منذ طفولته عرف البؤس وشظف الحياة، فقد كان أحد الأفواه الجائعة في أسرة فقيرة وكبيرة العدد لكنه لم يستسلم أو يسلم بأنه ليس في الامكان أكثر مما كان، كافح بضراوة حتي أفلت من عنق الزجاجة وقب علي وش الدنيا. تخرج في الجامعة بعد طلوع الروح وتحسنت أحواله بعدما أسعده الحظ وحصل علي وظيفة في مؤسسة كبيرة تمنح موظفيها رواتب مرتفعة ومزايا رفيعة عندها أدار ظهره للماضي كله وفتح للدنيا زراعيه يريد أن يحتضنها ويستمتع في يوم وليلة بالملذات التي فاتته لسنوات طويلة. قرر أن يعيش لنفسه فقط وحتي بعد الزواج ظل وفياً لهذا المبدأ، أما زوجته وأولاده فيأتون في الدرجة الثانية أو لا يأتون أصلاً، مش مهم، سألته يوماً بعد أن ضاق بها الحال ألست وأولادك لنا حقوق عليك، رد بصفاقة لا تنتظروا مني أكثر من الكفاف ولكم الله، كان متسلطاً في كل أمور الحياة حتي ولو كانت تافهة فظ غليظ القلب وكأن الحب لم يعرف طريقاً إلي نفسه بخيل في أعلي مراتب البخل، لكن لم يكن هذا هو منهاجه في الحياة علي طول الخط، فقد كان لايعنيه من الدنيا إلا نفسه ولا شيء سواها، بينما كل من هم حوله حتي أقرب الناس إليه دونه ولا يرتقون أبداً إلي مرتبته. كان يعيش ازدواجياً في الشخصية وكأنه نسخة واقعية من شخصية .سي السيد. التي أبدع تصويرها الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ فهو .كشر. مع أولاده يعيش معهم في جلباب الوعظ الحكيم الذي يقول إن الدنيا ليست دار متاع بينما آخر مسخرة في سهرات الهلس. حاولت زوجته المسكينة أن تصلح من حاله وقصت عليه حكاية ابنه الصغير الذي بات أشبه بالمتسول بين أقرانه، فهو لا يأخذ مصروفاً ويضطر إلي مد يده لزملاء الفصل ليعطونه قطعة من الحلوي أو الشيبسي وابنه البكر الكبير الذي يرتدي ملابس ممزقة وهو ما لم يعد يليق به والأهم هو حال البنت التي أصبحت علي وش زواج ولا تتزين بقطعة ذهب واحدة وحال ملابسها .عدم. لكن وكأنها .تؤذن في مالطة. فالرجل دائماً عامل ودن من طين وأخري من عجين، إذا لم يصبها من لسانه ما يؤذيها بعد أن ضاقت بها السبل وتملكها الحزن والسأم علي حال أولادها الذي لا يسر عدواً ولا حبيباً، اضطرت للجوء إلي أشقائه، كانت تعرف أنهم علي خلاف معه بسبب اعتراضهم علي سلوكه المشين وقصصه التي باتت تنافس نوادر جحا لكن ليس أمامها إلا أن تجرب حتي تبرئ ساحتها من ذنب أولادها أمام الله عز وجل يوم الحساب اجتمعت أسرة الأناني البخيل وذهبوا إليه بربطة المعلم قالوا له أتق الله في أولادك فلذة كبدك الذين تدخرهم لشيخوختك قال: .إن جاءك الطوفان حط ابنك تحت رجليك.، قالوا طوفان إيه وهباب إيه.. حالتك المادية ممتازة.. المشكلة أنك كريم جداً جداً مع نفسك شحيح إلي آخر مدي مع أولادك، قال أنا بدأت من الصفر وذقت المرار في طفولتي والآن جاء وقت الاستمتاع وأولادي مع هذا التقصير الذي تتكلمون عنه أحسن حالاً مني في طفولتي وعليهم أن يحمدوا ربنا.. قالوا بلاش سفسطة وكلام فاضي هذا لا يرضي الله.. أشاح بيديه وأنصرف وهو يغمغم بكلام غير مفهوم مفاده أنه غير مقتنع بما يقولون ولن يتغير أبدأ.. من شب علي شيء شاب عليه.. لم يتحمل قلب المرأة المسكينة مزيداً من الضغوط وانهزم جسدها النحيل تحت ضربات معاول المرض ففارقت الدنيا وتركت أولادها بدون قلب رحيم يخفف عنهم مأساة الحياة مع أب أعدي عليهم من أقسي الأعداء برغم هذا الجو الخانق الكئيب تمسك الأولاد باستكمال دراستهم فلا سلاح لهم غيرها في الحياة، بالطبع لم ينس أن يدفعهم للعمل كي ينفقوا علي أنفسهم ويحصل هو علي ما يري أنه يزيد علي حاجتهم بزعم أنه يريدهم أن يعلموا قيمة القرش، فيحافظون عليه، ويكفي أنه يوفر لهم المسكن المجاني، كان سلوكه الفظ وقراراته التي لا تدخل العقل تزيدهم إصراراً علي النجاح فكل عام دراسي ينتهي يبعدهم عنه خطوة ويقويهم خطوات من يوم الخلاص من الهم والغم والكرب العظيم كانت أياماً صعبة طويلة مريرية نهارها استذكار الدروس وسط العمل والشقاء وليلها يلقون فيه بأجسادهم المكدورة المهددة، وما هي إلا سويعات قصيرة حتي تشرق الشمس ليبدأوا يوماً جديداً من العناء. بعد كفاح مرير لا يقل مرارة عن حرب الاستقلال أنهي الابناء دراستهم واستقلوا بحياتهم بعيداً عن بيت العذاب وفتح الله عليهم أبواب الرزق من كل صوب وحدب جزاء لهم علي صبرهم لكن يبدو أن هذا لم يرضه، فكيف يغيبون عنه وهو الذي أدمن تعذيبهم، وكيف يهرب الفأر من المصيدة بدون احم ولا دستور، بدأ الرجل يغير سياسته مرغماً ليس بغرض التوبة والاستغفار بعدما أدرك أن الدنيا ملهاش أمان، ولكن لكي يبتزهم فقد خرج علي المعاش وتقلص دخله الذي لم يعد يكفي سهرات الفرفشة التي باتت هي كل ما يربطه بالدنيا، كان يتعمد الظهور في صورة الرجل الكهل المسكين بعدما هجره أولاده وأداروا له ظهورهم وتركوه في شيخوخته يسأل الناس النفقة بعد أن رفل في العز والنعيم، كان يعرف أن هذا الأسلوب سيؤتي ثماره فالأولاد يخشون الله ولن يعاملوه بمثل ما كان يعاملهم وأنهم سيكرمونه في كهولته وضعفه اتقاء غضب الخالق وطلباً لرضائه ولا شيء آخر كانوا يغدقون عليه من أموالهم برغم أنهم لا يطيقون رؤية وجهه الكريه ويبذلون له مع أنه لا يستحق إلا اللعنات لكن كانت المفاجأة أكبر مما يحتملون فقد عرفوا بالصدفة أنه يعتزم عقد قرانه علي ساقطة تطمع في الشقة التي يقيم فيها، لم يكن يشغلهم أمر الشقة فالرجل لا ينتظرون منه الخير أبداً لكنهم لن يعطوه المال ليتزوج به ساقطة تحل مكان أمهم الفاضلة فانفضوا عنه فذهب الأناني إلي المحكمة يقيم دعوي نفقة.