شرعت إدارة بوش في التحرك لإنشاء نظام جديد مضاد للصواريخ في أوروبا، بهدف وقف أية هجمات محتملة علي الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الأوروبيين. ويهدف هذا المشروع الأمريكي الذي جاء في خضم موجة من المخاوف والقلق إزاء شبهة الأسلحة النووية التي تحوم حول برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، إلي إنشاء عشرة نظم مضادة للصواريخ في أوروبا بحلول عام 2011 هذا وتعد بولندا وجمهورية التشيك من بين الدول التي ربما يقع عليها الاختيار لتنفيذ هذا البرنامج الدفاعي. ويقول مسؤولون من "البنتاجون" إن توصية محددة بالمواقع الأوروبية المقترحة، يتوقع تقديمها إلي دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي خلال الصيف الحالي. وقد طلبت "البنتاجون" من الكونجرس التصديق علي مبلغ 56 مليون دولار لبدء العمل التمهيدي في هذا البرنامج طويل الأمد، غير أن هناك مؤشرات رفض من جانب الكونجرس لهذا الطلب. وعلي أية حال فالتكلفة الكلية لهذا البرنامج _بما فيها تكلفة الصواريخ الاعتراضية نفسها- تقدر بحوالي 1.6 مليار دولار. ومن المتوقع أن تكون لهذا البرنامج الدفاعي الأمريكي عواقب سياسية كبيرة في منطقة شرق أوروبا. ومن شأن نشر مضادات صاروخية في بولندا، علي سبيل المثال، إنشاء أول قاعدة لوجود عسكري مستديم في أراضيها، إلي جانب إسهام تلك القاعدة في توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين. لكن رغم تعرض التقارير والإفادات الصادرة عن الكونجرس لهذا البرنامج، فإن الأنظار الأمريكية لم تتجه إليه بعد، ولا يوجد له صدي يذكر حتي الآن في أمريكا، بينما ثار نقاش وجدل واسع النطاق حوله في الأوساط البولندية، وبادرت روسيا علي الفور إلي اتهام الولاياتالمتحدة بالسعي إلي تمديد نفوذها ووجودها العسكريين في بلدان حلف "وارسو" السابق. ولم تقف ردود الفعل الروسية عند هذا الحد فحسب، بل تخطته إلي سعي الجنرال "يوري إن. بالويفسكي"، رئيس أركان الحرب الروسي، إلي تأليب المعارضة البولندية ضد البرنامج الأمريكي المذكور. وفي شهر ديسمبر الماضي قال الجنرال بالويفسكي لصحيفة "جازيتة وايبروكشا" البولندية: "ماذا نحن فاعلون؟ هل نوافق علي بناء تلك القاعدة؟ إن عليكم تدبر العواقب والنتائج التي ستقع علي رؤوسكم بعد بنائها. ومن جانبي فلست أري نزاعاً نووياً بين روسيا والغرب، وليست في بالنا أية خطط بهذا الشأن. لكن في الوقت ذاته، علينا أن ندرك أن الدول ذات الصلة بدرع صاروخي كهذا، هي التي تزيد من درجة مخاطرها وتهديداتها الأمنية للآخرين". ويعد هذا البرنامج الخطوة الأكثر حداثة في سلسلة برامج الدفاع الصاروخي الأمريكية التي بدأت بتصور إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان الباهظ التكلفة لبناء درع صاروخي في الفضاء. وبعد ذلك التصور بنحو عشرين عاماً، وبتكلفة مالية تصل مليارات الدولارات، واصلت إدارة بوش تنفيذ برامج دفاعية صاروخية محدودة نوعاً ما، لا صلة لها البتة بإبطال مفعول الأسلحة النووية علي نحو ما عبرت عنه تلك الرؤية الشهيرة المنسوبة لريجان. وبدلاً من ذلك، فقد اقتصرت البرامج التي تبنتها إدارة بوش علي درء المخاطر والتهديدات الأمنية المحتملة، التي ربما تتعرض لها أمريكا من دول مثل كوريا الشمالية وإيران. هذا وقد جعل بوش من هذه البرامج أولوية قصوي له ما أن تسلم منصبه ومهامه الرئاسية في البيت الأبيض. وحرصاً منه علي تمهيد الطريق وإخلائها أمام نشر البرامج والنظم المضادة للصواريخ، بادر أولاً بالانسحاب من معاهدة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية المبرمة مع روسيا. وقد جري إنشاء تسعة من المضادات الصاروخية سلفاً في مدينة فورت جريلي بولاية ألاسكا، واثنين آخرين في قاعدة فاندربيرج الجوية بولاية كاليفورنيا، في إطار خطة أوسع وأشمل تتبناها وزارة الدفاع وتعمل علي التخطيط لها. ويتألف كل واحد من تلك النظم الاعتراضية، من صاروخ يحمل ثقلاً ناسفاً بزنة 155 رطلاً، يصمم خصيصاً لملاحقة الرأس الحربي لصاروخ العدو والاصطدام به. ورغم أن هذه النظم لا تزال قيد الدراسة والاختبار، فإن "البنتاجون" قالت من ناحيتها إنه في الإمكان التعجيل باستخدامها عند الضرورة أو في حال وقوع كارثة أمنية عسكرية ما. ولكن من رأي منتقدي هذا البرنامج، أنه لا يرقي إلي مستوي التحدي الأمني، وأن أداءه لا يزال ضعيفاً للغاية، علي حد قول فيليب كويل، الرئيس السابق لمكتب التقييم والاختبارات العملياتية في "البنتاجون". وأكد كويل أن الوزارة لم تتمكن من إجراء اختبارات ناجحة لأي من هذه البرامج علي مدي الأربع سنوات الماضية.