كان هذا هو عنوان التقرير الخبري المنشور في صحيفة "التايمز" والذي كتبه "طاهر الدين" و"تيم البوني" مراسلا الصحيفة في أفغانستان. يقول المراسلان انهما قد التقيا صدفة مقاتلين من "طالبان" علي مسافة لاتزيد علي 15 ميلاً من القاعدة البريطانية في "جيريشيك"، بينما كان هؤلاء المقاتلون يقومون بكل جرأة بنصب نقطة تفتيش علي الطريق المؤدي إلي القاعدة البريطانية في "لاشكارجاه"، وأنهم قد أمروا السيارة التي يستقلها الصحفيان بالتوقف وطلبوا التعرف علي شخصيتهما. وعندما فعلا ذلك قال لهما قائد المجموعة إن هذه المنطقة هي منطقتهم "منطقة طالبان"، وإنهم لا يأبهون بالقواعد البريطانية الموجودة علي مسافة 30 ميلا إلي الجنوب من هذه النقطة، وانهم يمثلون القانون في هذه المنطقة، وانهم سينتقمون من "الكفار الذين احتلوا البلاد ومن الأفغان العملاء الذين يتعاونون معهم". وهو كما يقول الصحفيان نفس فحوي التهديد الذي سمعاه في موعد لاحق من اليوم من "الملا محمد قاسم فاروقي" قائد "طالبان" في مقاطعة "هلمند" في أول مقابلة يجريها عبر هاتفه الذي يعمل بالأقمار الاصطناعية من موقع سري مع وسائل إعلام غربية حيث قال لهما: "ان الرسالة التي أوجهها لبلير ولبريطانيا كلها هي: لا ترسلوا أبناءكم إلي هنا لأننا سنقوم بقتلهم، وإن وضع قوات قوي في المنطقة وعددها قد وصل إلي 3000 رجل، وهناك آلاف غيرهم ينتظرون مجرد إشارة للانضمام لقوات التنظيم" بوش العاجز عن الإنسحاب والحكومة العراقية المحاصرة! أخيراً صادق البرلمان العراقي في العشرين من مايو الجاري, علي مجلس الوزراء الذي اقترحه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي, وذلك بعد خمسة أشهر من انتخابات ديسمبر الماضي, علي أن تقضي الحكومة المجازة دورتها كاملة. وسرعان ما جاءت استجابة الرئيس بوش لهذه الخطوة ,علي أنها تمثل تطوراً كبيراً وعلي درجة من الأهمية لبروز العراق كدولة حرة ديمقراطية مستقلة. ومن جانبه طار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلي بغداد في الثاني والعشرين من الشهر الحالي, زاعماً أن إعلان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة, إنما يشير إلي "بداية جديدة" سوف تمكن العراقيين من الإمساك بزمام أمرهم وتولي إدارة شؤوهم. ولعله من المفهوم أن تصدر عن الرئيس الأميريكي وحليفه البريطاني مثل هذه التعابير المفعمة بالتفاؤل والأمل, بحكم مسئوليتها عما يجري في العراق. غير أن إمعاننا النظر إلي ما طرأ من تغيرات تشريعية جرت هناك منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل من عام 2003, إنما يعيد إلي الذاكرة أصداء التعابير ذاتها التي جري ترديدها من قبل, بينما يواصل العراق انزلاقه إلي هاوية الفوضي والعنف الدموي. فما أن أطيح بنظام صدام حسين "البعثي", حتي أنشئ "مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية" التابع للبنتاجون, برئاسة الجنرال "جي غارنر", في أول خطوة من نوعها قصد منها فتح كوة جديدة لآمال وتطلعات الشعب العراقي. وفي الحادي عشر من أبريل 2003, تحول ذلك المكتب إلي "سلطة التحالف المؤقتة", بينما تم استبدال "جي جارنر" ب"بول بريمر" في الحادي عشر من مايو من العام نفسه. فما كان من هذا الأخير إلا أن سارع بتسريح الجيش العراقي, في وقت بدأت تلوح فيه نذر تمرد واضح وبالغ الخطر. ثم حدثت قفزة أخري كبيرة في مطلع مارس عام 2004, لدي المصادقة علي الدستور العراقي المؤقت, تلاها نقل السلطة من يد التحالف إلي سلطة عراقية مؤقتة, بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي, في الثامن والعشرين من يونيو عام 2004. وكان قد نظر إلي علاوي في واشنطن علي أنه "نوّارة" العراق ووجهه الجديد. وكانت المهمة الرئيسية لعلاوي هي الإعداد لانتخاب الجمعية الوطنية المؤقتة. وبالفعل أجريت تلك الانتخابات في 30 يناير عام 2005, ووصفت بالنزاهة والفاعلية علي رغم الجهود التي بذلها التمرد من أجل تقويضها والحيلولة دون إجرائها. ثم تكللت تلك الخطوة باقتراع العراقيين في الخامس عشر من أكتوبر 2005, عبر استفتاء شعبي عام علي مسودة الدستور الجديد, لتليها خطوة انتخاب الحكومة العراقية الدائمة في15 ديسمبر المنصرم. وإذا ما نظرنا إلي كل هذه الإنجازات علي الورق, فلا شك أنها كبيرة وباهرة. لكن وفي المقابل, فإن ثلاث وظائف أمنية قيادية لا تزال شاغرة حتي الآن هي: وزير الدفاع ووزير الداخلية والأمن القومي, في حين يتصاعد عدد الضحايا والقتلي يومياً في الشوارع والمدن. والأكثر خطورة أن هناك الكثير من الشواهد والقرائن مما يشير إلي طغيان العنف الطائفي علي التمرد فيما نري من تزايد في عدد القتلي هناك. أضف إلي ذلك كله ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً من تقارير تشير إلي تفشي ممارسات الفساد وعدم الولاء في أوساط صفوف قوات الأمن العراقي. ولكل ذلك يظل مفتوحاً السؤال حول ما إذا كانت الحكومة العراقية الدائمة المنتخبة للتو, ستتمكن من وقف هذا التدهور الأمني أم لا؟ ومما لا شك فيه أن لهذا الوضع انعكاسات وتداعيات خطيرة علي مصير الرئيس بوش في الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل. فالعراق هو الذي سيقرر أصوات الناخبين الامريكيين, خاصة في حال عجز إدارة بوش عن سحب عدد كبير من القوات الامريكية المرابطة حالياً هناك. وفي المقابل, فربما يتأثر سلباً انتقال السلطة من توني بلير إلي وزير خزانته جوردون براون, ما لم يطرأ تحسن ملحوظ علي الوضع العراقي.