المؤرخة والكاتبة سوزان جاكوبي، صدر لها هذا الشهر كتابا جديدا بعنوان " عصر الجنون الأمريكي " ، وفيه تؤكد أن هناك معاداة للفكر بأمريكا وهو مثل الموقف القائل بأن زيادة التعلم من الممكن أن تتسبب في خطر كبير ! ، كما تؤكد أن المسألة لا تتعلق بجهل الأمريكيين بالعلوم الأساسية والمعرفة الثقافية والمدنية ، بل تعداه لإنكار أهمية الثقافة من الأساس ! و تشير جاكوبي بكتابها ، وفق ما ذكرته باتريشيا كوهين بصحيفة " نيويورك تايمز " إلي الاستطلاع الجغرافي القومي الذي أجري عام 2006 والذي كشف عن أن نصف من هم بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين من أعمارهم تقريبا لا يعولون أهمية تذكر على معرفة مكان الدول التي يأتي ذكرها في نشرات الأخبار ، وهكذا و بعد ثلاث سنوات من الحرب في العراق، ثلاث وعشرون بالمائة فحسب من يستطيعون تحديد موقع العراق و إيران و العربية السعودية و إسرائيل على الخارطة. تحكي جاكوبي قصة ذلك اليوم الذي طرأت لها فكرة إعداد هذا الكتاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فأثناء عودتها إلي شقتها توقفت عند حانة، تنصتت بهدوء على رجلين مهندمين ، للحظة ظنت أنهما سيقارنان هجوم اليوم الفظيع بضرب اليابانيين لبيرل هاربر بالقنابل عام 1941 والذي جرٌّ أمريكا لخوض الحرب العالمية الثانية: قال أحدهما: يشبه الأمر ما جري في بيرل هاربر . وسأله الآخر: ما هي بيرل هاربر ؟. فأجابه الأول: حين أسقط الفيتناميون القنابل علي ميناء، وبدأت الحرب الفيتنامية. وعلى الفور، تقول جاكوبي: قررت أن أكتب هذا الكتاب. وتقول المؤلفة أن الطلاب بالكثير من الدول الأخرى دائما يتفوقون على نظرائهم الامريكيين بالاختبارات المقارنة في العلوم والرياضيات والقراءة عموماً ، والمؤلفة تلقي باللوم في جزء من المسألة على النظام التعليمي الفاشل ، قائلة : " علي الرغم من ذهاب الناس للمدرسة سنوات كثيرة، فليس من دليل علي أنهم يتعلمون شيئا. وهي تلقي أيضا باللوم علي الموقف الأصولي الديني الرافض للعلم، وهي تعلن عن حزنها من نتيجة الاستطلاعات التي تكشف عن أن ثلثي الأمريكيين تقريبا يرغبون بتدريس عقيدة الخلق الواردة بالكتب المقدسة جنبا إلي جنب مع نظرية التطور لداروين. شاركت المؤلفة مؤخرا في الحملة السنوية لمقاطعة التلفاز لمدة أسبوع وقالت بعدها : " أصابني الذهول من مقدار الصعوبة التي مثلها الأمر لي " . تزايد الجهل مؤخرا أظهر تقرير متخصص عن حالة وسائل الإعلام الإخبارية لعام2007، أن المستوى المعرفي لدى الأميركيين عن العالم من حولهم يتراجع بشده رغم توفر المزيد من مصادر الأخبار في الشبكة العنكبوتية، حسبما ورد بموقع تليفزيون "الدنيا" السوري . وأكد التقرير أن أعدادا أقل من الأمريكيين الذين يعرفون من هو نائب رئيس الولاياتالمتحدة في عام 2007 بالمقارنة مع هؤلاء الذين أمكنهم تحديد هوية نائب الرئيس في عام 1989 طبقا لنتائج بحث أجراه مركز "بيو" هذا العام. وان69 % فقط من الأميركيين أمكنهم تحديد هوية "ديك تشيني" كنائب للرئيس وهو الرجل الذي يعتبره الكثيرون السياسي الأكثر نفوذا في الولاياتالمتحدة بينما تمكن 64% في المئة من الأمريكيين من تسمية نائب رئيسهم "جورج دبليو بوش" في عام 1989. وحاليا هناك عدد اكبر من الأمريكيين الذين يمكنهم التعرف على الممثلة ونجمة موسيقى البوب "بيونس نولز" أكثر من معرفتهم "باراك اوباما" السيناتور الأميركي الساعي لخوض الانتخابات الرئاسية. وتمكن 93% في المئة من الأمريكيين من التعرف على حاكم ولاية كاليفورنيا نجم هوليوود السابق "ارنولد شوارزينيغر" بينما تمكن 36% في المئة فقط التعرف على شخص الرئيس الروسي. ويضيف التقرير أن 73% من الأمريكيين الذين لا يطلعون على الأخبار من أي مصدر إخباري تم تصنيفهم في خانة من لا تتوفر لديهم المعرفة في حين أن 50% تقريبا من المصنفين ضمن من تتوفر لديهم المعرفة يستقون معلوماتهم من سبعة مصادر إخبارية مختلفة على الأقل. وفي استطلاع أجرته وكالة الأسوشيتدبرس، اعترف ربع الأمريكيين البالغين أنهم لم يقرأوا أي كتاب طيلة العام الماضي، في حين بلغ عدد الكتب التي قرأها الشخص العادي أربعة كتب سنويا، وبذلك يصبح متوسط قراءة الكتب بالولاياتالمتحدة العام الماضي بما في ذلك هؤلاء الذين لم يقرءوا شيئا سبعة كتب . من بين هؤلاء القراء - كما ذكرت جريدة "أخبار الأدب" الأسبوعية المصرية - كان المتقاعدون والنساء الأكثر نهما للقراءة، فيما كانت الكتب الدينية والروايات الشعبية في طليعة الخيارات، وكان متوسط الكتب المقروءة ، تسعة كتب للنساء وخمسة للرجال. و أشارت النتائج أيضا إلي أن الحاصلين علي درجات جامعية كانوا الأكثر قراءة، بينما قرأ الذين تجاوزا الخمسين عاما كتبا أكثر من الأقل سنا . وقد أشارت النتائج أيضا إلي أن الأمريكيين من الولاياتالغربية وفي الغرب الأوسط من المحتمل أن كلا منهم قد قرأ كتابا واحدا علي الأقل خلال العام الماضي . فيما الأمريكيون من الولايات الجنوبية قد سجلوا عددا أكبر من الكتب المقروءة، خاصة الدينية والراويات الرومانسية أكثر من القاطنين بمناطق أخري . و حظيت الطبعات الشعبية من الروايات والكتب التاريخية والسير والألغاز بنسبة من القراء قاربت النصف، فيما قال واحد من كل خمسة أنه يقرأ روايات رومانسية. يّنْسبج المحلٌلون هذا التراخي للمنافسة من الإنترنت وأشكال الميديا الأخري، علاوة علي الاقتصاد غير المستقر والصناعة الراسخة التي لا تبشر سوي بفرص محدودة في التوسع . ومن الطريف أن نذكر - كما جاء بجريدة "عكاظ" السعودية - قيام شباب فرنسي بجولة على الأقدام في شتى أنحاء فرنسا للدعوة إلى القراءة مثيراً بذلك ضجة إعلامية، وقرع أجراس للمسئولين في الحكومة، وقد تركت هذه الدعوة أثراً كبيراً في مختلف الأوساط!! كتب المؤلف البريطاني الشهير فيليب بولمان عن الكتاب فقال: "عندما نقرأ, فنحن شركاء في تكوين معاني الكلمات, ونحن نتحكم في سرعة التلقي ايضاً، نحن نقرأ بالسرعة التي نريد, وليس بالمعدل الذي يريده أحداً منا، وعندما ننتهي من القراءة, نستخلص من تجربة القراءة مزيجاً من أنفسنا والنص الذي قرأناه .