أبو طالب بن عبد المطلب شيخ قريش المدافع عن النبي الكريم صلي الله عليه وآله وسلم . تحاملت عليه بعض روايات التاريخ فنزعت عنه صفة الإسلام ، ورمته عن هوي أو جهل بالكفر وهو منه براء .. في حين أنصفته روايات أخري وأنزلته منزلته السامية كعملاق الإسلام والمدافع الأول عنه .. ويكفي أن تطالع بعض من السطور النورانية لوصية شيخ قريش وهو يجود بروحه لتعلم كم كان هذا الرجل يمتلئ إيماناً وولاء عارم لابن أخيه سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه بعض بنودها : أوصيكم بتعظيم هذه البنية يعني الكعبة المقدّسة فإنّ فيها مرضاة الربّ ، وقواما للمعاش ، وثباتا للوطأة ، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ؛ فإنّ صلة الرحم منسأة للأجل ، وزيادة في العدد واتركوا البغي وأعطوا السائل ، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة ، فإنّ فيها محبّة في الخاص ومكرمة في العام ... ». وحكى هذا المقطع كلّ فضيلة يسمو بها الإنسان ، والتي هي من صميم القيم الكريمة التي أعلنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ومن بنود هذه الوصية حثّه للاسرة الهاشميّة وغيرها على الولاء والإخلاص للرسول (ص) ومناصرته والذي قال عنه : « وإنّي أوصيكم بمحمّد فإنّه الأمين في قريش ، والصديق في العرب ، وهو الجامع لكلّ ما أوصيتكم به ، ولقد جاءنا بأمر قبله الجنان ووعاه القلب. وأيم الله كأنّي أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف، والمستضعفين من الناس، وقد أجابوا دعوته وصدّقوا كلمته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمار الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وإذا بأعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم عنه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأعطته قيادتها ، دونكم يا معشر قريش ، دونكم ابن أخيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة ، فو الله ! لا يسلك أحد سبيل محمّد إلاّ رشد ، ولا يأخذ به إلاّ سعد ولو كان لنفسي مدّة ، وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي ، غير أنّي أشهد بشهادته وأعظم مقالته . هل بعد هذه الوصية التي أوردها الواقدي في المغازي وابن الأثير في الكامل وغيرهما من المؤرخين وأصحاب السير .. لقد أفصحت هذه الوصية بما لا يدع مجل للشك في إيمان أبي طالب بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واعتناقه للإسلام وتفانيه في الدفاع عنه. لقد استشفّ شيخ قريش في وصيته المستقبل الزاهر للإسلام ، وأنّه سيؤمن به المستضعفون في الأرض ، وأنّهم سيشكّلون قوّة ضاربة للدفاع عنه ، وستكون صناديد قريش وساداتها أذلاّء صاغرين يستعطفون النبيّ وأصحابه ، ويطلبون ودّهم ، ولم تمض الأيام حتى تحقّق ذلك على مسرح الحياة ، وإذا بجبابرة قريش أذلاّء صاغرون . وبعد أن القي العملاق وصيته للتاريخ اسلم الروح لبارئها ، ولمّا أذيع نبأ وفاته اهتزّت مكّة من هول الفاجعة ، فتصدّعت القلوب ، وغامت العيون كما فرح الطغاة والجبابرة بموته. ووقف النبى ( ص ) على حافّة قبر عمّه ، وهو واجم حزين ، قد روى ثرى قبره بدموعه ، وأخذ يصوغ من حزنه كلمات في تأبينه قائلا :وصلتك رحم يا عمّ ، جزيت خيرا ، فلقد ربّيت وكفلت صغيرا ، وآزرت ونصرت كبيرا ، أما والله يا عمّ لأستغفرنّ لك ، وأشفعنّ فيك شفاعة يعجب منها الثّقلان . وبلغ من تأثّر النبيّ ( ص ) وشدّة حزنه على عمّه أنّه سمّى العام الذي توفّي فيه عام الحزن. فقد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المحامي والناصر ، والركن الشديد الذي كان يأوي إليه ، فقد استوحدته قريش وأجمعت على التنكيل به . يقول الحبيب المصطفي (ص): ما نالت قريش شيئا أكرهه حتّى مات أبو طالب . رحم الله أبو طالب حامي الإسلام وناصره ورضي عنه ، فله اليد البيضاء على كلّ مسلم ومسلمة .. وغفر الله لمن استخفه الشيطان فصار يردد دون تدبر إنّ هذا المجاهد العظيم مات كافرا ولم يكن يدين بدين الإسلام ، فأقل قراءة لكتب التاريخ تعرف أن هذا القول ما قال به أحد علي عهد رسول الله (ص) ولا خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ، وإنما روج له أهل الحقد وأرباب الفتن بعد نهاية الخلافة الراشدة ودبجوا له الأخبار والأحاديث المكذوبة . وممّا يدعم زيف ذلك شدّة حزن النبيّ (ص) عليه بعد وفاته وتسميته لعام موته بعام الحزن ، فإنّه إذا كان كافرا كيف يحزن عليه ؟ وكيف يترحّم عليه ويذكره بمزيد من التكريم والتعظيم ؟ وكيف يأكل ويشرب في داره ؟ وحكم الإسلام صريح واضح في نجاسة الكافر . جزي الله سيدي شيخ بني هاشم وقريش خير الجزاء عن الإسلام وأجزل له الأجر والثواب .