كشر الجبل.. فدهس "فلذة كبد" مينا وأصاب وشرد آلاف البشر محيط عادل عبد الرحيم رائحة الموت تحاصر المكان، جثث وبقايا بشر متناثرة، نابشو قبور يبحثون عن أي شيء حي وسط الأموات، تلك هي معالم المشهد المأساوي الذي شاهدناه هناك.. في الدويقة، وما أدراكم ما الدويقة، تلكم المنطقة التي استيقظ سكانها على وقع انهيار صخرة عملاقة دكت عشرات المنازل لتقتل وتصيب مئات المواطنين وبكل تأكيد فإن تدخل العناية الإلهية هو الذي حال دون مضاعفة الرقم عشرات المرات. ولابد قبل الخوض في تفاصيل ما حدث صبيحة السبت 6سبتمبر / أيلول 2008 من سرد تفاصيل الزمان والمكان الذي يعيش فيه أهالي الدويقة حيث وجدنا مئات البيوت التي لا تليق حتى بحيوانات يعيش فيها آلاف البشر بل ويتمسكون بالبقاء فيها تمسكهم بحياتهم، وعدما للثقة في التصريحات الرسمية، وقد تجلى هذا بوضوح حين حاولت قوات الشرطة إخلاء بعض المساكن خوفا من وقوع انهيارات جديدة ورفض المواطنون مغادرتها وفضلوا موتا مؤكدا على وعود حكومية غير موثوقة بتوفير أماكن بديلة. بهذه المشاعر سرت رحلة العذاب والضنا في تغطية أحداث انهيار الكتلة الصخرية لجبل الدويقة على المنازل والعشش العشوائية في وقت مبكر من صباح اليوم السبت السادس من رمضان حيث يكون معظم السكان في منازلهم عقب صلاة الفجر، ورجحت الأنباء إلى أن انهيار الكتل الصخرية قد يكون قد نجم نتيجة أعمال تجميل يقوم بها أحد المقاولين أعلى الجبل أو بسبب أعمال الصرف الصحي ونحر مياه الصرف الصحي للجبل الجيري. مينا جرجس شاب أربعيني زهقت روح ابنته أمام عينيه يقول بصوت متحشرج يكسوه الحزن على فقد فلذة الكبد: "تصورت أنه كابوس مفزع.. نعم فأسوأ شيء أن ينهار كل شيء حولك ولا تستطيع فعل شيء سقط الجبل فوقنا وحطم جسد ابنتي النحيل، الآن أنا أنتظر أن يسلموني جثتها لأرى ماذا سأفعل بها، أكيد لن يفعل لي أحد شيئا آخر وأنا أساسا لا أنتظر تعويضا ولا أحلم بحياة كريمة، فهذه ليست مخصصة لنا". زوجة مينا أم الطفلة الضحية: "بنتي راحت ودمها ها يروح هدر، أنا كنت عارفة كويس ان هي دي آخرتها الحتة اللي بننام فيها سندفن فيها أيضا، لكن للأسف راحت بنتي وكان أهون علي أموت أنا ولا أرى هذه اللحظة". وفي هذه الأثناء البائسة يخترق جدار الصمت رائحة أنفاس تدخين ملعونة في نهار رمضان وصوت مشاجرة بين شابين يتجاذبان كيسا أسود اللون ولم يتركاه إلا حين تمزق وأخرج ما في قلبه وتدلى حيث اتضح أنهما من العابثين بالجثث ونابش القبور الذين تصيدوا بعض الأشياء التي يمكن استخدامها أو بيعها لقضاء حاجة من حوائج الدنيا وطبعا لقربهما منا حاولنا أن نذكرهما بأننا في رمضان يا جماعة ولا يجوز هذا، لكن يبدو أن سكان المنطقة لهم تقويمهم الخاص أيضا. أما الست كريمة فقد راح ضحية الحادث زوجة ابنها صابر وابناه ونجا الزوج الذي خرج لعمله عقب صلاة الفجر مباشرة فتقول: يا فندي إحنا كعوب رجلينا حفيت من اللف على مكاتب المسئولين وبوسنا أيديهم يرحمونا من الدفن تحت الجبل لأن كان فيه انهيارات كتل صغيرة من قبل وترجيناهم يعطونا حتى شقق إيواء لكن طبعا كما تعلمون حضرتكم. وبالفعل أكدت المصادر أن سكان المنطقة قد ابلغوا مركز منشأة ناصر القريب من الدويقة بسقوط متكرر من الصخور خلال العامين الماضيين مما أدى إلى إصابة العديد ووجود شرخ كبير في الجبل الجيري إلا أن المسئولين لم يتخذوا أية إجراءات لضمان سلامة السكان حتى وقع المحظور وانهار الجبل فوق رؤوس الأبرياء صباح اليوم مما أوقع المئات ما بين قتيل وجريح بخلاف تشريد آلاف المواطنين. وفي تصريحات للصحفيين، حمل حيدر بغدادي النائب عن منطقة الدويقة بمجلس الشعب المصري "البرلمان"، الحكومة ووزارة السكان ومحافظ القاهرة مسئولية الكارثة ، مشيرًا إلى أن المنطقة يقع بها 35 عقارًا تحت الأنقاض الآن كان من المنتظر تسكينهم في ألفين وحدة خالية في مساكن سوزان مبارك . واتهم بغدادي جهاز التعمير بوزارة السكان بالبيروقراطية قائلاً انه جهاز "لا يعمل لمصلحة الله والوطن لأن المساكن فارغة ولا يوجد من يسكنها" ، موضحًا ان مساكن سوزان مبارك لا تبعد سوى 200 متر إلا أن المسئولين لفسادهم لا يقومون بتسكين الناس بدعوى انه لا خطر عليهم في المساكن التي انهارت عليهم الآن. وأكد انه تم استدعاء شركة عثمان أحمد عثمان للمقاولات والقوات المسلحة للمساعدة في إزالة الصخور ، مؤكدًا ان القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة القادرة على الإسراع في إنهاء هذه الأزمة لما تملكه من بلدوزرات وأوناش وميكنة عملاقة قائلا:" القوات المسلحة هي المنقذ الوحيد لهذه الكارثة لا الدفاع المدني ولا شركة عثمان ولا الكلاب البوليسية سوف تحل هذه الأمة ". وأضاف انه طالب شركة الكهرباء بالإسراع بنقل وحدة للمساعدة في الإنقاذ لتضيء المنطقة ليلاً نظرًا لأن جهود الإنقاذ ستستمر طوال الليل. وفي المقابل ، قال هشام الشاذلي أمين شباب الحزب الوطني الحاكم بمنطقة الدويقة :" منذ شهر تقريبًا سقطت أجزاء كبيرة من صخور جبل المقطم ، إلا أن ما قام به الحي هو إرسال عمال لإزالة بقايا الصخور ، وعندما قام السكان بالاستغاثة بالحي أجاب بأن ليس من حقهم الحصول على شقق إلا عند سقوط سكنهم ووقوع ضحايا". وصرخ الشاذلي قائلا :" أحمل عضو مجلس الشعب حيدر البغدادي ومحافظ القاهرة عبد العظيم وزير والحي مسئولية هؤلاء الأبرياء ..حسبنا الله ونعم الوكيل"
اقرأ أيضا: سكان الدويقة.. معاناة ينهيها الموت تحت الأنقاض مصر.. كارثة الدويقة تفتح النار على الإهمال