لوحات سيوة .. تكوينات فنية متأملة وحالمة معرض سيوة محيط - رهام محمود من الجميل أن يعيش الفنان في أحضان الطبيعة أو يجلس ليتأملها بعض الوقت ، وخاصة الفنان دائما ما يهرع للطبيعة ليحقق انسجامه ويبدأ في الإبداع . ولتحقيق الإبداع نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الدكتور أحمد مجاهد، والفنان الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية ، ورش عمل لمجموعة من الفنانين والفنانات في واحة "سيوه" . عاد الفنانون من الورشة منذ شهر تقريبا، كما عادت ورشة الفنانات التي ضمت ثمانية فنانة وقوميسير عام الورشة الدكتورة عقيلة رياض منذ عدة أيام، حيث استمرت الفنانات في احتكاك مباشر مع الطبيعة عشرة أيام، كما سيخرج فوج آخر بعد عدة أيام. ضمت الورشة فنانات من محافظات مختلفة، إيمان عزت وهيام عبد الباقي من كفر الشيخ، نفين الرفاعي وفاطمة هنداوي من الإسكندرية، أما الفنانات رانيا الحلو، مروة الشاذلي، كاريل حمصي، ورهام محمود فمن القاهرة. سيوة في البداية جالت الفنانات في طبيعة سيوة ، للتعرف على المكان . وقد بهرتهن البيوت الطينية القديمة هناك في سيوة القديمة أو "شالي" ، وأناسها الطيبين ، ونساؤها المحافظات . جبال سيوة كالدكرور والإسكندر وجبل الموتى الذي يحوي مدافن لقدماء المصريين "الفراعنة"، منطقة أغورمي، عين كليوباترا، بحيراتها الثلاثة التي تحيطها من اتجاهات متنوعة، نخيلها الكثيف، وآبارها وعيونها الكثيرة التي تملأ الواحة وتنتشر في كل مكان. في نهاية الورشة أقامت الفنانات معرضا عن نتاج أعمالهن في بيت ثقافة سيوه، الذي كان يرسمن فيه كل يوم حتى يحل بهم الليل، وقد لقي هذا المعرض إقبالا من أهالي سيوه، والسياح الأجانب والمصريين من محافظات أخرى الذين يعيشون بها، وقد ضم المعرض حوالي 33 عملا. استخدمت الفنانة فاطمة هنداوي الألوان بشفافية عالية، حيث لا يتضح ملامح أشكالها أحيانا ولكنها اعتمدت على التناغمات اللونية، متأثرة في أعمالها بالمباني القديمة والصخور. رسمت ثلاث لوحات بمقاسات مختلفة، مستخدمة درجات الموف والأخضر التي تفضلها دائما في لوحاتها إلى جانب ألوان المكان، هذا على الرغم من أن المكان بسيوه يميل للرماديات والألوان الحيادية. أثر عليها أيضا منظر النخيل الكثيف الذي رسمته في لوحة أخرى من الطبيعة مباشرا، فدائما كان يثيرها هذا المشهد حينما كانت تنتقل من مكان لأخر، فشعرت بذلك الحوار الجميل فيما بينهم، والذي لم تستطع رؤيته في أي مكان آخر بالعالم ، كما ذكرت. نيفين الرفاعي رسمت الفنانة مروة الشاذلي لوحتين عبارة عن مناظر طبيعية برؤية تجريدية لمشاهد من سيوه بجبالها وبيوتها ونخيلها، مستخدمة الألوان الرومانسية الرقيقة التي أضافت إليها لونا الذهبي والفضي النادر استخدامهما في أعمال تشكيلية، كما قدمت عملا مكون من ثلاثة لوحات صغيرة، تجردت فيها هذه المناظر حتى أصبحت مسطحات لونية مهتمة بأن تظهر خطوطها في بناء تشكيلي محكم. كما استلهمت الفنانة نفين الرفاعي الأماكن السيوية المختلفة في لوحاتها الثلاثة التي قدمتهم في الورشة بأسلوب تجريد تعبيري وبشكل مسطح نسبيا في تعبيرها عن الأشياء، فكان دوما تحليلها للكون أنه عبارة عن مجموعة من الخطوط المترددة والمتوازية، وهذه الخطوط ظهرت بوضوح في لوحاتها ذات تموجات بسيطة ساعدت على إثراء العمل. نرى المرأة السيوية في لوحاتها تلبس الذي السيوي المزخرف، ومشهد الجبال الشفافة من بعيد، وعين كليوباترا التي رسمتها بشكل مختلف في أكثر من لوحة. وفي حالة حالمة رسمت الفنانة كاريل حمصي لوحتها لتضم مجموعة كبيرة من العناصر التي تأثرت بها من واحة "سيوه"، كالجبال التي توسطت اللوحة في مساحة مربعة، ومن حولها تأتي باقي العناصر في زحام لتعبر عن مدى تأثر الفنانة بالطبيعة السيوية المختلفة، فنرى المرأة في جانب من اللوحة، كما يستغل "الحمار" مساحتين من اللوحة في أسفل يمين اللوحة، وأيضا في الجانب الأيسر من أعلى اللوحة، فهو هناك لم يكن كما نراه في أي مكان بمصر، فصوته عال يرج أذان السامع، يتواجد بكثرة، لم يكن رفيعا هزيلا، بل يبدو سمينا ناصع البياض. هيام عبدالباقي أما الفنانة هيام عبد الباقي فتأثرت بالبلد السيوي القديم وهو "شالي" الذي رسمت عمارته وجدرانه في أربع لوحات، مستخدمة سكينة اللون لتنشأ بعض الملامس الخشنة التي تعبر عن عمارة سيوه المبنية بالطين والزلط، حيث أنها ترى علاقات إنسانية غير عادية بين هذه الجدران، التي تشهد على العالم الذي كان موجود فيها وهجرة ناسه منه، والذي يقام فوق الجبل، ومن تحته تأتي بلد أخرى منفصلة عنه. فظهرت هذه العلاقات على مسطح لوحتها، لتظهر جمال العمارة في هذا المكان الذي كاد أن يندثر. الفنانة رانيا الحلو رسمت ثمان لوحات بمساحات صغيرة، استطاعت فيها أن تخضع العناصر التشكيلية التي اكتسبتها لفكرها وعناصرها التي تستخدمها في أعمالها، وذلك بمجموعتها اللونية المفضلة التي تشبه قوس القزح، فهي عادة تضع أشخاص في اللوحات لم يظهر منهم أي ملامح أو محددين الجنس من رجل أو امرأة. رانيا الحلو في خمسة لوحات استلهمت مداخل منطقة "أغورمي" محققة فكرة منظور النقطة الوحدة وخروج كل الخطوط على الشباك أو الباب من الظلام إلى النور، حيث سميت هذه المجموعة "باب النور"، أما اللوحات الثلاثة الأخريات فمنهم لوحة رسمتها بالألوان الأكريلك والأحبار رسمت بها أيضا منطقة أغورمي لكن من الداخل تنظر على المبنى ككل، وفي اللوحة الثانية استخدمت الألوان الأكريلك المخلوط بالرمل، والتي رسمت بها منظرا من جبل الموتى يبدو كالشباك بأسلوب أكاديمي، وفي اللوحة الثالثة رسمت فيجر في قلب فتحة مقبرة من جبل الموتى، استخدمت فيها سطح خفيف من الرمل الملون موزع بشكل غير مسمط على السطح، وبعد أن جف بدأت الرسم من فوقه بالأحبار والألوان الأكريليك السائلة في عمل شفافيات، فلوحاتها تبدو تصميمات أكثر منها دراسة للمكان. ومن خلال شرفة غرفتها استوحت الفنانة إيمان عزت أحد أعمالها، حيث كانت ترى كل يوم في الليل وميض من أضواء سيوه التي أحسته بعمق وعبرت عنه بصدق في لوحتها بأسلوبها الخاص الذي اشتهرت به، وهو الإيقاعات الخطية لتسجيل الأرض، فيبدو وكأنه تلك الأنوار التي ترى من بعيد تحمل رحيق "سيوه" . وفي لوحة أخرى مكونة من أربعة أجزاء سحرتها شبابيك سيوه القديمة، التي رسمتها بملامح متنوعة في كل منها، تحمل زخرف التراث السيوي الجميل، وفي عملين آخرين اعتمدا أيضا على الإيقاعات الخطية للأرض، أضافت إليهما مساحات لونية مصمتة شبة بيضاوية إحداها تضم عدد من النقط المختلفة الأحجام، وكأنها تعبر عن طبيعة سيوه الفريدة بين شتى بقاع الأرض. رهام محمود بينما رسمت الفنانة عقيلة رياض قوميسير الورشة والتي أثرت على الرسم في طبيعة سيوه المبهرة بجانب دورها الإداري كقوميسير منظرين طبيعيين، حيث خرجت للطبيعة كي ترسم منها مباشرا، لكنها تناولته بأسلوبها الخاص الذي تعودت عليه خلال السنوات الماضية، وكانت هذه تجربة جيدة بالنسبة لها. كما رسمت ثلاث لوحات أخرى مستلهمة فيها الطابع السيوي أيضا، لكنهم لم يكتملا في وقت الورشة المحدود، كما ستقوم بانجازهم لاحقا؛ لأن أعمالها تحتاج طبقات متعددة من التحضير والألوان. أما عن تجربتي في الورشة وخروجي مع مجموعة فنانات متميزات في الساحة التشكيلية، فأنا قدمت أربعة أعمال تجريدية مستوحاة من طبيعة سيوه، تناولتهم بأساليب مختلفة، ثلاثة منهم يعتمدون على تناغم الدرجات اللونية التي يخرج من بين ثناياها إحساسي بسيوه، فتظهر الطبيعة ذات شفافية تحمل روح المكان، وهذا هو أسلوبي المفضل الذي استخدمته بخامة الجواش في أعمالي السابقة، ولكني استخدمت نفس الأسلوب هنا بالألوان الأكريليك، أما اللوحة الرابعة فرسمت فيها جدران من سيوه، ذات ملامس خشنة، والتي بدت مسطحة ومجردة من أي تفاصيل. اقرأ أيضا د. عقيلة : سيوة أكسبتنا الكثير بسحرها وهدوئها فنانات مصريات تستلهمن الطبيعة بسيوة