نبض الشارع.. أكاذيب التاريخ ! هل يكذب التاريخ..؟ يقيناً لا.. التاريخ لايكذب.. لكنهم المؤرخون!وما كان هذا يراود ذهن أحدنا ونحن نجلس في صفوف الدراسة.. إن ما يلقيه علي مسامعنا معلمو التاريخ من دروس عن الخلفاء والأباطرة والقياصرة والحروب والانتصارات والانكسارات يمكن أن يكون غير حقيقي.. وحين بارحنا صفوف الدراسة معبئين بكل هذا الحشد من المعلومات اليقينية " بناء علي ما قاله لنا المعلمون". نفاجأ الي حد الصدمة بأن هناك من يحاول أن يقول لنا شيئا آخر.. ومعلمو المدارس في الحقيقة لم يكذبوا علينا.. هم مثلنا كانوا أيضا مخدوعين.. فما قالوه لنا كتبه عبر العصور المؤرخون! والنخبة النافذة بشكل أو بآخر هي التي تؤرخ.. فأقلام التاريخ يملكها الأقوي.. وبالطبع سوف يؤرخ طبقا لأهوائه ومصالحه.. والأقوي لايكتفي بتفسير ما حدث من منظور تلك المصالح والأهواء.. بل سيختلق ما لم يحدث وتمريره عبر قنوات الزمن علي أنه حدث.. ومحو ما حدث علي أنه لم يحدث ان كان يلحق الضرر بوجوده.. وسترسخ الأكاذيب في الذاكرة الجمعية علي أنها حقائق طبقا للمثل الشعبي الأمريكي: يجب أن تكتب للناس عما يعرفونه بالفعل.!حتي لو كان هذا الذي يعرفونه حفنة من الأكاذيب.. !لقد عرفنا عبر آلة التأريخ الأمريكية الحديثة أن السواد الأعظم من الشعب الأمريكي ما كان راغبا في أن تزج بلاده في أتون الحرب العالمية الثانية بعد تجربته المريرة في الحرب الأولي.. الا أن ادارة الرئيس روزفلت اضطرت الي دخول الحرب بعد الهجوم الوحشي الذي تعرض له الأسطول الأمريكي في قاعدة بيرل هاربر.. لم يكن أمامها مناص من ذلك.. هذا ما وصلنا عبر الميديا الأمريكية وروجت له سينما هوليوود من خلال عشرات الأفلام التي ارتجفت لمشاهدها الفظيعة أوصالنا ونحن نري أشلاء جنود الأسطول الأمريكي تتناثر فوق السفن، والمحيط الهادي يتحول الي محيط من الدماء.. لكن الكاتب الأمريكي جور فيدال يكشف لنا في كتابه "العصر الذهبي "ما أخفاه عنا المؤرخون بتأثير من النخبة.. يقول فيدال إن الرئيس الأمريكي كان بالفعل راغبا منذ عام 1940 في دخول الحرب.. لكنه ووجه بمعارضة 80% من الشعب الأمريكي.. فأصدر تعليماته للبنتاجون بأن يقوم الأسطول الأمريكي باستفزاز السفن اليابانية.. مستثمرا غزو اليابان للصين .. والمعروف أن ثمة معاهدة كانت تربط بين دول المحور.. اليابان وألمانيا وايطاليا.. وتقضي المعاهدة بأنه في حالة دخول أي من الدول الثلاث حربا فعلي الدولتين الأخريين مساعدتها.. وكان هدف ادارة الرئيس الأمريكي توريط طوكيو في حرب ضدأمريكا مما سيدفع ايطاليا الفاشية وألمانيا النازية الي اعلان الحرب علي واشنطن.. وكان لروزفلت طبقا لكتاب العصر الذهبي ما أراد.. حيث ضرب الطيران الياباني قاعدة بيرل هاربر بوحشية.. وكان هذا هو المدخل الذي خطط له روزفلت لدخول الحرب الي جوار الحلفاء.. وهو المدخل الذي تجاهله المؤرخون.. والكذبة قد تبدأ صغيرة لكنها تكبر وتكبر لتبدو يقيناً حتي لمن اختلقوها !.. وهذا ما حدث في احدي أكبر عمليات السطو في التاريخ القديم كما يقول الكاتب الأمريكي "جورج جيمس " في كتابه "التراث المسروق".. والتراث الذي يعنيه بعنوان كتابه هو التراث الفرعوني.. أما من سرقوه فهم الإغريق.. وسوقوه عبر أكثر من عشرين قرنا علي أنه تراثهم هم.. فالفلسفة الإغريقية التي ينظر اليها العالم بانبهار ليست فلسفة الإغريق.. بل فلسفة كهنة مصر القديمة.. ويقول جورج جيمس ان المصريين القدماء استحدثوا مذهبا روحيا معقدا عن فكرة الخلاص اطلقوا عليه " نظام الأسرار " ويهدف الي السمو علي سجن الجسد.. إلا أن الإغريق سرقوه مع غزو الإسكندر ونسبوه لأنفسهم.. كما: إن الإسكندر سطا علي مكتبة الإسكندرية واصطنع أرسطو " 384 322 قبل الميلاد " مكتبة لنفسه من الكتب المنهوبة من مكتبة الإسكندرية.. وبني عليها فلسفته التي ماهي إلا فلسفة المصريين.. ويذهب المؤلف الأمريكي الي ما هو أكثر من ذلك حين يؤكد أن نظرية المربع القائم علي وتر المثلث القائم الزاوية " وتلك هي النظرية التي درسها لنا معلمو الرياضيات في المرحلة الاعدادية علي أنها نظرية العالم الاغريقي فيثاغورس " ما هي الا نظرية مصرية.. وحتي عبارة " اعرف نفسك " التي يتداولها البشر علي أنها احدي انبثاقات سقراط " 469 399قبل الميلاد" منقوشة علي جدران المعابد المصرية كإحدي الوصايا الموجهة الي المريدين الجدد.. ويتساءل المؤلف ساخرا: كيف يمكن لفرد واحد مثل أرسطو أن يخلف وراءه كل هذا الكم الوفير والاستثنائي من الكتب.. ! ونقول له: صحيح.. ما تركه أرسطو من انتاج معرفي وفلسفي في حاجة الي رجل عاش ستة قرون وليس ستة عقود! ويبدي جورج جيمس ملاحظتين مهمتين.. الأولي تتعلق بالمناخ اليوناني المناوئ للمعرفة والفلسفة والدليل اعدام سقراط ومحاكمة أرسطو وطرد فيثاغورث.. فكيف للمعرفة والفلسفة أن تزدهران في مثل هذا المناخ الخانق للتفكير والابداع والابتكار.. ؟! أما الملاحظة الثانية فيسوقها كعلامة استفهام تعد دليلا علي أن اليونان ما كانت أبدا الرحم الحقيقي لهذا التراث المعرفي العظيم.. حيث يتساءل المؤلف: لماذا اختفت فلسفة الإغريق مع انحسار الحضارة المصرية.. ؟! والاجابة كما نفهم من سؤال جيمس أنه لاحياة للتابع ان تلاشي المتبوع.. ! لقد جف المنبع فكيف للنهر أن يجري.. ؟هل يبدو فيما يقوله جورج جيمس شططا.. ؟ ربما.. وهذا ما اتهمت به الباحثة ريتشل إليور حين قالت إن "الأسينيين"، الذين يفترض بأنهم كتبوا نصوص مخطوطات البحر الميت، وأثار اكتشافها خلال الفترة ما بين عام 1947 و1956 ضجة عالمية كبري غير موجودين من الأساس! وتنوه ريتشل إليورالي أن الأبحاث التي أجرتها انتهت الي أن أن هذه المخطوطات ما هي إلا تلفيق من قبل المؤرخ الروماني فالفيوس جوسفوس، خلال القرن الأول الميلادي.. !ويقينا إن مثل هذا الاتهام الذي وجه الي المؤلف الأمريكي والباحثة الاسرائيلية سيوجه الي كل من يأتي بما هو مخالف لروايات المؤرخين.. الي حد اتهامهم بالهوس والجنون.. لكننا تعلمنا من المنهج العلمي الحديث أن نخضع حتي ما يبدو أنه بديهيات الي البحث والتمحيص.. إما لإثباتها أو نفيها.. وفي كلا الحالتين سنربح.. الحقيقة ! وما أشد حاجتنا الي الحقيقة حتي لو كانت موجعة لهؤلاء الذين يؤمنون بالمثل الأمريكي :يجب أن تكتب للناس عما يعرفونه بالفعل.! Kasapi2005.yahoo.co.uk