ربما يسأل الشباب: ما هي دوائر الانتماء في حياتنا، إذا كان الانتماء هكذا مهما وهكذا مفرحاً؟ هناك دوائر متعددة، تتسع شيئاً فشيئاً فتخلق من الإنسان، إنساناً كونياً، أي أن يتسع قلبه ليشمل الكون بأسره، لأنه اختبر الحب اللانهائي، الذي هو الله، وهذه بعض الدوائر: 1- دائرة الأسرة: وهي أضيق الدوائر، ولكنها مهمة، فالإنسان المنتمي إلي أسرته سيحب والديه وأخوته، ولن يفعل ما يشين أسرته، أو يعوق مسيرة أخوته. تصوروا عضواً في الأسرة وقد انحرف أو فسد.. ألا يؤذي الأسرة كلها في سمعتها! ولو أن فتاة انحرفت مثلاً، ألا تعطل زواج أخواتها. وبالعكس، فالعضو المتدين الصادق في تدينه، والمخلص في انتمائه، سيفكر في أسرته قبل نفسه، لأنه إنسان غير أناني، يعطي قبل أن يأخذ وحتي دون أن يأخذ. 2- دائرة الطائفة: أي الطائفة الدينية التي ينتمي إليها الإنسان مثل الأرثوذكسية والكاثوليكية في المسيحية، السنة والشيعة في الإسلام. وهذا لا يعني التعصب، بل التمسك بمعتقدات آمنت بها، دون إساءة إلي الطوائف الأخري. وبخاصة أن الطوائف اختلاف في الفروع، أما الأصول فهي واحدة. والتدين يعلمنا أن نكون متسعين حتي للغريب، واليتيم، والأرملة، والضعيف، وأن نصلي من أجل الرئيس، والوزراء والزروع والثمار، والمياه، والأهوية، والنيل..إلخ. 3- دائرة التدين: فالأرثوذكسي الصادق يحب أخوته المسيحيين في الطوائف الأخري، كالكاثوليك والإنجيليين في صدق يبرهن علي سلامة مسيحيته. والسني والشيعي يشعران بوحدة أصول الدين الإسلامي اللذين ينتميان له. والانتماء الديني لا يعني التعصب ضد الأديان الأخري، بل المحبة المتبادلة، واحترام الآخر، والحوار بالحسني. 4- الانتماء للوطن: ومن منا لا يفخر بانتمائه لمصر؟ إن قلوبنا تهتز فرحاً حينما نسمع نشيداً لمصر، أو حينما نسمع عن انتصار مصري حققه أبناء مصر، سواء في ميادين السياسة أو العلم أو الفن أو الأدب أو الرياضة أو غير ذلك... فما أسعدنا بتاريخنا، وحضارتنا، وآثارنا، وروحنا المتميزة. ما أسعدنا بمصر... التي باركها الرب منذ القدم، ووطأتها أقدام المسيح، والقديسين، والأنبياء.. كيف لا نسعد بالانتماء لها؟ وكيف لا نتقدم لخدمتها، ونرفع رايتها عالياً في كل المحافل الدولية؟ وهنا أهمس في أذنك يا أخي الشاب، ويا أختي الشابة: هل يشارك كل منكما في واجبه الوطني بالعمل الجاد، والأمانة الصادقة، والمواطنة الصالحة؟ وهل يقوم كل منكما بدوره الوطني في تقديم الفكر والرأي والنموذج، سواء في مجاله الصغير، أو في المجالات العامة كالجمعيات والنقابات والأحزاب والانتخابات؟ إن السلبية في هذه المجالات دليل علي عدم الانتماء. 5- الانتماء للبشرية: هل من الممكن أن نري الدم العراقي يسيل أمامنا كل يوم، ولا نذوب حسرة؟ وهل من المعقول أن نري الشباب الفلسطيني يسحقه الاحتلال الإسرائيلي المجرم، ولا نعيش معه أحاسيسه؟ شباب يطالب بحقه في الحياة، والوطن، والكرامة الإنسانية، وهي أبسط حقوق الإنسان، ويصرخ في وجه العدو الذي اغتصب أرضه وهويته بالسلاح، وعالم يتفرج في سلبية بغيضة، وكيف لا أحس بالتعاطف معه، والدين ضمير وحق؟! المطحونون في الأرض بالجفاف والمجاعة، والظلم والقهر وملايين اللاجئين في كل مكان، كيف لا نحس بهم. والكتاب المقدس يقول: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد" (عب 13:3). إن التدين الحقيقي يجعلنا نلتزم بقضايا المجتمع، والأديان هي ضمير العالم، تحتضن كل البشرية، وتجتهد في نشر المحبة والعدالة والخير بين الناس.