أسباب تغيير بينالي القاهرة الدولي في دورته الحالية محيط - رهام محمود عقد المؤتمر الصحفي لبينالي القاهرة الدولي الحادي عشر قبل افتتاح المعرض بيومين، وقد استضاف المؤتمر الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية، والفنان إيهاب اللبان قوميسير عام البينالي ومدير قاعة أفق واحد بمتحف محمد محمود خليل وحرمه. بدأ الفنان محسن شعلان حديثه بإلقاء الضوء على هذه الدورة من خلال الوضع العام للبيناليات الدولية وموقع مصر منها، كما ذكر أن بينالي الإسكندرية من البيناليات القديمة التي تم افتتاحها عام 1955، حيث لم يستطيع المؤرخين الذين رصدوا الحركة التشكيلية العالمية في تحديد أن كان بينالي الإسكندرية يسبق بينالي ساوباولو بعام أو عامين أم العكس، بينما بدأ بينالي القاهرة الدولي عام 1986 حيث كان قاصرا على الدول العربية، ثم تحول بعد ذلك في عام 1988 إلى بينالي دولي، وكان ذلك أنسب لأنه يحمل أسم القاهرة عاصمة مصر، ولأهمية هذا الموقع على كافة المستويات الثقافية في المنطقة العربية وفي العالم، فأقيم هذا البينالي ليكون ملتقى لفناني دول العالم ومعرفة اتجاهاتهم الفنية الجديدة. استمر البينالي عندما بدأ في هذا الوقت بشكل قوي، وحقق تواجد، وحصل على اهتمام الفنانين والدول التي حرصت على المشاركة فيه طوال الدورات السابقة، ولكن الدورة السابقة وما قبلها بدأنا نشعر أن كل شيء يتغير من حولنا، وجودا للظاهرة الصحية أنه لا يوجد شيء ثابت لأداء، حتى لو كان هذا الأداء عال، فلابد أن يواكب هذا البينالي ما يحدث من تغيير على الساحة التشكيلية المحيطة. أضاف: ومن هذا المنطلق بدأنا الدورة السابقة في إعادة التفكير في إعادة صياغة هذه الدورة الحادية عشر على أن تكون دورة جديدة، ليس بما يقدم فيها من أعمال فنية، بل تكون أعمالا جديدة من حيث الفكر والمضمون وآليات العمل في هذه الدورة. وقد وجدنا دفعا كبيرا لنا من قبل الفنان فاروق حسني وزير الثقافة لأنه يملك حس الفنان فشجعنا على حتمية هذا التغيير، وكان هذا بداية تناقشنا حول أهمية إعادة صياغة بينالي القاهرة، فكان متحمسا بشكل كبير، وهو أن يضخ في هذا البينالي بناء جديد يعطي له الدافعة، فللمرة الأولى يكون قوميسير البينالي فنان شاب وهو إيهاب اللبان الذي بذل جهدا كبيرا جدا في هذا البينالي، ولم يكن بمفرده، فنحن بدأنا فكرة وجود لجنة عليا للبينالي من فنانين شباب متحمسين وممتلئين بالأفكار الجيدة والذين في تواجد حقيقي على الساحة المحلية والدولية بشكل متميز كفنانين وفي حركة اتصالهم بالآخر، فاجتمعنا لنفكر كيف نعيد صياغة هذا البينالي، واتفقنا على طرح تيمة تفتح على العالم، فاليوم أصبح الاتصال بما حولنا سهلا ولم يحتاج جهدا كبيرا كما الماضي، فكنا كل لقاء نجد أفكارا جديدة، ونحضر كتالوجات البيناليات المهمة التي تقام على مستوى العالم لنطرحها مع بعضنا، فاخترنا تيمة "الآخر" الذي أراه اختيار ذكي جدا لأنه يمثل حالة عامة لم تكن في مصر بل تدور في العالم كله من خلال أحداث محيطة في كل شيء، اعتقادا بأن الأزمة هي الاتصال بالآخر وفهمه والانفتاح عليه، فوجدنا أننا لا نطرح كلمات كثيرة تربك الفنان، لكن بكلمة واحدة يمكن أن تكون أول خطوة على طريق طرح قضية إبداعية تعبر عن هذا المفهوم. يواصل، تعمدت في معظم الوقت في هذا البينالي أن يكون الأداء لشباب، وكنت أنا أتابع من بعيد، إيمانا مني أنني لا أعطي جزءا ويكون بيدي باقي الأجزاء، فكان لابد أن يشعر القائمون على هذه الدورة أنهم لهم مطلق الحرية التامة في التفكير والتحديث واتخاذ القرارات في شكل هذه الدورة، فبدأنا نقول أننا سنتصل بفنانين لنضمن أن مستوى البينالي هذا العام يكون أفضل من السنوات السابقة. اهتممنا بفروع الفن المعاصرة والمستحدثة كالميديا والفيديو والإنستيليشن، والفروع التي كان سياسة قطاع الفنون التشكيلية خلال العامين الماضيين تهتم بطرحها أمام الشباب على المستوى المحلي؛ لأننا وجدنا أن حالة التغيير الكبرى التي حدثت في العالم في شكل الفن وإخراجه لابد أن تجعلنا نواكب هذا التغير، والشباب بالفعل الذي كان يستهويه هذه الفروع والمجالات من الفن، كان يواكب هذا التغير بشكل خاص، غير معتمد على المؤسسة والأجهزة المنظمة للمعارض، بقدر ما اعتمد على جهده الخاص في الاتصال بالمؤسسات العالمية والأخرى للتعرف على ما هو الجديد، فهذا وضعنا في حالة أننا أولى بأن نوفر الطرق والسبل الأسهل للاتصال فيما بين الفنانين وبين العالم المحيط. يتابع: سبق البينالي مجموعة من المعارض والورش الفنية المنفتحة على دول كان أهمها على الإطلاق معرض أقيم في قصر الفنون - نفس موقع البينالي الحالي - خلال الموسم الماضي تحت عنوان "ماذا يحدث الآن؟"، فكان واضح من العنوان أنه عنوان بحثي، به تساؤل وطرح في الوقت نفسه، أننا نرى ماذا يحدث عندنا وما حولنا، وكان مفاجأة أن هذا المعرض أقيم بهذا الشكل، بحيث أن فتح قصر الفنون جميع قاعاته لمدة عشرين يوما للفنانين كي يعملون مع بعضهما في تجهيز الأجنحة التي سيعرضون بها وذلك حتى موعد الافتتاح، وأنا اعتبر أن هذا المعرض حقق أهدافا مهمة جدا، وأعاد ثقة هؤلاء الفنانين في أننا قادرين على طرح هذه التعديلات بوعي وبشكل مدروس. ختاما. أنا اعبر عن سعادتي بهؤلاء الشباب القائمين على هذه الأنشطة، فنحن نخرج أجيال جديدة قادرة على التواصل، مع احترامنا لجميع لخبرات السابقة من جيلي ومن أجيال سبقوني، واعتقد أن هؤلاء الشباب حققوا النجاح بشكل جيد جدا. أما الفنان إيهاب اللبان القوميسير العام للبينالي فقال: توعدنا فيما قبل أنه يوجد بروتوكول تعاون فيما بيننا وبين سفارات الدول الموجودة في مصر كي يرشحوا لنا فناني دولهم للعرض في بينالي القاهرة، فكنا لا نتدخل أطلاقا في اختيار الفنانين إلا قليلا، ولذلك لم نكن نضمن المستوى الجيد الذي نريده، فاستطعنا هذا العام أن نحصل على فنانين مهمين في مختلف أنحاء العالم، فطرحت كلمة "الآخر" على المستوى الإنساني، حيث أنني اعتقدت بأنه أنا هو الآخر، ولذلك طرحت الآخر بأنه الإنسان بعيدا عن الصراعات والحروب والأديان والمجتمعات والشرق والغرب، فهذا هو الموضوع الذي تناوله الفنانين المشاركين في البينالي هذه الدورة، وقد وفق معظمهم في تناول هذا الموضوع في أعمالهم. وعن رؤيته عن "الآخر" أضاف اللبان: نحن بحاجة لإعادة اكتشاف أنفسنا حتى نتمكن من اكتشاف الآخر داخلنا. ولابد أن يكون الإنسان مدركا لذاته عارفا برسالته ومؤديا لدورة نحو هذا الآخر. والفنان خاصة هو مجموعة من الخبرات الخارجية المتفاعلة مع ثقافته لينتج حاصل جمعها إبداعا آخر مختلف عن مجموع الإبداعات المجاورة. ولا اعتقد أن الآخر هو من يلقي بظلاله على تاريخ من حوله وتراثهم وثقافتهم وإنما هو من يتفاعل معه، تؤثر فيه ويؤثر فيك، يضيف إليك وتضيف إليه، تناقشة وتتحاور معه ليتجاوب معك لتصلا معا إلى منظومة متوحدة البناء. فإذا ما اجتمعا في سياق فني واحد، تتفاعل مخيلاتنا الإبداعية وتنصهر سويا لتنتج كيانا متوحدا، ينظر إليه بعين الآخر. يتابع: قد يبدو الفنان وهما أمام مرآته فلا ثبات تتصف به قراءته لنفسه ليبقى دائما في محاولة اكتشاف جديدة لذاته ومن ثم لمن حوله. وانطلاقا من هذا المفهوم ليس الآخر هو العلة الأولى ولا المجتمع الآخر ولا اللغة الأخرى، وإنما الآخر هو حاصل طرح ثقافة فرد من ثقافة فرد آخر، وثقافة جماعة من ثقافة جماعة مجاورة، ومرورا بالاصطلاحات الأخرى تاريخيا وجغرافيا لمفهوم الآخر.. يبقى لنا احتمال وهو أن يكون هناك وجود نتمناه ووجود آخر نغشاه وذلك هو وقود التعرف وطاقة الاكتشاف الدافعة التي نحيا جميعا من أجلها. فلا سبيل أمامنا سوى التعامل مع هذا الآخر في محاولة منا لإيجاد قواسم مشتركة، لإرساء أرضية للتعايش، حتى تصبح أساسا قويا للانطلاق نحو الأفضل. وفي هذه الدورة الحادية عشر لبينالي القاهرة الدولي، ندعو كافة الفنانين بمختلف انتمائتهم وتوجهاتهم؛ لكي يكشفوا لنا عن ذلك الآخر برؤيتهم الخاصة وفلسفتهم الذاتية.