لقد وجدت في طاغورنزعة اسلامية فهو في روحه وقلبه وتعامله مع الإنسان مسلما صوفيا من الطرازالرفيع ، بيد أن للمسلم فرائض وسننا لاتتحقق في طاغور،ورغم نشأته ضمن أجواءإسلامية لكنني لم أتبينها فيه من خلال منظومة أركان الإسلام، ويقينا لو أن طاغور اطلع علي القرآن الكريم وقرأه متدبرا معانيه إذن لاعتنق الإسلام ، فنفاذ بصيرته ونزعته الإنسانية مهيئتان لذلك هذا ماتقوله الكاتبة العراقية المقيمة في مصر في أحدث كتبها طاغور الجانب الإيماني " والكاتبة باحثة في التراث العربي والإسلامي وهي من مواليد مدينة الموصل في العراق في هذا الكتاب تناقش وتحلل الكاتبة هذه النزعة الإيمانية في شعر طاغورمن خلال دراسة الرمز والصوفية وغيرها من الظواهر التي تؤكد وجود هذا الجانب الإيماني شخصية طاغور شخصية أثرت في الغرب قبل الشرق، فلم يكن شاعراً فقط بل أديبا ومسرحيا ورساما وفيلسوفا ومصلحا اجتماعيا.نشأ في جو من الروحانية بسبب والده، فقد كان من كبار روحانيي البنغال، عرف حب الطبيعة وحب الله من صغره، ولد في 1861، توفيت والدته وهو في الرابعة عشر، وانتحرت أخته وكذلك موت زوجته وثلاثة من أطفاله، وكل تلك الصدمات قادته إلي حب الإنسانية كلها لا فرد واحد، وقادته كذلك إلي الانغماس في العمل والاجتهاد والإصلاح والإبداع.(كان قادراً علي تحويل الألم إلي فرح، وكان يري أن مهمته هي اكتشاف الله ، إله كل هذا الجمال، وتحويل وتعديل الحياة لتصبح أجمل.(أين يمكنني أن ألقاك، إن لم يكن في بيتي الذي أصبح بيتك? وأين يمكنني الانضمام إليك، إن لم يكن في عملي الذي صار عملك? إذا غادرت بيتي لن أبلغ بيتك' إذا قعدت عن عملي محال علي أن أنضم إليك في عملك؛ إذ إنك تقيم في وأنا فيك). أسس مرفأ السلام ليكون مدرسة تعلم فيها الموسيقي ويدرس الشعر والرسم والعلوم والمسرح.قال في يوم مولده الثمانين:(عندما أجول ببصري من حولي، أقع علي أطلال مدنية مغرورة تنهار وتتبعثر في أكوام هائلة من التفاهة والعبث. ومع ذلك فلن أذعن للخطيئة المميتة في فقدان الإيمان بالإنسان؛ بل إنني بالحري سأثبِّت نظري نحو مطلع فصل جديد من فصول تاريخه، عندما تنتهي الكارثة ويعود المناخ رائقاً ومتناغماً مع روح الخدمة والتضحية- سيأتي يوم يعاود فيه الإنسان، ذلك الكائن الأبي، خطّ مسيرته الظافرة علي الرغم من جميع العراقيل، ليعثر علي ميراثه الإنساني الضائع).من أشهر أعماله ديوانه الرائع ( جيتنجالي) الذي قال عنه الكاتب الفرنسي اندريه جيد: (ليس في الشعر العالمي كله ما يدانيه عمقا وروعة). ترجم طاغور معظم أعماله إلي الانجليزية وتوفي سنة 1941 بعد أن ناهز الثمانين، وحاز علي جائزة نوبل للأدب عام 1914تقول الكاتبة : لقد كان طاغور أحد رموز التجديد في الادب الهندي وكانت لغته الرمزية في الشعر تتفوق علي نتاج كثير من شعراءالصوفية ممن يغرقون في رموزهم وإيماءاتهم وإيحاءاتهم المكثفة ، كما أن أشعار طاغورذات سمات رقيقة ونسيج لاتخترقه النظرة البليدة أو العابرة، كمالايحتجب أمام الرؤية الذكية الكاشفة والمتعطشة إلي استجلاء المعاني ، وليس المغالة التي تسقط القيم الجمالية ، وترهق القاريء كما في معظم الشعر الحر ، فأفضل ما في الرمزية ترك مساحة للقاريء كيما يطلق العنان لخياله وتصوره الخاص .لإبراز الفكرة أو تحديد المضمون وفق خلجات نفسه وأحاسيسه من كلمات الشاعر يستخرج المرء المعني الذي يروق له ومع ذلك فإن أسمي هذه المعاني موجه إليك في سنة 1916 ألقي طاغور محاضرة في جامعة طوكيو خاطب فيها الشبيبة بقوله : "إنكم لا تستطيعون أن تقبلوا الحضارة الحديثة كما هي. أن واجبكم أن تدخلوا عليها التغيير الذي تتطلبه عبقريتنا الشرقية. وواجبكم أن تبثوا الحياة حيث لا يوجد إلا الماكينة، وأن تستعيضوا بالقلب الإنساني عن حسابات المصلحة الباردة، وأن تتوجوا الحق والجمال حيث لا سلطان إلا للقوة الغاشمة والنجاح اليسير. إن حضارة أوربا نهمة ومسيطرة، تلتهم البلاد التي تغزوها، أنها تبيد الأفراد والهيئات والشعوب التي تعوق مسيرتها الفاتحة. إنها حتبذر،لها سياسية، تستسيغ لحوم الآدميين، إنها تقهر الضعفاء وتثري علي حسابهم، إنها آلة للطحن. إنها تبذر، أينما ذهبت الغيرة، والغيرة والشقاق.. أنها تصنع الفراغ حولها. إنها حضارة علمية لشباكها، ومصدر قوتها أنها تركز جميع قواها صوب غاية واحدة، الثروة والسلطة وتحت اسم الوطنية لا تراعي كلمة الشرف. إنها تمد بلا خجل شباكها، ونسيجها الكذب، وتقيم للمعبود الهائل البشع الذي تعبده المعابد المشيدة للكسب والمنفعة... ونحن نتنبأ دون تردد بأن ذلك لن يدوم، لأن في العالم قانوناً أخلاقياً مهيمناً ينطبق علي الجماعات كما ينطبق علي الأفراد.