اصطلاح "الجودة" في القرن الواحد والعشرين لم يعد ترفا.. حيث بات من الواضح ان البقاء ليس للجيد فحسب بل "البقاء للوجود"، ذلك قانون البقاء علي الساحة الدولية الجديدة بعد ان فرضت التغييرات نفسها علي الجميع من تحرير للتجارة العالمية فضلا عن حماية "الملكية الفكرية".. وعلي كل من لم يستوعب ذلك المعني القاسي علي الضعفاء ان يحمل عصاه ويرحل وينسحب من ميدان العمالقة الجدد في اوروبا ثم النمور الاسيوية من جهة والتنين الصيني الاصفر من جهة اخري.. فالوقت ليس في صالح المتباطئين والمتواكلين داخل حلقات الدروشة والتغييب العقلي الذي يؤدي حتما الي الجمود فالانحدار ثم الاندثار.. ذلك بعد العودة التاريخية والعلمية والاقتصادية للدنياصورات وانبعاثها من عصور ما قبل التاريخ في صورتها الحضارية الحديثة. عندما شرعت مصر في بناء السد العالي اصدر الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" قرارا جمهوريا بإنشاء وزارة السد العالي ونص قرار انشائها علي انها وزارة مؤقتة بمعني ارتباطها بالفترة الزمنية لبناء السد العالي.. ولعل من الامور الملفتة للنظر في هذه السابقة التاريخية لوزارات مصر ان انشاء الوزارة المؤقتة كان من الامور المستحدثة لمواكبة ظرف قومي وحضاري نادر وهو بناء السد العالي ذلك المشروع العملاق.. الا ان ما يلفت النظر اكثر من ذلك بعد التأمل في مهام الوزارة انها كانت من الوزارات التي حملت علي عاتقها موضوع "الجودة الشاملة" حيث ارتأت القيادة السياسية في ذلك الوقت ان القضية ليست مجرد بناء صرح قومي يحمل ملامح وسمات العزيمة المصرية فحسب بقدر ما هو مشروع عملاق لابد واضحا ان تتوافر له مقومات الحماية الواجبة تحت مظلة الجودة الشاملة كأحد مشروعات الدهر الخالدة.. اما عن البعد القومي من وراء انشاء وزارة مؤقتة للسد العالي فيمكن ان نؤكد هنا ان الهدف الاسمي من وراء ذلك هو تأكيد السيادة المصرية حتي لو تم اسناد المشروع الكبير الي الاتحاد السوفيتي السابق.. او بمعني آخر هو خلق نوع من توازن اصدار القرار القومي جنبا الي جنب مع القرار السوفيتي صاحب امتياز الاشراف العام علي المشروع حتي لو كان داخل اطر تعاونية واقتصادية بحتة وذلك علي سبيل تأكيد المعني الواسع للسيادة من خلال صيغ جميع القرارات علي ارض مصر بالصبغة القويمة.. وفي تقديري ان قرار انشاء وزارة السد العالي في ذلك الوقت من النقاط القومية والجوهرية التي تحسب للرئيس الراحل جمال عبد الناصر! من هذا المنطلق التاريخي نؤكد ان الوقت قد حان لانشاء وزارة للجودة الشاملة في مصر وضرورة الاقلاع عن سياسات اللجان العامة واللجان المنبثقة التي اثبتت بجدارة الفشل التاريخي لها علي ممر العصور الوزارية في مصر بعد ان اصبحت قضية الجودة تعني في المقام الاول قضية "نكون أولا نكون" وسط العمالقة القدامي والجدد ايضا.. وبعد ان اصبحت "الجودة الشاملة" جزءا لا يتجزأ من السياسات الاقتصادية والصناعية علي مستوي العالم.. وبعد ان باتت الضرورة الملحة تفرض علينا انشاء هيكل متكامل يقنن سياسة الجودة الشاملة بكل اعبائها لمواكبة التسارع العالمي لاثبات الذات.. وهذا المعني لا يتوافر الا في وزارة لادارة دفة الجودة الشاملة بما لها من سلطات دستورية وتنفيذية تستمد معطياتها من روافد عديدة علي رأسها التقدم التكنولوجي الذي وصل الي حدود "التكنولوجيا فائقة الدقة" Hi - TECH كذلك روافد البحث العلمي بعد كفيله بصورة جيدة فضلا عن الاتصال بالمجالس القومية المتخصصة واحتواء كل الدراسات والابحاث التي تناولت مفهوم الجودة الشاملة واجراءات تأكيدها علي كافة الاصعدة بشكل واقعي من اجل الوصول بهذا البلد الطيب الي بر الأمان بعد ان بدأت بعض الاصابع المشبوهة تلعب علي أوتار القانون الداخلي والقانون الدولي سعيا وراء الكسب غير المشروع حتي ولو علي حساب ارواح البسطاء والغلابة عن الكادحين الذين باتوا منتقدين لأبسط قواعد الحماية الواجبة كأحد حقوق "المواطنة"! وغرق "العبارة السلام 98" وما اثير حول ملابسات الكارثة من جدل لا يجب بأي حال من الاحوال ان يمر مرور الكرام كما عودتنا الكوارث العظمي طالما ترددت بشدة عبارات "معايير الامن والسلامة" التي تتفرع من منظومة "الجودة الشاملة".. يجب فتح الملف بشدة وعدم غلقه من اجل حماية الحاضر والمستقبل.. وفي تقديري ان كارثة العبارة السلام 98 وما قبلها من كوارث مشابهة قد شكلت لدي الرأي العام في مصر سواء علي المستوي الشعبي او المتخصص قضية امن قومي مما يستلزم ضرورة انشاء وزارة تشرف وتتابع وتطبق مفهوم الجودة بمعناه الواسع لتحقيق معايير الامن والسلامة في كل اوجه النشاط والتي تتعلق بأمن وسلامة المواطن.. في الوقت الذي تتنافس فيه شركات التأمين علي المخاطر لجذب العملاء في نهاية الامر لا يعتبر ذلك حلا جذريا لمشكلة المخاطر وإن كان ذلك لا يعتبر سوي احد انواع "العناية اللاحقة" اذا وضعنا في الاعتبار ان كل شركات التأمين لا تعمل الا في مناخ كارثي.. وبالتالي فإن ظهور وزارة للجودة الشاملة فذلك معناه هو تفعيل مبدأ "العناية السابقة" من خلال "التدابير الاحترازية" الواجبة لمنع حدوث الكوارث الجائعة لأرواح البشر في البر او في البحر!. وعند هذه النقطة بالذات لم نجد مفرا من التعرض لمفهوم "الجودة" ومراحل تطورها كأول دراسة قد تسهم في ترسيخ فكرة انشاء وزارة للجودة الشاملة في مصر.. ان المطلع علي التاريخ يمكن ان يقال عنه من بعض الوجوه انه يعيش منذ بداية العام.. وفي ضوء هذا المفهوم والادراك لاهمية تتبع التطور نجد ان الاهتمام بالجودة في العصور القديمة يترك بصمات لنا متمثلة في الحضارات مثل القدماء المصريين والبطالمة والرومان وغيرهم.. والتي تنطق بمدي ما وصل اليه الانسان من تقدم في المنشآت الهندسية المذهلة مثل المقابر والاهرامات والمعابد والقصور والسدود.. بالاضافة الي الاعمال الهندسية المتعقلة بالري والزراعة.. وكذلك التقدم الفني والصناعي ومحاولة استخدام موارد البيئة لخدمة حاجة الانسان. ويظل العمل الجيد شامخا ومعبرا عن ازدهار حضارة وجودة اداء من قاموا بهذا العمل مثل التخطيط والرسم علي جدران المعابد والالوان التي تحتفظ ببريقها حتي الآن.. كما تندثر الاعمال الرديئة وتنهار الحضارات الضعيفة دون ان تترك ما يعبر عنها في القرن الواحد والعشرين؟! هل يتحقق حلم ظهور وزارة مصرية تحمل امانة تحقيق "الجودة الشاملة "علي ارض المحروسة؟!.. هل ننتظر ونحن وسط هذا الخضم من التشريعات العالمية والمنظمات الدولية التي تعني بالمواصفات القياسية التالية والجودة الشاملة هل ننتظر الموت السريري السريع وسط القرية الكونية الكبيرة؟! هذ هو السؤال..! "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وهب لنا من لدنك رحمة وأغفر لنا وارحمنا إنك أنت الوهاب".