الغربة داخل الوطن . الغربة بين الأهل والأحباب . هي أشد ألوان الغربة قساوة على النفس . فالمبتعد عن بلده ، يظل منشغلا بها يبيت ويصحو على أخبارها، قلبه معلقا بها ، نفسه تهفو إليها ، ومن ثم يجد في ذلك الصبر والسلوان إلى أن يعود . أما من يعيش على أرضها ، وبين أهله وناسه ، ورغم كل ذلك يحس أنه غريب ، فلا شك أنه سوف يكون أسيرا للعذاب والضياع . فإلى أين يذهب ؟! . هذا ليس كلاما إنشائيا ، أو تعبيرا أهدف منه إلى نيل الرضا والإعجاب . لكنه من أسف حقيقة واقعة . فاليوم يندر أن تجد قدرا ولو ضئيلا من التسامح ، يجمع بين متحاورين أو متحدثين في موضوع ما ، أي موضوع . أصبح المألوف والعادي أن تجد الصراخ والتشاحن ، وربما الخصام والتباعد ، هذا إن لم يتطور الأمر لأشد من ذلك . يحدث هذا بين الأخ وأخيه والصديق وصديقه ، ومع أقرب الناس لبعضهم البعض . لم يعد أحد يتحمل الآخر . الأنكى والأشد ، أن الكل مصر على أنه هو وحده من يحتكر الحقيقة ، وأن ذلك ليس ذلك متاحا لغيره . لا يريد أحد أن يفهم أن التباين والاختلاف ، هو سنة أصيلة من سنن الله في الكون ، وعلى الجميع القبول بالتعايش مع الآخرين . كل الخلائق تتعايش ما عدا البشر أصحاب العقول والألباب .. لكن هل يمكن للخلاف والتباين السياسي ، أن يقسمنا إلى هذا الحد ، إلى كانتونات وجماعات متنافرة ، كل منها يتمنى زوال الآخر ؟! . يبدو أن ذلك هو الذي حدث . إلى وقت قريب جدا ربما أقل من عشرين أو ثلاثين سنة ، كانت المحبة والمودة تسود كل طوائف ومكونات المجتمع . فقد كنا نلمس ذلك بسهولة بين المسلم والمسيحي والألفة والمحبة بينهما كانت شيئا عاديا جدا ، وغير العادي ما عدا ذلك . أما الشيخ السلفي فكنا نرى فيه نموذجا للفضيلة والعفة والورع والأمان والتقوى والصلاح ، ونحب أن نستمع له ، ونلجأ إليه بالسؤال في الأمور الشرعية . أما من كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ، فكان نموذجا لرمز العطاء والبر ومد يد المساعدة للمحتاجين ، والسعي الدائم والدءوب نحو مسالك الخير بكل الطرق . أما الشخص العادي - مثلي - فكان يشعر أنه قريب من كل هؤلاء ، وأنه لا توجد مسافات تفصله عنهم . اليوم هذا الإحساس - من شديد الأسف - لم يعد موجودا تقريبا . فالكل متوجس من الكل ، والكل غير مرتاح من الكل ، ولا يلوح في الأفق أية بوادر تبشر بعودة هذا الزمن الجميل ، الذي كان يجمع كل المصريين في بوتقة واحدة ، ويقربهم من بعضهم البعض . لكن أرجع وأقول : إن الله موجود ، ولا شيء خارج عن إرادته ، ولا يجب أن نيأس أبدا من رحمته عز وجل .