نعم ..قناعات المرء تتغير في زمن ما، كانت قناعاتي ان طيب الذكر الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب كان مطربا للملوك والسلاطين ومغنيا لكل العصور،وكما نجح ان يكون الأول في عهد الملك فاروق، نجح أيضا في ان يحتفظ بمكانته المميزة في عهد الزعيم الراحل عبد الناصر, وواصل ظهوره المتألق وحصل علي الدكتوراه في عهد الزعيم الراحل السادات،ثم حصل علي رتبة لواء واصبح جنرالا ذا مهابة في كل (البلاطات ) الموسيقية العربية .وكان من قناعاتي ايضا ان عبد الوهاب مجرد (لص)الحان، قام بالاطلاع علي الموسيقي العالمية بقديمها وجديدها،ثم في غيبة المهتمين ،والمتخصصين قام بسرقة الإيقاعات والالحان الغربية بداية من موتسارتو حتي تشايكوفسكي ليطعم بها تجديده وتطويره للموسيقي العربية .وكنت من المؤيدين والمتحمسين للقول الذي كان يري ان عبد الوهب مزور ذكي للتاريخ فقد غني (محلاها عيشة الفلاح )، بينما كان الفلاح يعيش تحت خط الفقر، وفوق صفيح ساخن، من الذل والمهانة والاستعباد. وفي التقييم العام كنت من المؤمنين بأن احمد عدوية وبعده كتكوت الامير أكثر أهمية من ( الطاووس ) عبد الوهاب، لان الأخير لم يستطع الوصول إلي الشعبية التي حققها عدوية عند طبقة الكادحين، والعمال ،والبسطاء والهامشيين، والدهماء . هذه الطبقة التي تمثل السواد الأعظم من المجتمعات العربية. وكان لبعض القناعات ان تتغير .توارت اغلب اغاني عدوية،وتناساها الناس،لكن مازالت أغاني مثل ( النهر الخالد ) و( مين عذبك ) و(بلاش تبوسني ) عالقة في الأذهان بجمال كلماتها ومعانيها . واعرف ان الكثير من ابناء الجيل الجديد يفضلون الاغاني الوهابية علي اغاني سعد الصغير وكاريكا مع احترامي لكل المغنيين والمطربين الحقيقيين وأثبتت الدلائل والأبحاث ،والبراهين العلمية، ان عبد الوهاب لم يسرق شيئا من احد, وإنما كان مثل غيره من المبدعين ,حريصا علي الاطلاع علي الموروث الموسيقي العالمي بكل تنويعاته وكان له ان يتأثر مثل اي مبدع حقيقي ببعض الأشكال الموسيقية وبعض الألحان وتاريخ الفن حافل بالتجارب المتشابهة في البيئات المختلفة في مختلف أشكال وأنواع وأجناس الفنون. وفي تصنيف الفنانين يوجد فنان ملتزم وآخر غير ملتزم،لكن لايوجد فنان خائن وعميل وفنان بطل ونبيل،الفنان طالما انه فنان بحق فهو بالضرورة وبشكل عام ضد الظلم،ومع الإنسان والإنسانية علي طول الخط . ومن الجرائم التي نرتكبها تفصيل مانؤمن به من نظريات وأيديولوجيات وأفكار علي مقاس اي فنان . وفي أحيان كثيرة يكون الثوب أوسع كثيرا أو أضيق كثيرا مما نتخيل . وإذا كان عبد الوهاب قد غني للأمراء والملوك، فلماذ نعتبر ذلك سبة، وعملاً مشيناً، والأيام تثبت لنا ان بعض الملوك والأمراء أكثر طهرا من غيرهم . هذا مع الوضع في الاعتبار اختلاط الحابل بالنابل هذه الايام بعد ان اختلطت الجمهوريات مع المالك . والاشتراكيات مع الرأسماليات . والرؤساء مع السلاطين . ولماذا لانقول ان عبد الوها ب لم يسع للغناء عند احد، وإنما كان الجميع يتشرف بوجوده والاستماع إليه . أثناء حياته شهد عبد الوهاب الكثير من الأحداث،وعاش تحت مظلة الدولة العثمانية والاحتلال البريطاني،وشارك في فرحة التحرير والاستقلال ,وشهد حروب 48 و56 و67و 73 ,واثناء حياته توالي علي الحكم الكثير من الحكومات والوزراء, وذهبت كل العروش والكراسي ,لكن ولفترة طويلة مقبلة ستبقي اغاني والحان عبد الوهاب في وجداننا وقلوبنا وعقولنا لما فيها من إبداع حقيقي .دعونا نتذكر عبد الوهاب كواحد من الذين اثروا علي وجدان ملايين من العرب،وستبقي أعمالة كعنوان لكل ماهو جميل وأصيل. [email protected]