ومثل السواد الأعظم من المصريين كاد مخزوني من مشاعر الأمل ينفد مع انتخابات 28 نوفمبر وتوابعها في 5ديسمبر..وانتهيت الي ما انتهوا اليه: مفيش فايدة !! الي أن باغتتنا أجهزتنا الأمنية بقصة الكشف عن الجاسوس طارق عبد الرازق حسين عيسي الذي جنده جهاز الموساد الاسرائيلي..لكن ازاء القصة لم أكن مثل الكثيرين من أبناء بلدي الذين رأوا فيما حدث لطمة أخري للدولة المصرية تضاف الي لطمة الانتخابات ..بل رأيت فيها شمس امل غمرتني باحساس كنت في أشد الحاجة اليه كمواطن مصري ..إن أمن بلادي في أيد أمينة ..ولقد راعتني الرؤية المغايرة لآخرين أن مصر مخترقة ..وأن إسرائيل التي تربطنا بها اتفاقية صلح مازالت تتجسس علينا ..! بل بلغ الأمر بأحد كتابنا وناشطينا والذي أشتم في كتاباته وندواته التي ينظمها بالمعادي توجهات تتعارض مع الثوابت المصرية استغلال الحدث ليكيل الاتهامات للنظام المصري لحساب النظام الايراني ..حيث أدلي بتصريحات ينتقد فيها القاهرة لأنها "بتتشطر" علي حزب الله وتري في ايران عدوتها اللدود ..بينما تترك الجغرافية المصرية للموساد ليعبث بها كيفما شاء.. وقال هذا الكاتب في تصريحات لليوم السابع عقب الاعلان عن تفكيك خلية التجسس : ومثل هذه التصريحات تكشف عما يحاول البعض تمريره الي خلايا الدماغ المصري من حقائق مغلوطة ..أن القاهرة التي ارتمت في أحضان اسرائيل وأمريكا والصهيونية العالمية تمثل عائقا أمام قوي اقليمية متمثلة في طهران وحلفائها "دمشق وحماس وحزب الله" تناضل من أجل تحرير فلسطين والجولان.. بل إن هذا البعض يصل الي ماهو أبعد من ذلك حين يروج لأفكار تتعلق بتدويل حماية المقدسات الاسلامية في مكة والمدينة ..وأتذكر أن مركز يافا للدراسات والأبحاث العلمية نظم ندوة في هذا الشأن بمقره بالمعادي منذ عدة سنوات ..والهدف ليس بالطبع حماية الحرمين الشريفين ..بل أن تتواجد قوات ايرانية مع تطبييق فكرة التدويل في مكة والمدينة ... مما يعني مد النفوذ الايراني الي الأماكن المقدسة في السعودية ..وهذا هدف يفوق في اهميته لآيات الله أي هدف آخر يتعلق بمحاربة اسرائيل او أمريكا ! وطبقا لقراءتي المتواضعة لخرائط الشرق الأوسط أري ان ثمة ثلاث قوي اقليمية تتصارع ليكون لكل منها اليد الطولي في تسيير امور المنطقة .. الأتراك الذين يظنون أن ارثهم العثماني يمنحهم الحق في أن تكون أنقرة مقر غرفة صناعة القرار الرئيسية في المنطقة..ولا مانع من التلميح في دغدغة ساذجة للمفتونين بفكرة الخلافة الاسلامية أن الأتراك العثمانيين هم الأقدر علي اعادة شمس الخلافة وبالتالي حماية ديار الاسلام من خطر الصهيونية العالمية والسنة من طموحات الشيعة "ولا مانع من تذكير عرب اليوم "السنيين"..بأنه لولا تصدي العثمانيين للصفويين الشيعة في مطلع القرن السادس عشرة لاجتاحوا العراق السنية وبعدها كل البلاد العربية ..! والقوة الثانية تتمثل في ايران - الحرس الثوري - الذي يسعي الي اعادة المجد الفارسي القديم تحت عباءة اسلامية شيعية ..وأيضا مستخدما ذات الورقة الزائفة في كسب تأييد الشارع العربي الاسلامي ..أنه قادرعلي التصدي للأطماع الصهيونية والأمريكية في المنطقة .. أما القوة الثالثة فهي اسرائيل التي تفتقد الي العمق التاريخي رغم كل ما تحاول ترويجه من أساطير تاريخية أثبتت جماعة المؤرخين الجدد - الاسرائيية !- زيفها وبطلانها ..ورغم كل ما يحف بهذا الكيان من دلائل اللاشرعية الا أن مؤسسيها نجحوا في توظيف معطيات الخريطة السياسية العالمية خلال النصف الأول من القرن العشرين ..ليس فقط لتخليق وطن لليهود ..ولا حتي دولة صغيرة تضم خمسة أو ستة ملايين من يهود الشتات..بل قوة اقليمية عظمي يتجاوز مجالها الحيوي جغرافية الاقليم ليمتد الي كل جغرافية الكوكب ..ويتسلل نفوذها الي غرف صناعة القرار بالعواصم الكبري شرقا وغربا. وثمة قوة رابعة وهي القوة العربية والتي تملك كل مقومات التفوق علي كل القوي المتصارعة..من حيث عدد السكان والامتداد الجغرافي والامكانيات الاقتصادية الهائلة ..ولكنها طاقات معطلة لأسباب تتعلق بطبيعة أنظمة الحكم ..مما نجم عنه وهن النظام الرسمي العربي ..بل وجعل من الجغرافية العربية مطمعا لكل القوي الاقليمية ..فايران تحتل جزر طنب الكبري والصغري وابو موسي العربية وتركيا تحتل اقليم الاسكندرونة السوري وقامت بتتركته سكانيا ..واسرائيل ..كيان استيطاني أقيم علي حساب جغرافية العرب وتاريخهم وتراثهم .. والقضية تتمثل الآن ..ليس في كون الآخرين لديهم طموحاتهم ومصالحهم الخاصة ..بل في ضعف النظام الرسمي العربي ..وبالتالي حتمية تقوية هذا النظام ليكون قادرا علي التصدي لمطامع الآخرين .!ورغم كل المساوئ التي تعاني منها مصر علي المستوي الداخلي الا أنه يحسب لقيادتها وعيها بمطامح وأطماع تلك القوي المتصارعة والتي تري أن الطريق الي تحقيق طموحاتها يمر عبر القاهرة ..لذا لا أبالغ ان قلت أن نفس منطلقات تجنيد الموساد لشبكات تجسس داخل مصر هي ذاتها منطلقات ايران وحزب الله في محاولة تجنيد عملاء داخل المحروسة..فان كانت اسرائيل تسعي الي تحقيق أطماعها في المنطقة فايران أيضا تكابد لتحقيق طموحاتها الخاصة جدا والتي تفوح برائحة المجد الفارسي القديم وايديولوجيتها الطائفية ..ومصالح مصر الوطنية والقومية تتطلب التصدي للجميع ..وفي هذا الاطار تأتي يقظة أجهزتنا الأمنية ..وفي هذا الاطار أيضا ينبغي أن نفخر بمخابراتنا العامة التي تحارب علي أكثر من جبهة لحماية امننا القومي ..اما مسألة فزع بعضنا لأن اسرائيل مازالت تتجسس علينا ..فهي مشاعر لاتستند الي المنطق المتكئ علي طبيعة العلاقات بين الدولية ..فلا ينبغي أن يغيب عنا أن التجسس ظاهرة طبيعية في العلاقات بين الدول حتي بين الأصدقاء ..اسرائيل تتجسس علي الولاياتالمتحدةالامريكية حليفتها الاستراتيجية ..بل تكاد تكون أمريكا أكثر الدول في العالم استهدافا بعمليات التجسس ..من قبل الأصدقاء والأعداء معا ..قاعدة التكنولوجي الصينية وقبلها اليابانية تشكلت في الكثير من جوانبها علي عمليات تجسس علي التكنولوجية الأمريكية ..الروس رغم انهيار النظام الشيوعي لايكفون عن التجسس العسكري والتكنولوجي والاقتصادي علي الولاياتالمتحدة ..كما أن الأوضاع الشائكة في الشرق الأوسط ووجود كيان مخلق وغير متآلف في المنطقة يجعل ظاهرة التجسس أمرا طبيعيا .. فاسرائيل تدرك أن صراعها مع العرب - وكما قال بن جوريون عقب الاعلان عن تأسيس الدولة اليهودية في 15مايو1948 بفترة وجيزة -هو صراع وجود لاحدود ..لهذا من الطبيعي ألا نتفاجأ بسعي أجهزتها الاستخبارية الي تجنيد العملاء لزعزعة جبهتنا الداخلية ونشر الفتنة الطائفية..وتدمير مؤسساتنا الاقتصادية والعلمية والتعليمية ..والذي يمكن أن يثير فزعنا عدم اظهار أجهزتنا الأمنية ما يكفي من الكفاءة والقدرة علي مواجهة هذه المحاولات ..وكما قال الخبير الاستراتيجي ووكيل المخابرات العامة السابق سامح سيف اليزل في تصريحات ل "اليوم السابع " إن"عملية جمع المعلومات بين مصر وإسرائيل متبادلة مستمرة، فيوجد لدينا جواسيس في إسرائيل ولكنهم أكثر حنكة من هؤلاء الذين يتم كشفهم ..! فالضعف الحقيقي والذي يثير الفزع فيمن لايتجسس او تغفو عيناه عن جواسيس الآخرين ..ونحن والحمد لله لسنا من هذا النوع فلقد أثبتت اجهزتنا الأمنية أن عيونها "مفنجلة" بعد معاهدة كامب ديفيد مثلما كان الحال قبلها ..كما انها لاتري بعين واحدة فقط ..الخطر الاسرائيلي ..بل تري أخطارا أخري مستحدثة مثل الخطر الايراني ! وهذا ما ينبغي أن يدركه الشارع المصري ..أن اسرائيل ليست وحدها مصدر التهديد الوحيد لأمننا القومي .