أفلام "الروتوسكوب" القصيرة في قصر المانسترلي محيط - رهام محمود نظراً لما يطرأ على الساحة الفنية المعاصرة من تزايد في عدد الفنانين المهتمين بالصورة كوسيط يحتمل التجريب وإعادة التشكيل، زادت الحاجة إلى خلق مساحات إبداعية تفاعلية، يعزى لها طرح أساليب بديلة لتناول الصورة من زوايا فكرية أكثر تنوعاً؛ وذلك من خلال إقامة ورش عمل ولقاءات فنية بين الفنانين المنشغلين بهذا المجال، في محاولة لاكتشاف مداخل فنية جديدة، تضيف للعمل الفني أبعاداً غير تقليدية. ومن هذا المنطلق طرحت الفنانة الدكتورة نجلاء سمير مديرة قاعة "ممر 35" بمتحف محمد محمود خليل وحرمه فكرة مشروع إنتاج أفلام قصيرة مستوحاة من فيلم "الاختيار" كمرجع بصري معتمد على تقنية "الروتوسكوب" (Rotoscoping). حيث أن هذه القاعة هي إحدى الحيزات الفنية والثقافية التي تعني بدعم المحاولات الفنية الأولى لشباب الفنانين المصريين، وتسليط الضوء على الساحة الفنية المعاصرة ، كامتداد لما قامت به القاعة من ورش عمل في مجال "فن الفيديو"، والتي كان نتاجها مجموعة من الأفلام القصيرة من إخراج المشاركين، تم عرضها الأول خلال شهري أبريل ونوفمبر 2007. شمل المشروع ورش عمل وحلقات حوار مشتركة في مجالات الفنون البصرية والسمعية وفنون الأداء؛ لإنتاج أفلام تعتمد في تكوينها على مدلولات الصورة بشكل أساسي، دون إغفال علاقتها بالمحددات السمعية والأدائية المرتبطة بإطار كل عمل. وقد تم العرض الأول للأفلام الناتجة عن المشروع بقصر المانسترلي، افتتحها الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية.
ترتكز فكرة المشروع على استخدام تقنية "الروتوسكوب"، وهي إحدى التقنيات الفنية المتداولة لصنع أفلام التحريك، يستخدم فيها صانع الفيلم مشاهد مصورة مسبقاً، كأساس لتوليد صور رسومية مبنية على إطارات المشاهد الأصلية، كل إطار على حدا. حيث استخدم الفنانون المشاركون هذه التقنية في بناء مشاهد لأفلام قصيرة من تصورهم، تستوحي مفرداتها البصرية من مشاهد أحد الأفلام السينمائية المصرية وهو فيلم "الاختيار" للمخرج يوسف شاهين، والذي تم إنتاجه عام 1970 في فترة تميزت فيها أعماله باهتمام متعمق بالصورة كمحدد أساسي، مما أتاح الفرصة أمام الكثير من المخرجين في ذلك الوقت لخوض تجارب فنية أكثر تحرراً من قيود التقاليد الكلاسيكية لصنع الأفلام. بدأ العمل بالمشروع بعقد مجموعة من الجلسات التحضيرية واللقاءات الحوارية بشباب الفنانين أدارها منظمو المشروع وهما الفنانان أحمد فولة ونجلاء سمير. حيث تقدم للمشاركة عشرون فنان، وقع الاختيار على أثنى عشر مشروع من قبل لجنة ضمت الفنانين القائمين على إدارة الورش الفنية، وهم الفنانون شريف العظمة، شيرين الأنصاري، محمود رفعت، بالإضافة لمنظمي المشروع، كما شارك في إدارة الورش وإنتاج الأفلام الفنانان إسلام كمال ومجدي مصطفى، حيث امتدت فعاليات ورش العمل من 13/12/2008 وحتى11/3/2009 . وأنتج المشروع أحدى عشر فيلماً هم: فيلم " العوامة " للفنان أحمد صبري الذي استغرق عرضه 3:13 دقيقة، وهو عبارة عن صورة افتراضية تنتج عن حالة الدمج بين ثقافتين مختلفتين هما السينما والمسرح، لكل منها مرجعيتها الخاصة، فلا يقدم السلفيون أفلاما؛ ولذلك حاول الفنان البحث عما وراء الصورة. بينما كان فيلم" كرسي الاعتراف " للفنان أحمد محسن الذي استغرق عرضه 2:37 دقيقة. عبر خلاله الفنان عن الحركات المرتبكة للإنسان الذي يحاول التخلص من مخاوفه، والآلام المسيطرة عليه؛ ليواجه ما يمكن أن يجبره على الاعتراف. حيث يدور العمل حول فكرة "الاعتراف" كمركز للأحداث؛ والتي تبدو منطقية في تسلسلها، ويدعمها في ذلك اختيار الفنان لطريقة السرد المباشر لبناء الحوار، مكتفياً بفضول المشاهد ورغبته في معرفة المزيد عن شخصية البطل لمتابعة تلك الأحداث. أما فيلم " ع الغدا " فكان للفنانة شيرين البارودي والذي استغرق عرضه 1:48 دقيقة، عبارة عن تداعيات من الذاكرة، تظهر في ألوان صاخبة، وحركات سريعة متوالية، تعكس الحالات المزاجية الانفعالية المتضاربة لسيدة.وقد قام العمل على رسم الفنانة عددا كبيرا جدا من الرسوم مستخدمة العجائن والألوان الزيتية والباستيل على الورق الشفاف، وبدأت من خلال هذه الرسوم تجميع فيلم "ع الغدا". " منطقة غريبة " هو عنوان فيلم الفنانة شيرين لطفي الذي استغرق عرضه 1:30 دقيقة، فهي تصور الإنسان الذي يرغم على الوجود في موضع لا يرغبه، وهذا عبرت عنه بالكرة وحركتها التي تنتقل من شخص لآخر، وفي النهاية تجبر على وضع معين، فيلم " الرصيف" أنتجه الفنان عمرو ثابت، وقد استغرق 1:43 دقيقة، وهو يمثل رغباتنا المحرمة وكيفية افتعال الحيل لكبتها حتى تنفجر بداخلنا، ورغماً عنا. فقد ظهر البالون في العمل ليعبر عن الرغبات السيئة للإنسان، وعلى مدار الفيلم يفكر هذا الإنسان في هذه الرغبات التي تكبر معه وتظهر بصورة ذباب يخرج من البالون. الفنان عمرو قناوي قدم فيلم " طنين " الذي استغرق عرضه 1:15 دقيقة، وهو يصور أصوات تنشب في أحد الأذنين أو كلاهما، مثل الغمغمة المتواصلة... رنين أو صفير، يحدث دون محفز خارجي، وإنما نتيجة لحالة معينة، مثل تلوث الأذن، أو تسبب فيها تناول بعض العقاقير، أو انسداد القناة السمعية، أو إصابة في الرأس. استطاع الفنان في هذا الفيلم أن يجرد مشاهد مختارة من فيلم "الاختيار" بمهارة كبيرة، سمحت له إعادة تشكيلها والإضافة إليها بحرية ومرونة؛ ليظهر لنا في النهاية فيلماً يحمل بالإضافة إلى خصوصيته فهماً واعياً لخصوصية التكوين البصري لمشاهد فيلم "الاختيار". أما فيلم" منتج مثير" للفنان محمد عبد الكريم فقد استغرق عرضه 1:26 دقيقة، وهو عبارة عن مشاهد مكثفة لا ترتبط صورها بشريط الصوت، بل يربطها بالفيلم الأصلي "الاختيار" هدفهما المشترك لإخراج منتج مثير. حيث يحاول العمل طرح إطار سردي أحادي لبعض مشاهد الفيلم الأصلي، محاولاً بذلك استفزاز المشاهد للتساؤل عن جدوى الرقابة مقابل حرية التعبير. اعتمد فيلم "تلك مييتى الأولى" الذي أنتجته الفنان منة مصطفى واستغرق عرضه 1:51 دقيقة في صوره على مشهد واحد، بالرغم بما توحي به تلك الصور التي عرضت من اتساع ورحابة تتخطى حدود المشهد. حيث أننا نشاهد حيز مفترض ملموس في ذات الوقت، وهو "داخل القبر"، مما يُكسب العمل أبعاداً شاعرية شديدة الرهافة. ويحتوي فيلم " بزيادة " للفنانة نيفين فرغلي الذي استغرق 1:15 دقيقة على كم وافر من التفاصيل وعلاقاتها بين الانسجام والتنافر؛ لتعكس لنا ما تحمله مفردات الحياة اليومية من تشابكات وفوضوية، وبحث دائم عن طريق للخلاص. يعتبر فيلم " اضطراب " للفنانة نينا الجبالي الذي استغرق عرضه وقتا كبيرا عن باقي الأفلام 9:47 دقيقة نوع من أنواع التفكير غير المعقول وغير المفيد، والذي يلازم الإنسان بشكل مرضي ويحتل جزءاً من وعيه وشعوره، بالرغم من قناعته بسخافة هذا التفكير. فعلى عكس أغلب الأعمال الناتجة عن هذا المشروع، يعتمد هذا الفيلم على الصوت بشكل أساسي، كمدخل لبناء الصورة. فالفنانة تعبر عن الخواطر والاضطرابات الكامنة بداخل كل شخص، حيث أن كل شخص يتغير ويفكر باستمرار، وهذه هي الإضرابات التي نعيشها. أما عن الفيلم الأخير فكان للفنانة هند نوار تحت عنوان " 179/181 " ، وقد استغرق عرضه 1:19 دقيقة، وهو يعبر عن الوقت الذي يمر بطيئا على من ينتظر، فبالرغم من ارتباط حالة الانتظار بالملل، وبطء الوقت، اعتمد إيقاع الفيلم على تلخيص الأحداث؛ ليتناول هذه الحالة من وجهة نظر مختلفة. تقول الفنانة نجلاء سمير: عندما بدأنا المشروع أدركنا أننا لابد أن نوحد المرجع البصري كي تخضع التجربة للتقييم، ووقع اختيارنا على فيلم "الاختيار" كنموذج مهم جدا في السينما المصرية في فترة الستينيات والسبعينيات في أوقات ثرائها وتفتحها، وهو فيلم للمخرج يوسف شاهين الذي يبني كادر الصورة بصريا بوعي شديد وبلغة تقدمية بالنسبة لهذا الوقت، والذي كان يتعرض لعلاقات وموضوعات اجتماعية بجرأة كبيرة . فنحن نرى أنه لابد في هذا المجال أن يعمل وينطلق الفنانون من نفس هذا المفهوم؛ ولذلك اخترنا هذا الفيلم، وكان مصطلح أسم الفيلم أيضا ذو علاقة بطبيعة ما نفعله؛ لأن كل فنان كان ينظر للعمل الفني ويأخذ مدخل جديد كي يبني مشروعه من خلاله، فالأفلام عندما عرضت لم يتأكد المشاهدين - باستثناء الأعمال التي كانت تحوي صور واضحة – بأن هذه الأعمال كان لها مرجعية أم لا؛ وذلك حدث لأن كل فنان أخذ مدخل وبدأ بناء مشروعه الفني برؤيته وأسلوبه، وجزء كبير من الأعمال أبدع بأسلوب يدوي، وجزء آخر باستخدام الكمبيوتر دون دخول أي مؤثرات على الفيلم . فالفيلم الذي نشاهده في دقيقة رسم بواسطة حوالي 750 "فريم"، وهذه هي فكرة المشروع، حيث جمعنا مجموعة من الفنانين على علاقة بالصورة والصوت والأداء، ومن هذا المنطلق طرحنا مسابقة، وقدم الفنانون مشروعاتهم، وشكلنا لجنة من فنانين أشرفوا بعد ذلك على الورش الفنية، فاخترنا 12 مشروع نبدأ منه، وكان لابد أن يظهر بالفعل الاستعداد للمثابرة كي تخرج الأفلام . فأفلام الرسوم المتحركة تنتجها شركات ووكالات تعمل بها مجموعات من الأشخاص، لكن هنا قام كل فنان تقريبا بعمل الفيلم بمفرده، ففيلم لينا الجبالي رسمت له 9400 فريم بمفردها. وقالت عن تقييمها للأعمال أنها سعيدة جدا بالتنوع في الأفلام، وأن كل فنان له استقلاليته من بداية اختيار الموضوع الذي يعمل عليه حتى اختيار المشاهد أو الشخصيات الذي يبدأ منها، والترجمة البصرية المختلفة حيث بعض الأفلام تمت بالمعالجة الخطية، وأخرى بمعالجات لونية وحشية، وغيرها معتمد على الصورة الفوتوغرافية بعد معالجتها، فكل فنان بنا مشروعه باستقلالية شديدة، مع الاستفادة من الورشة الفنية. وسوف يتم عرض الأفلام لاحقا في مهرجان السينما البديلة بدولة سلوفاكيا. وأوضح الفنان محسن شعلان أن هذا المشروع سيخدم مفهوم مجال الفيديو وأهميته الذي كان من حوله دائما صدام ولبس وادعاء من بعض الأشخاص بأنه فن ليس له أهمية وأنه دخيل على الفن التشكيلي، ولكن أهمية هذا الموضوع تحديدا الذي أشيد فيه بالفنانة نجلاء سمير حينما أخرجته من قاعة ممر 35 من خلال ورشة عمل أقيمت بجدية؛ لأنه حدد دورا واضحا للفن التشكيلي مع الرواية والسينما، قبل ذلك كان هذا الدور محدود، فعندما نعيد قراءة "الاختيار" كرواية أو كفيلم في الفن التشكيلي فكيف كان سيحدث ذلك؟، فهل سيصيغه الفنان كلوحات زيتية؟! لن تعطي نفس الانبهار ويجوز في هذا عدم نجاح المشروع، لكن لأنك تناقش فكرة "الاختيار" بفيديو فبذلك لم نبتعد عن فكرة السينما، ولكن نضيف إلى هذا الفيديو إحساس وإرهاصات الفنان التشكيلي الذي فعل ما يشعر به تجاه العمل، فهذا ينبه أن الفيديو يمكن أن يقدم عمل جاد جدا لو درس بعناية وكان له شخصية. وقال أن فيلم يوسف شاهين كان جريئا في مشاهد كثيرة واستطاع الفنانون عكس هذه المسألة بوضوح . هذا الفن انتشر بين الشباب ولقى ترحيبا واسعا ، ولذا لابد من الاهتمام به ، ولابد من مواكبة التطورات الفنية حول العالم وعدم الانحصار في أشكال الفن بمصر .