يختزن العقل العديد من المشاهدات والإنطباعات التي تظل على مدار الأيام والأعوام قابعة في دهاليز الذاكرة داخل غرفها وفي ممراتها الخفية، صور الأماكن، بما تحتوي من ذرات وجزيئات، بما تتسم من دقائق التفصيلات, هي في الواقع من أهم الصور المنطبعة في المخ البشري ما دام حيا. محيط : رهام محمود من هنا جاءت فكرة "ملامح جدران" عنوان معرض الفنانة د /أماني علي فهمي الذي أقامته في قاعة الأرض بساقية الصاوي, حيث احتضنت جدران القاعة سبعة وعشرين عملا فنيا من الأعمال التصويرية التي تجذب المشاهد وتؤثر فيه وسرعان ما تداعب مخيلته حين يقع نظره عليها, فيتواصل مع أحلامه ويتذكر تلك الجدران العتيقة التي تشكل ملامح وطننا. قدمت د/أماني وهي مدرس بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة ، قدمت أحدث إنتاجها الفنى بهذا المعرض، جاءت معظم الأعمال فى مساحات صغيرة، تناولت فيها جدران الأبنية والمساجد العتيقة فى الأحياء القاهرية القديمة مثل حى الحسين والجمالية والأزهر، وإهتمت بإظهار تأثير الملامس فى أعمالها، فإستخدمت الرمل والجبس وغيرهما من المواد التى عملت على تقريب ملمس سطح اللوحات من ملامس الحجارة الخشنة القديمة بكل ما تحمله من قيم جمالية خاصة. أما الألوان فقد أقتصرت في معظم الأعمال على الرماديات والألوان الأرضية مع وضوح التضاد بين الأبيض والأسود ، اقترب اسلوبها الفنى من التجريد مع الزهد اللونى والبساطة الشديدة وهو نهج حرصت على تحقيقه الفنانة فى هذه الأعمال. وفى لوحات اخرى رسمت فهمي مجوعات من الحجارة المتنوعة فى الشكل والحجم والإيقاع, وكانت صيغتها تميل إلى نزعة تجريدية صوفية تأملية تسبح عبر صمتها داخل خصوصية أبسط للأشياء التي نراها بشكل عابر في حياتنا العادية. اتسمت صياغة الأعمال بالسكون والإيقاع المنتظم ، حيث تعددت الوحدات الحجرية المستطيلة والمربعة ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة, وتكررت عبر المساحة التصويرية بأكملها ، محافظة علي الإيقاع الذي يحكم الشكل والفراغ ، كما جاء النسق يتسم بالتوازن والحيادية. وشاركت أيضا الصياغة اللونية في الحفاظ علي هذا النسق الإستاتيكي من خلال المجموعة الرمادية والألوان الأرضية التي جاءت هادئة التباينات تعلوها مسحة جيرية الطابع والملمس ، تتناثر فوقها حبيبات الرمال. وفى اعمال اخرى نرى تحرك الخطوط والرسوم الممثلة للحجارة في إيقاع متنوع بين التكاثف والتباعد ، وكذلك جاءت الحجوم ما بين شديدة التضاءل وكبيرة المساحات. ترجمت حركة الفرشاة ملامح القدم والتهالك عبر أداء متحرر عفوي وسريع ، محمل بنبض اليد وطزاجة اللمسة ، كما لم تأتي هيئة الحجارة محددة في الشكل المستطيل المنتظم, بل جاءت منغمة الحدود متعرجة الخط بدائية المظهر حيث الإبتعاد عن التأنق والنسق الموحد. تقول الفنانة أماني: تعد مدينة القاهرة من أكثر مدن العالم ثراءا معماريا وفنيا واكثرها تنوعا, فمن ضفاف نيلها إلى أسوارهاالعتيقة ، جبالها العتيدة ، يجد الإنسان أوجه متباينة لتلك المدينة الساحرة. أضافت: وتعتبر القاهرة الفاطمية أحد أهم وأروع تلك الأوجه، هي التاريخ والأحداث، العمارة والبشر, يغلفها سحر يجذب النفس بشدة ويدعوها للتأمل والتجول وكشف أسرار شوارعها وحواريها وازقتها, وتمثل أحياء الأزهر, الجمالية, الغورية, الحسين بأكملة مناطق في غاية الأهمية بالنسبة للفنان وللفنون, حيث أنها تشكل بجمالياتها الخاصة ركيزة أساسية في صياغة وعيه الإبداعي وثقافته البصرية, وتظل تلك السياحات والمشاهدات عالقة وراسخة كمخزون يثري الوجدان الداخلي يستدعي اثناء العملية الإبداعية, حتى ولو كان إبداع متحرر من الواقع. وواصلت الفنانة: إن الجدران القديمة المبنية من قطع الأحجار الكبيرة الخشنة الملمس, والتي تذخر بها المساجد والبيوت والعمائر العتيدة, إنما هي مليئة بالإحاءات الذهنية والبصرية التي تشي بخطوط وألوان ترتسم أشكالا وملامس مادية، غنية غنى الاحداث، عميقة عمق الدهر.