حققت الحركة الغنائية العشوائية الكثير من المكاسب المادية، وتمكنت من السيطرة علي الذوق العام وافساده، وأصبح لها تجارها الذين في كل يوم، يدخل أحدهم مزاد التسابق لانشاء قناة موسيقية، غنائية تتنافس لا ستحداث مهنة جديدة ، بل كادت هذه القنوات الفضائية الغنائية تطور من نفسها لمرحلة التوسع في تجارة الجنس المجاني، والترويج له بالاعتماد علي تكنولوجيا العصر وعلي مساحات الحرية الممنوحة للابتذال لإلهاء الشباب والغاء العقل، وكأنها خطة محكمة للمدارة علي الانحرافات الادارية والفساد وكبت الحريات، بل وأصبحت هذه القنوات تشكل حركة سرية مترابطة ومتضامنة وسرية أحيانا، وعلنيا في أوقات أخري، نوع من المافيا الجريدة التي توالدت تحت مساحات الحرية التي منحتها الدول لشعوبها من أجل استغفالها. ان ما يحدث اليوم يستحق اشهار افلاس هذه الهجمة االغنائية اكتفاء بما حصدته من عائدات مادية في غفله، وقد ساعدها الانفتاح العشوائي علي الغاء قيمة الفن بتقديم نوع من الفنون البديلة التي لا تعتمد علي الفكر، وأيضاً في غيبة المقاييس الصحيحة، والقيم الفنية النظيفة، وكما يقول الناقد الصحفي محمد سعيد في كتابه الجديد : أشهر مائة في الغناء العربي - التنوع في الزمن الذهبي) وهو الجزء الثاني ، يقول : الوضع الحالي للغناء العربي يؤكد أن أعراض الداء تكاد تكون مستعصية، ولا تقبل التقويم، لقد بدأ الانحطاط في أشكال تشابة الكلمات، وسرقة أفكار قيلت من قبل بعد تدمير جمالياتها وتسطيحها من أي معني، وفي تراكيب الألحان التي أصبحت مبنية علي ذبح ألحان الرواد وتقديمها في تشويه متعمد، وفي جماليات الأداء، حيث أصبحت الأصوات المؤدية تعتمد علي تكنولوجيا الاستديوهات الحديثة، ثم جاءت الكارثة الأكبر، وهي ما سمي بالأغاني المصورة بالفيديو كليب التي تبعد كصورةعن واقعنا العربي، فالملابس من أسبانياوأمريكا اللاتينية واليونان، وأحيانا ملابس الذين يقومون بترويض الوحوش في السيرك، وهناك من يرتدي ملابس الصقيع الشتوية. ويقول الناقد الصحفي محمد سعيد: اذا تأملت المجاميع المصاحبة في ترديد المجمعات الغنائية والاتيان بحركات راقصة، فسوف تفاجأ بمجاميع كثيرة من الشباب من الجنسين يرتدون ملابس وأزياء وتقاليع كثيرة من قارات أخري تعود الي مناطق جغرافية ليس من بينها منطقتنا العربية، فهم يرتدون القبعات التي تشبه قبعات الرأس التي يرتديها الحاخام اليهودي، ويتساءل محمد سعيد: ما هي علاقة هذه المظاهر بسلوكياتنا ومشاعرنا ووجداننا؟ هذا ما سنلقي الضوء عليه في العدد القادم.