن الحرب الدائرة فرصة لصياغة شرق أوسط جديد خاليا من التهديدات السورية والإيرانية التي من وجهة النظر الأمريكية تمثل خطرا محدقا علي الأمن الإسرائيلي . ووصفت رايس العدوان الإسرائيلي باَلام الولادة التي سيتمخض عنها شرق أوسط جديد. وما إن تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريحات رايس حتي تفجرت المشاعر العربية بمزيد من الكراهية للولايات المتحدةالأمريكية التي لم تكتف بإمداد الدولة العبرية بالأسلحة والقنابل التي تفتك باَلاف الأبرياء يوميا بل تسعي جاهدة إلي رسم صورة جديدة لشرق أوسط يأتي علي هواها . وليس خافيا علي أحد اصرار الإدارة الأمريكية منذ بدأ العدوان علي عدم المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار. بل علي العكس تسربت تقارير منذ الأيام الأولي للعمليات العسكرية الإسرائيلية تفيد بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بأن تشن عدوانها الشامل علي لبنان لفترة محددة قبل أن تتدخل لاستصدار قرار دولي يطالب بوقف إطلاق النار. ويلعب اللوبي الصهيوني دورا محوريا في الضغط علي الإدارة الأمريكية من أجل تبني مواقف تخدم اسرائيل علي طول الخط . وبالتالي لم تكن فكرة "شرق أوسط جديد" بالجديدة علي العقلية الصهيونية التي طالما تحدثت عن التعايش السلمي مع الجيران العرب في الوقت الذي يرتكب زعماؤها الصهاينة مجازر وحشية دون أن يطرف لهم رمش. وفي عام 1993 صدر كتاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ونائب رئيس الوزراء الحالي شيمون بيريز بعنوان "شرق أوسط جديد" تحدث خلاله حول وجوب سعي اليهود والعرب إلي إقامة علاقات اقتصادية بشكل ينعكس علي عملية السلام المتجمدة بينهما. من جهة أخري ووفقا لما تراه جريدة الأيام الفلسطينية تخفي الرؤية الأمريكية لشرق أوسط جديد خطة لفرض الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية علي الإقليم بالتخلص من الخيار الوحيد أمام العرب وهو المقاومة عن طريق تدمير حركاتها في فلسطين كما يحدث مع حماس وفي لبنان من خلال الحرب التي تشنها اسرائيل علي حزب الله. بينما تري جريدة الخليج الإماراتية أن الدعوة الأمريكية لشرق أوسط جديد جاءت كمحاولة للتغطية علي الفشل الذي منيت به الإدارة الأمريكية في العراق . وتفسر وسائل الإعلام الأمريكية الشكوك العربية إزاء الدعوة الأمريكية بأنها تعود إلي الهوس العربي الدائم بنظرية المؤامرة إلي جانب المرارة التي يشعر بها العرب إزاء السياسات الأمريكية في المنطقة بوصفها متناقضة ومتحيزة لإسرائيل. ومنذ نكسة الحادي عشر من سبتمبر التي أظهرت الشرخ الواضح في نظم الأمن الداخلي الأمريكية عكفت إدارة بوش الإبن علي اجتثاث الأنظمة والحركات المتشددة في العالم تحت دعاوي جلب الديمقراطية لشعوبها حتي لو كان هذا بإراقة شلالات من الدماء كما حدث في أفغانستان والعراق ولا يزال يحدث حتي هذه اللحظة . وبعد أن نجحت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات الفلسطينية التشريعية و تزعمها الحكومة الفلسطينيةالجديدة في تعبير صريح عن شعبيتها في الشارع الفلسطيني لم ترض الإدارة الأمريكية بهذا فعزلت الحكومة الفلسطينية اقتصاديا مما أدي إلي تدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين لكنهم صمدوا واحتملوا.